فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      فقه الأولويات .. ورفع الخَطر عن الأمة!

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      كما ذكرنا مراراً من قبل، فإن دقة النظر في المصطلحات، وتحديد معانيها وحدودها، هو من تمام فقه الفقيه، وعلم الناظر اللبيب. فحين نتحدث عن فقه الأولويات، إنما نتحدث عما يتعلق أصالة بالشق الخاص بالواقع من الفتوى، لا بشق الأحكام الشرعية. فالأولوية في إيقاع أمرٍ لا يغيّر من أصلِ حُكمه الشّرعي، بل يحمله، في مناطٍ مُحدّد إلى ترتيب أعلى على سلم هذه الأحكام، في هذه الفتوى بالذات، لا في أصل ترتيبه الشرعيّ. وقد أحببت أن أنوّه عن هذه الأمر، لأدرأ عن المخلصين من طلاب العلم شُبهات كثيراً ما تعرض لهم في النظر إلى هذا اللون من الفقه، وأصدّ عوادى أدعياء طلب العلم من الرويبضات، الذين لا يحيَون إلا للمشاكسة والتطفل على موائد العلم، ويَحسبون أنهم مهتدون.

      حين يريد الفقيه أن يحدد أولويات مرحلة من المراحل، في حياة فرد أو في حياة أمة، فإنه يرى أشد الأمور خطورة وأكثرها ظلماً، على ذلك الفرد، أو تلك الأمة في وقت التساؤل، فيرى كيفية رفعه وإزالته، ثم يبدأ في إزالة المناكير الأقل، وتحصيل المصالح الأكبر.

      وإذ قدّمنا بهذه الكلمات، في هذا الصدد، فإننا نعود إلى المَشهد الحاليّ على الساحة المصرية المُضطربة المُشتّتة. وهومشهدٌ قد بات في غاية الحزن والإنكسار، ارتفع فيه الوضيع الفاسق وانحطّ فيه الصادق، وخان الصديق وعادى الرفيق، فلا حول ولا قوة إلا بالله. قدّر الله وما شاء فعل، هي أفضل ما يقول المرء في أيامنا هذه، فإن اللوم لن يجدى أحدا شيئاً، ليس بعد أن وصل الحال أن ينتشر بين العامة أن أحمد شفيق أفضل من يصلح لحكم مصر! وهو ذاته الرجل الذي هتفت ذات الجماهير لإسقاطه منذ عام واحدٍ!

      والخطر الأكبر الذي يداهم الأمة في مصر اليوم، هو استمرار هذا النظام الكافر الطاغى في الحكم، بقيادة هذا الملحد أحمد شفيق، ومن ورائه جيش جرار من كفار البلاد، عسكر وشرطة وإعلام، ومراكز قيادية في كل مجال من مجالات الحياة الإقتصادية والسياسية والقضائية. هذا هو الخطر الأكبر بلا نزاع عليه بين أحد من العقلاء. والمصلحة الكبرى هي أن يتولى أمر هذه البلاد، من يقيم شرع الله ويحكم بالعدل، ويسير على نهج الإسلام لا يحيد. هذه هي المصلحة الأكبر بلا نزاع عليه بين أحد من العقلاء. وبين هذين تقع مناطاتٍ كثيرة، يسير المسلم على أيها أقرب لجانب المصلحة الأكبر، مع تحرى الوسيلة التي يتبعها والحكم الشرعيّ الأصليّ فيها.

      هذا القدر الذي ذكرنا لا يختلف فيه "الإسلاميون"، على إختلاف درجات فهمهم، والتزامهم، وحدود مفهوم تطبيق الشريعة لديهم، والتي تتدرج بين عدة مبادئ عامة عند بعضهم، إلى تفصيل كل صغيرة وكبيرة في الفقه.

      إذن، كما قررنا في تقديرنا لفقه الأولويات، فأنّ مواجهة الخطر الداهم، أولى وأهم اليوم من تحصيل المصلحة العليا، إذ إنّه لا بدّ أن يسبق العمل لتحصيلها العمل لإزالة أخطرها،. فهما وجهان لعملة واحدة، بلا شك. لا إسلام  مع شفيق، ولا شفيق مع الإسلام. منطق سهل يسير، ومن ثم لا إصلاح ولا تعمير، ولا تبديل أو تغيير.

      المشكلة عند بعض من يتصدى للحديث في أمر هذه الأمة، ومصيرها، أنه لا يرى الأمر بهذا الشكل، بل هم بين طائفتين، أحدهما لا تزال تتحدث عن ضرورة تطبيق الشريعة، وتقصر حديثها ورؤياها على ذلك، دون أن تعرف كيف، عملياً على الأرض، يمكنها أن تصل إلى ذلك على الإطلاق، إلا بترديد الآيات والأحاديث الدالة على وجوبه، دون الحديث عن مناطاتها أو وسائل تحقيقها. وثانيهما، من يسعى لإزالة شفيق، دون أن يكون هدفه النهائي هو تطبيق الشريعة، كما أراد لها ربّ العالمين، دون حذفٍ أو تشويه، وذلك بأي وسيلة وإن كانت أصلاً مصادمة لشرع الله تعالى. وبين هذين الطائفتين، يقع ابتلاء الله لهذه الأمة.

