فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      وجعل منهم القردة و الخنازير و عبد الطاغوت

      الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده، و بعد:

      عن أبي سعيد سعد بن مالك الخدري * رضي الله عنه * أن النبيّ صلى الله عليه و سلم قال: ( لتركبن سنن من قبلكم شبرا بشبر و ذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قلنا يا رسول الله أاليهود و النصارى، قال : فمن). و في رواية أخرى ( يا رسول الله، فارس و الروم. قال : ومن الناس إلا أولئك). أخرجهما البخاري و مسلم.

      لا إله إلا الله. قد وقع و الله ما أخبر به الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى. و رأينا ذلك رأي عين. فلقد أصبح بعض من ينتسبون للإسلام يتسابقون في تقليد اليهود و النصارى و المجوس و أتباع كل نحلة خبيثة على وجه الأرض بل و حتى من لا دين لهم و لا ملة. والأدهى من ذلك أن هؤلاء القردة المقلدة لأسيادهم هنا و هناك يعدون صنيعهم هذا منقبة من مناقبهم و فضيلة من فضائلهم و يجعلون ميزان التقدم و الرقي منوطا بمتابعة القوم الكافرين الذين و إن خسروا الآخرة فهم يستمتعون بالدنيا التي فتح الله عليهم منها أبواب كل شيء. لا كمقلديهم الذين إن لم يرجعوا إلى دينهم و ربهم خسروا الدنيا و الآخرة ذلك هو الخسران المبين.

      إنها السنن

      لقد أنزل الله آية المائدة : { و جعل منهم القردة و الخنازير و عبدَ الطاغوت} (المائدة : 60) في سياق ذكر بعض مخازي بني إسرائيل و فضائحهم. و حيث أن هذه الأمة أتى عليها ما أتى على القرون من قبلها، و ركبتْ سنن الذين من قبلها، لا سيما بني إسرائيل، فقد أصابتها سنن الله الكونية التي لا تحابي أحدا من الخلق :{ فهل ينظرون إلا سنة الأولين فلن تجد لسنة الله تبديلا و لن تجد لسنة الله تحويلا }(فاطر : 43 ) ، فجعل منهم القردة و الخنازير و عبد الطاغوت على ما سنبيّنه إن شاء الله في هذا المقال.

      • ·         جعل منهم القردة :

      معلوم أن القرد حيوان مقَلِّد. ومن يرى ما آلت إليه هذه الأمة * إلا من رحم ربي * لا يخطئ في اكتشاف مدى الولع بتقليد الكافرين في أخلاقهم و أفكارهم و طرق عيشهم بل و في عقائدهم و أنظمة حكمهم. فلا ترى همّا للشباب - وأركز على الشباب لأنهم قوة المجتمع و أداة بنائه-  إلا تقليد فلان المغني في مشيته أو في تسريحة شعره أو في ملبسه، أو فلانة الراقصة الفاجرة، فتجد الواحد منهم يحفظ أسماء هؤلاء بالتفصيل و لا يعرف أسماء الصحابة مثلا. و أحيانا، و هذه هي المصيبة، يعلم هؤلاء المقلدون أن فلانا المغني شاذ جنسيا مثلا، أو غارق في شرب المسكرات و المخدرات، و مع ذلك تراهم يسارعون في تقليده. تماما كما تفعل القردة.

      إن تاريخنا المجيد حافل بالرجال و الأبطال و الصالحات الذين يصلحون أن يكونوا قدوة للناس و أن يُقتفى أثرهم و تُدارَس سيرهم و أحوالهم. لكن الإعلام الماسوني الفاجر صوّر للناس هؤلاء الأبطال في أبشع صورة. و في المقابل بالغوا في تضخيم ألقاب أولئك القوم الفجرة الذين لا خلاق لهم حتى تسابقت القردة التي تُقلّد بلا عقول في تقليدهم و التشبه بهم، حتى صاروا لا يميزون بين عدو و صديق. و لا أرى لهم مثلا إلا كما قال الشاعر :

      أشبهت  أعدائي فصرت أحبهم       إذ كان حظي منك حظي منهمُ.

       

      • ·         و الخنازير:

      يقال أنّ الخنزير حيوان ديوث، لا يغار على أنثاه. و كثير من المنتسبين لهذه الأمة أصيب بهذ المرض الخبيث ؛ الدياثة. فأصبحت ترى أحد هؤلاء لا يجد حرجا في أن يرى صديقه أو زميل زوجته في العمل أو الدراسة يقبل زوجته أمام عينيه. بل وأحيانا للأسف، تجد أحدهم يعرّف صديقه على زوجته و يقول لزوجته سلّمي على فلان، فيتبادلان القُبَلَ أمامه. حسبنا الله و نعم الوكيل. أقف حائرا و لا أدري ماذا أقول. أحيانا أتساءل، هل هؤلاء عربٌ؟ دع عنك الإسلام. إن العرب الأقحاح تأكلهم الغيرة على النساء. لا يرضى أحد منهم أن يري منظرا مشينا من امرأته أو امرأة أخرى من أرحامه.  و ها هو ذا عمرو بن كلثوم و هو شاعر جاهلي يقول في معلَّقته :

