فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      مفهوم المواطنة .. بين الإسلام والعلمانية

      مفهوم آخر من المفاهيم التى تتبناها العلمانية الوسطية التي تَستَترُ تحت عباءة إسلام "الوسط"، والتي مردّها النهائي أن تتمسك بالإسلام إسماً، وتهجُرُه – كلياً أو جزئياً - حقيقةً ورسماً، هو مفهوم "المواطنة" الذي خرجت به علينا نخبة من "المفكرين الإسلاميين" من طائفة محمد سليم العوا وفهمى هويدى، وتابعهم جيلٌ ناشئ من الإعلاميين يُدْلون بدلوهم في أمور الدين دون حصيلة من علم شرعيّ.

       وأصحاب هذه العلمانية الوسطية يطلقون عليها "الإسلام الوسط" أو "وسطية الإسلام"! والإسلام، مبَتَدءاً ووَسَطاً ونهاية برئ منها، إذ – كما بيّنا من قبل - الوسطية هي حق بين باطلين لا بين حق وباطل، والفارق بينهما جدّ خطير، فارق يُلبِس الحق بالباطل ويميّع القضايا ويزوّر المفاهيم. كذلك ما بيّناه عن مفهوم التجديد، وأنه يعنى الرجوع إلى الأصول بعد البلى والبدع، لا إختراع ما لا عهد للإسلام به، خلاف الإجتهاد.

       وما يجب أن ننوّه له هنا أنّه ما من مفهوم بدعيّ ينشأ إلا على حساب مفهوم شرعيّ يُهدم. فالوسطية المزعومة تهدم مفهوم الإسلام الأصوليّ المبنيّ على الكتاب والسنة، وتجعل الإسلام خليطاً من حقّ وباطل، كما أنّ التجديد البدعيّ يعنى الإفتئات على الثوابت العقدية والقواعد الشرعية.

       ومفهوم المواطنة الذي يروّج له هؤلاء، والذي هو جزء من منظومة خَلط المفاهيم، يعنى أنّ المقيمين على أرض واحدة يشتركون في الحقوق والواجبات مساواة بلا تمييز، وهو أمر يبدو للوهلة الأولى مِثاليّ بديع، إذ لِمَ تمتاز طائفة على طائفة وهم متشاركون في الأرض؟ إلا أنّ حقيقة هذا المفهوم، كما تبيّن، أنه يقوم على المشاركة في الأرض. فالأرض هي العامل المشترك بين الطوائف والأجناس، لا الدين. ومن هنا إستلزم دعاة هذا المذهب العلمانيّ الوَسطيّ أن يؤسِّسوا لتساوى الأديان وأنه لا يعلو دين على آخر – في الدنيا على ما قرّر العوا صراحة، حتى يتسنى لهم أن يقعّدوا القواعد التى يزعمون أنها داعمة للمجموعة الوطنية في وجه التطرف إسلامياً أو نصرانياً!

       وحتى يتمهد لهؤلاء ما يريدون من الضلال في مفهوم المواطنة، لزَمَ أن ينكروا كفر القبط المثلّثين، وهو ما قاله العوا على برنامج اليوم السابع من أنّه "لا يقدر أن يقول أنّ بيشوى كافر لأن ليس له الحق في ذلك". وهي قولة تُخرج صاحبها من الإسلام جملة واحدة، ففيها إنكار ما علم من الدين بالضرورة وإنكار ما تزاحم من آيات القرآن عن كفر اليهود والنصارى، أعاذنا الله من الخذلان.

       ولا يخفى على من بَلَغ الفِطَام أنّ هذا المفهوم هو عينه المفهوم الذي يروّج له القوميون، وهو عينه الذي تؤسس له دعوة العالمية (globalization) ووحدة الأديان الماسونية، وأنه أساس العلمانية اللادينية الحديثة، بلا فرق. وهو، بما فيه من هذه المركبات، يهدم مفاهيم الإسلام الثابتة:

       • يهدمُ مفهوم دار الإسلام كليّة لصالح العالمية، ومن ثم، يهدم حق الحاكمية لله سبحانه، ولزوم الحكم بشرع الإسلام.

       • ويهدمُ مفهوم علوّ الإسلام دنيا وآخرة، في قول الله تعالى:"وَلَا تَهِنُوا۟ وَلَا تَحْزَنُوا۟ وَأَنتُمُ ٱلْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ" آل عمران 139

      • ويهدمُ الفرق بين الإسلام والشرك، وبين لا إله إلا الله وبين القول بالتثليث، تعالى الله عما يريد هؤلاء علواً كبيراً.