      لكننا اليوم لا نتحدث عن جلب مصلحة الشريعة، بل على الخلاص من الخَطر الداهم القادم، إن توَلّى أحمد شفيق حكم البلاد. فلا زلنا نرى أن الصلاح لن يأتي إلا عن طريق سنة التدافع. لن يعتزل المجرمون إجرامهم بصناديق اقتراع. هذا ما قلناه لمن تولى غير منهج الله في التغيير إبتداءً، بعد أن ظهر أن الثورة لم تكن إلا انتفاضة، وأنّ المجرمين خيّلوا للناس أنهم سيتركون الأمر ليقضى فيه الشعب، بعد أن سقط الدستور السابق، وقرر الناس بنسبة 78% أنهم يريدون الإسلام، إذ على هذا كان التصويت في عقولهم وقلوبهم. لكن، الداء ظلّ كامناً، ثم تسرّب رويدا رويدا إلى أن استعاد سَيطرته على الجَسد كله.

      والطريق إلى رفع الخطر، كما نؤمن به هو الثورة، ثم الثورة، ثم الثورة.

      ولكن رغم إيماننا إن أمر التصويت لمرسى أمرٌ موهم، إلى جانب عدم شرعيته، أو إن شئت فقل، هو أمر غير مشروع لأنه موهم، ولأنه على نهجٍ مناقض لما يتطلبه التوحيد الصافي في العقيدة والحركة بها، إذ اللعب على الحَبلين ليس مما يستقيمُ مع الشّرع طريقه، ولا يتلاقى مع الصراط السويّ نهجه، لكن، قدر الله شاء أن لا يزال عدد هائلٌ من الخلق، بل وعدد هائل ممن يحب أن ينتمى إلى العمل الإسلاميّ، يرون أنّ يدخلوا في هذه المحاولة اليائسة راجين أن يتم لهم ما أرادوا.

      هذا واقع لا يستطيع الفقيه، أو المحلل أن يتجاهله، وإلا عاش في عالمٍ خاصٍ به، مبتوت الصلة بما حوله. بل علي الفقيه أن يراقبه وأن يرى جوانب الضعف منه ومناحي القوة فيه، أو ما فيه من مصلحة وما يحويه من مفسدة. وأنا على ثقة أنّ رويبضة علم سيقفز على ما كتبت ليقول، متعالماً متفيقها: "ها هو ابن عبد الحليم يؤيد الديموقراطية ويزعم أن فيها نفعاً!".

      أكاد أسمع أحد هؤلاء المزاعيم، يدورون على مواقع الإنترنت بمثل هذه الجراثيم. لكن، إلى محبى العلم، وأصحب العقل أقول، إنّ الله سبحانه لم يجعل شيئاً على الأرض لا يحمل ضراً ونفعاً في آنٍ واحد. ألم تسمع لقوله تعالى في شأن أخبث الأعمال، الخمر والميسر "قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌۭ كَبِيرٌۭ وَمَنَـٰفِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا" البقرة 219. هكذا ننظر إلى ما في أمر إنتخاب مرسى، لا نشارك فيه، لكن نرجو ما فيه من خير، ليكون للشريعة عوناً، ونتعوذ مما فيه من شرّ، وهو الأكبر، ليدرأه الله عن الدعوة.

      فإذا وصلنا في تحليلنا إلى هَذه النقطة، فإن ما في إنتخاب مرسى من نفعٍ قليلٍ، فإنه يأتي من أنه يدرأ الخطر الأكبر مرحلياً، أي حكم شفيق الأكفر، ثم هو يسبّب صداعاً للعسكر، إذ عليهم أن يكونوا على حذر في الخطوة القادمة، أيحلون مجلس الشعب ويتركون شفيق، ليسقط؟ أم يحلون مجلس الشعب ويزوّرون لشفيق تزويرا فاضحاً ليفوز؟ أم يبطلون الإنتخابات بالمرة، ويحلون مجلس الشعب فتعود مصر إلى نقطة الصفر؟ أم يعقدون صفقة مع الإخوان، ليقيدوا الرئاسة بكل قيود الذلة والعار، وهو ما لن يرفضه الإخوان، إذا عرفنا تاريخهم القريب؟

      كلها إحتمالاتٌ العسكر فيها هو الفائز إلا في أولها، وهو ما لن يتركوه يحدث مهما كان الأمر. ومن هنا فإن تلك العملية الإنتخابية، التي ما كانت لتكون لولا إنهزامية الإخوان وعمالة أدعياء السلفية لمّا تركوا الميادين، هي إزعاج مؤقتٌ للعسكر، على أعلى تقدير. ثم لعلّ العسكر أن يرتكب الخطأ الفاحش فيجعل شفيق رئيساً، فترتفع هنالك فرصة الثورة الثانية بلا شكٍ، وإن لم تكن مؤكدة، لِما راينا من تَخاذل الإخوان وجُبن أدعياء السلفية. هذا ما يمكن أن تَسهُم فيه هذه العَملية، لا أكثر ولا اقل.

      أسمعك تقول، لماذا إنقلبت قوتنا ضعفاً، وعزتنا ذلة، وعُلوّنا حِطّة، وصُراخنا صَمتاً، كأننا نهتف بلا شَفاة، ونَضرب بلا أكفّ؟ أقول، لأنّنا تركنا سُنّة رَسولنا صلى الله عليه وسلم، ونَهَجنا منهج الكُفر الديموقراطيّ، فرحنا نتمسح على أعتابه، كأنه هو الأصل، وشرعنا هو الصورة. خذلنا الشريعة فخذلنا الله. فهل من مدّكر؟