      يقُتن جيادنا و يقلن لستم   ****  بعولتنا إذا لم تمنعونا

      إذا لم نحمهنّ فلا  حيينا   **** لشيء بعدهنّ ولا بقينا

      غيرة على النساء أن تُسبى بعدهنّ. بل إن بعض الصحابة كسعد بن عبادة، كان إذا طلق امرأة لا تُنْكَحُ من بعدِه، لعلم الناس بغيرته الشديدة. أما الآن، يا حسرة على العباد. لقد صوّر لهم الإعلام الماسوني أن السهرات المختلطة وتبادل القبل الرقص بين الجنسين و غير ذلك من التقدّم و الحداثة. فترى الذين سُلِبت عقولهم بسحر الإعلام يسارعون في ذلك و يفتخرون به و لا يخفونه. فإنا لله و إنا إليه راجعون

      • و عبد الطاغوت :

      أمّا هذه، فهي أنكاها و أشدّها. كثير ممن ينتسب لهذه الأمة دخل في دين الطاغوت و عبادته و أعرض عن دين الله و طاعته، و عن الرسول صلى الله عليه و سلم و متابعته، أسوة بأسيادهم في الشرق و الغرب. فإذا كان ابن القيم يقول عن أهل زمانه ــ و أجزم أنه كان أفضل من زماننا ــ أن أكثرهم أعرض عن عبادة الله إلى عبادة الطاغوت، فماذا عساه يقول لو رأى أهل زماننا، الذين يعدّون التشدق بالمواثيق الدولية و الحقوق الكونية و ما شابهها من الألفاظ تقدّما و رقيّا. و منهم من يقول بملئ فيه و لبئس ما يقول، أنّ المواثيق الدولية أسمى من الشريعة الإسلامية!!!. و ليت شعري، أنّى يكون هذا من التقدم و قد وصف الله سبحانه في نفس السورة ــ المائدة ــ كل حكم و دين سوى حكمه بأنه من حكم الجاهلية، فقال عزّ من قائل : ( أفحكم الجاهلية يبغون، و من أحسن من الله حكما لقوم يوقنون)[المائدة ــ 50]. أما أنا و كل موحّد نقول أن لا أحسن من حكم الله وأنَّ المواثيق الدولية تحت نعالنا حيث خالفت حكم الله و دينه و شريعته.

      و يحسن بنا في هذا المقام أن نعرض بعض أقوال السلف في معنى الطاغوت ليُعْرفَ عَبَدتُه بسمات بارزة لا تخطؤها العين. و ليحذره الموحدون ممن هو علي المحجة البيضاء. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ( الجبت : السحر. و الطاغوت الشيطان). و قال جابر : ( الطواغيت : كهان كانت تنزل عليهم الشياطين من جهينة). و روى بعض أهل التفسير في قول الله تعالى : (يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت) قيل هو كعب بن الأشرف اليهودي  و قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( الطاغوت هو : الطاغي من الأعيان، والجبت : هو من الأعمال والأقوال، كما قال عمر بن الخطاب : الجبت السحر، والطاغوت الشيطان؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : " العيافة والطيرة، والطرق من الجبت " . رواه أبو داود .

       والطاغوت : فعلوت من الطغيان . كما أن الملكوت : فعلوت من الملك . والرحموت، والرهبوت، والرغبوت : فعلوت من الرحمة، والرهبة، والرغبة . والطغيان : مجاوزة الحد، وهو الظلم والبغي . فالمعبود من دون اللّه إذا لم يكن كارها لذلك : طاغوت؛ ولهذا سمي النبي صلى الله عليه وسلم الأصنام طواغيت في الحديث الصحيح لما قال : " ويتبع من يعبد الطواغيت الطواغيت " . والمطاع في معصية اللّه، والمطاع في اتباع غير الهدي ودين الحق سواء كان مقبولا خبره المخالف لكتاب اللّه، أو مطاعا أمره المخالف لأمر اللّه هو طاغوت؛ ولهذا سمي من تحوكم إليه، من حاكم بغير كتاب اللّه طاغوت، وسمي اللّه فرعون وعادا طغاة وقال في صيحة ثمود : {فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ } [ الحاقة : 5 ] .