      • ويهدمُ حقيقةَ الإسلامِ الكبرى من أنّ وطن المسلم وجنسيته هي عقيدته، لا الأرض التي وُلد عليها، وإن حنّ لأرض ميلاده 

      • ويهدمُ أساسَ الدعوةِ إلى الإسلام، إذ لا فضل لدين على دين، ولا لمسلم على مشرك لشراكتهما في الأرض، فعلام الدعوة إلى الإسلام إذن، ونحن أبناء الأرض الواحدة؟! لا فرق ولا فضل!

       ومن حجج هؤلاء من العلمانيين الوسَطيين أنّ الإسلام أحسنَ لأهل الذمة، وعاملهم معاملة المسلمين، وقد قال عمر بن الخطاب "رضى الله عنه" متى استَعبدتُم الناس وقد ولَدتهم أمهاتُهم أحراراً، وأنّ عقد الذمة قد سقط بمشاركة مشركي القبط في الخدمات العسكرية دفاعاً عن الأمة.

       كلّ هذا الحديث هو من المُتشابهات من الأدلة التي لا تعارض المُحْكمات التي تنقضها من أطرافها. فإحسان المسلمين لأهل الذمة من مُشرِكي القبط الضالين ومن اليهود المغضوب عليهم، هو من قبيل رَحمَة الإسلام بهم كما في قوله تعالى "لَّا يَنْهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمْ يُقَـٰتِلُوكُمْ فِى ٱلدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَـٰرِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوٓا۟ إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ" الممتحنة 8، وهو من عَدل الإسلام أن يَبرّ القوى بالضعيف، والأعلى بالأدنى، وإلا لم يكن معنى لوصية الله سبحانه للمسلمين بالإحسان اليهم، وهو من دلالة الإشارة من باب الدلالات في علم الأصول. وهذا لا يعنى بالتبعية مساواتهم بالمسلمين، لوجود الفارق الجوهريّ الأصيل بين الإسلام والشرك، فإعتماد هذه الآية على غرض المواطنة هو من المتشابهات التى لا يتّبعها إلا الذين في قلوبهم مَرض كما بيّن الله سبحانه في سورة آل عمران.

       أما عن قولة عمر، فهي تتمشى مع سياق ما ذكرنا من عدل الفاروق، ووجوب مراعاة العدل حتى في الشنآن، وأنّ نشبه حكم الجزية بالإستعباد لهو من أمحق الباطل، إذ رفض عمر الإستبداد والإستعباد، لكنه لم يرفع الجزية ولم يسوِ مسلماً بكافر.

       ثم إنّ عقد الذمّة بين مشركي القبط من المصريين، وبين المسلمين من المصريين عقدٌ قائمٌ بإقامة الشرع له، لا يسقط بتغلّب أو بتقادُم أو بتعطِيل حاكم أو كفر حكومة، طالما أن مُشركي القبط يعيشون على أرض فتحها المسلمون وغلب على أهلها الإسلام كما في مصر من دخول غالب المصريين في الدين بعد الفتح، وبعد أن تبيّن لهم خراب تلك العقيدة التثليثية الرومانية الوثنية، إلا إن خَرَقه كفارُ القبط بتعدٍ أو بإلحاد، أو بإعلاء كنائسهم عن المساجد، أو بنشر شِركهم بين المسلمين، أو عدوانهم على المهاجرات إلى الله، حينها يَلزم قتل المعتدى ومحاربته إن كانوا طائفة ذووا عدد، خاصة إن أهانوا القرآن وحشدوا السلاح للعدوان.

       وأمر هؤلاء من العلمانيين الوسطيين ممن ينتسب إلى الفِكر الإسلاميّ أمرٌ مُفزِعٌ، إذ إنهم يخذّلون أهل الإسلام من داخله كحصان طروادة أو كطابور خامس، فهموا ذلك أم لم يفهموا، وأدركوا آفتهم أم لم يدركونها، فهذا أمر بينهم وبين الله سبحانه، لكن أن يَسكت أهل الإسلام على هذا الباطل، بل وأن يمجّدوا أصحابه ويدافعوا عنهم، وينشروا مقالاتهم، لجهلهم بالشريعة أو لغرض من الهوى، أو للحرص على علاقة بإسم من الأسماء المشهورة على الألسنة، لهو خيانةٌ للهِ ولرسولِه وللمؤمنين.

      www.tariqabdelhaleem.com