فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      التأسيسية لوضع الدستور .. والطوارئ الفقهية

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      المثال الأخير الذي انتصرت فيه قوى اللادينية العلمانية على من ينسبون أنفسهم للتيار الإسلاميّ، كان متمثلاً في تلك المعركة القصيرة المدى - إنْ سَمّينا هذا الخَرط الإعلامي والتلاعبات السياسية معركة إبتداءً - بشأن تشكيل اللجنة التأسيسية للدستور.

      ولابد أن نُبيّن هنا، الفرق بين ما يجب على دولة مسلمة أن تسير في طريقه، في هذا الصدد، وما يحدث اليوم في بلادنا، كدولة علمانية لادينية، تقوم على أساس ديكتاتوري عسكري ملحد.

      إنّ الدستور، كعقدٍ إجتماعيّ، يجب أن يكون ممثِّلاً للمجموعة التي سيكون حارساً على حقوقها، وملزماً بواجباتها، وأن يكون عاكساً لما تعتقده حقاً وتراه ملزماً لها لا تتجاوزه بتلاعبٍ أو بتزوير. وأيّ فائدة في دستورٍ يظن غالب من يتعاقدون عليه بعدم إحترامه أو بعدم الإنتماء اليه؟ ومن هنا، فإن أفضل دستورٍ هو ذلك الدستور الذي ينبع من عقيدة المتعاقدين، إذ لن يجرأ أحد منهم أن ينتهض لخرقه أو الخروج عليه.

      وإذ تبيّنا هذا، فإن الدستور الذي يجب أن يسود في مجتمع يدين بدين الإسلام، يجب، عقلاً، أن يكون نابعاً من دين الإسلام. هذا قدرٌ مشتركٌ، يدفع اليه العقل، ويعضده المنطق، ليواكب المنطلق الشرعيّ في أنه ضرورة عقدية، يخرج المجتمع من تحت مظلة الإسلام إن تعاقد على غيره، أو على نصفه، أو على بعضه دون بعض.

      في الفكر السّياسي الشرعيّ، والوضعي، وفي العقيدة الإسلامية، لا يصح إلا أن يكون الدستور نابعا بتمامه من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لا بديل عنهما، وإلا فإن أولئك المتعاقدين يقرون صراحة بأنهم لا يمثلون القاعدة الحقيقية العريضة من شعبهم، ومن ثم فإنهم ليسوا على عقيدته، بل هم قد خرجوا عنها من أوسع أبواب الكفر بها، وهو باب الطاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.

      في الفكر السّياسي الشرعيّ، لا يجب أن يكون التمثيل إلا من الأغلبية المسلمة، على الأقل في المرحلة الأولى التي تخصّ المَرجعية الدستورية، التي سيتم العقد بناءً عليها. إذ كيف يُمَثّلُ قبطي أو علماني في عقدٍ إجتماعيّ إسلاميّ؟ وهذا هو ما ظهر من الأغلبية التي اجتاحت الإستفتاء على الإعلان الدستورىّ. وقد كان من المفروض على القوى الإسلامية أن تفرض رأيها ورؤيتها، لكن التخاذل والخوف وعدم الثقة بالله وبحُكمه الشرعيّ، جعل الأقلية العلمانية-الصليبية ، تستأسد علي المسلمين، فتفرض عليهم نسبة النصف بالنصف!

      في الفكر السّياسي الشرعيّ، أمر المرجعية سهلٌ بسيط، إقرار القرآن والسنة كمرجع وحيد للأحكام، في حياة الناس وفي سياسة البلاد. وإن لم يكن، فهو الخصام مع الإسلام، والخروج عليه جملة وتفصيلاً، لا وسط في ذلك ولا وسطية.

      وقد سبقتنا تونس، بغنّوشها المرتد، إلى ذلك الأمر، فرفعت الشريعة من مصادر تشريعها مرة واحدة. والأعجب أن هذا اللعين يدعى لنفسه الإسلامية، ويدعيها له من المغفلين أرتال كثيفة من البشر التائه عن الحق!

      إن مسألة تشكيل تلك اللجنة هي شركٌ باطلٌ من أساسه، وما بنى عليه فهو باطلٌ، فإنه لن يخرج من مشكاة هؤلاء الظلاميين إلا نكداً يخالف شرع الله إبتداءً

      إن الظلامية هي أن نترك النور الذي أنزله الله سبحانه ونتيه في ظلمات بعضها فوق بعض، لا تخدم إلا طوائف الفساد وعباد الدنيا، وتحيف على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومن ثمّ على الفقراء والمساكين من أبناء الشعب. هذه هي الظلامية، لا إتباع الله ورسوله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم كما يصور سحرة الإعلام الكافر للناس "ويخرجهم من الظلمات الى النور باذنه ويهديهم الى صراط مستقيم" المائدة 16.

       الأمر كله يختصره الخوف من الثورة، وحب الدنيا وكراهية الموت. فإذا تعدى عليكم العسكر، وداسوكم بالأحذية فلا تلومن إلا أنفسكم "وما ظلمناهم ولكن كانوا انفسهم يظلمون" النحل 118.

      ومتى استقر الدستور الوضعيّ في بلادنا، فإن كافة موازين الأحكام الشرعية، ستتبدل، بشكل تامٍ، وتكون التيارات الإسلامية هي التي تعيش حالة الطوارئ، والتي أسميها "الطوارئ الفقهية"، أي فقه النوازل كما هو متعارف عليه. ولابد إذا أن ينشط فقهاء التيار الإسلامي الصحيح في استخراج الأحكام الفقهية التي تسرى على المقيمين في بلادنا، وما يجب عليهم شرعاً من أحكامٍ، وما يجب أن يكون عليه وضع الدعوة، مع مراعاة مقاصد الشرع وقواعد المصلحة والمفسدة، دون تنازل أو تفريط.

      هذا الجهد، هو جهد موازٍ لعمل تلك اللجنة التأسيسية الدستورية العلمانية، يحكم تصرفات المنتمين للإسلام ولدعوته، فلا يصدر منهم ما يخلّ بإسلامهم، كما لا يضر بأصل وجودهم، ولا يسمح باستئصالهم، بأن يعرضوا أنفسهم لما ليس لهم به طاقة.

      وعلى كل حال، فالأيام الخمسة القادمة، سوف تكشف عن مسارِ التيار الإسلاميّ، وإن كانت طلائع الأحداث هي نذر شر لا بشائر خير.