      واللّه تعإلى يحب تمييز الخبيث من الطيب، والحق من الباطل، فيعرف أن هؤلاء الأصناف منافقون، أو فيهم نفاق ، وإن كانوا مع المسلمين، فإن كون الرجل مسلما في الظاهر لا يمنع أن يكون منافقاً في الباطن، فإن المنافقين كلهم مسلمون في الظاهر، والقرآن قد بين صفاتهم وأحكامهم . وإذا كانوا موجودين على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وفي عزة الإسلام، مع ظهور أعلام النبوة، ونور الرسالة، فهم مع بعدهم عنهما أشد وجودا، لاسيما وسبب النفاق هو سبب الكفر، وهو المعارضة لما جاءت به الرسل .)اهـــ.كلامه. و قال الإمام ابن القيم : (الطاغوت كل ما تجاوز به العبد حده: من معبود أو متبوع أو مطاع. فطاغوت كل قوم: من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله، أو يعبدونه من دون الله، أو يتبعونه على غير بصيرة من الله، أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله. فهذه طواغيت العالم إذا تأملتها وتأملت أحوال الناس معها، رأيت أكثرهم أعرض عن عبادة الله تعالى إلى عبادة الطاغوت، وعن طاعة رسول الله صلي الله عليه وسلم إلى طاعة الطاغوت ومتابعته) اهـ.كلامه. فانظر رحمك الله إلى أقوال الصحابة و السلف ثم تأمل أحوال الناس ترى بوضوح أنّ كثيرا ممن ينتسب لهذه الأمة يعبُد الطاغوت حقيقة لا مجازا. فانظر إلى الشيطان ــ رأس الطواغيت ــ ستجد فريقا من الناس يعبدونه، أولئك الذين يُعرفون بعبدة الشيطان (satanic). و انظر إلى القوانين الوضعية ستجد لهم عبيدا كثر؛ عبيد الياسق العصري كما أسماهم الشيخ أحمد محمد شاكر أبو الأشبال. و هكذا كل الطواغيت لها عبيد كثر من هذه الأمه، متأسّين في ذلك بأسيادهم في الغرب الصليبي أو الشرق الشيوعي الملحد.

       

      بقي أن يُقال هل يمكن أن تجتمع تلك الخصال المشينة في شخص أو جماعة؟

       نقول و بالله التوفيق نعم، قد اجتمعت الخصال السالفة الذكر في الحداثيين، أنصار الحداثة. و الحداثة ليست كما يريد أن يصوّرها لنا أتباعها أنها تعني التطور و التقدم العلمي و الاستفادة من النافع عند الحضارات والأمم الأخرى، و إنما تعني فيما تعنيه الإلحاد و الإباحية و العلمانية. وهذا ليس قولي بل هذا قول كبار منظري الحداثة في العالم العربي، أمثال : أدونيس، خليل حاوي، يوسف الخال النصراني، و غيرهم كثير، و لعلنا نفرد للحداثة و الحداثيين مقالا مستقلا، لكن أكتفي هنا بجزء من حوار أجري مع أدونيس هذه الأيام، فكان مما قاء : ( حين سأستمع إلى تصريحٍ غير مبهم يدلي به الثوار المفترضون معلنين التخلي عن قانون الردة، وغداة تخويلِ المسلمين حق تغيير معتقداتهم وآرائهم، وعند إقرار المساواة في الحقوق والواجبات بين المسلمين والمسيحيين، وضمان حق النساء في تقرير مصيرهن والتصرف بجسدهن – أعني تحرير المرأة من الشريعة- وحين سأقرأ أن العالم الإسلامي جزءٌ من الثقافة الكونية، وليسَ بمركزٍ ينظر إلى الآخرين باعتبارهم ضالين تنبغي هدايتهم؟ وعندما سيكون هناك إعلان كوني ومفصل يشمل كل هذه المبادئ مثل إعلان حقوق الإنسان والمواطن كما حدث بفرنسا عام 1789 ، إذ ذاك سنكون قادرين على تسويغ الفوضى وانتظار مائة عام لرؤيتها بشكلٍ أوضح يشق طريقاً واضحة المسلك. إن ما يطلبُ منا اليوم هو الإطاحة بالنظام فوراً. لكن ما العمل بعد ذلك؟ لتعويضه بنظام أكثر أو أقل سوءً، يدع كل تلك المسائل معلقة دون إجابة، كما كان عليه الحال في السابق؟ ) اهــ.كلامه. فهذا هو الذي يريده منا الحداثيون عبيد الغرب الذين يزعمون أنهم أحرار الفكر و هم أكبر المستعبدين على وجه الأرض. يريدون سلخنا من ديننا لنكون حميرا مثلهم يركبنا اليهود. كيف لا و قد قالوا في بروتوكولات حكماء صهيون : (الأمميون هم الهمير الذين خلقهم الله ليركبهم شعب الله المختار). لاأنهم أدركوا أن الوسيلة الوحيدة لاستحمار الناس هي سلخهم من عقائدهم. لأن الآية وإن كانت نزلت فيهم إلا أنهم طبقوها على غيرهم، فقد قال الله : (مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا)[الجمعة ].

       

      ختاما، هذه كانت تذكرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع و هو شهيد، عسى ألا نكون ممن يسلك مسلك الأمم من قبلنا. بل المسلم دائما متميز و يجب أن يبقى كذلك فلا يستوي أولياء الرحمان و أولياء الشيطان. والله الموفق والهادي للصواب و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم. .