فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      ما نفعل إذا وقعت الكارثة؟

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      سؤالٌ يتبادَرُ إلى أذهان ما لا يحصى من شَبابِ الدّعوة، بل شُيوخها، ممن هم على طريقة أهل السنة والجماعة، وعلى التوحيد الخالص، وهم من يُطلقُ عليهم أبناء "الحركة الإسلامية" بحقٍ، كما عَرّفناها. السؤال هو: ماذا نحنُ فاعلون إذا وقعت كارثة وصول أحمد شَفيق إلى الحُكم؟ الرجل قد أعلن الحرب على الإسلام، وعلى الإسلاميين، وعلى كلّ ما يمتّ للشّريعة بصِلة. وهو ما يدفع إلى الظنّ الغالب أنّ حملة إعتقالاتٍ سوف تسرى في جنبات الحركة الإسلامي، غير الرّسمية، أقصد خلاف الإخوان وأدعياء السلفية، فور إعلان العليا للتزوير نتيجة الإنتخابات، حيث سيكون هناك حظر للتجول عشية هذه النتائج، لمنع أيّ اضطرابات محتملة. فماذا نحن فاعلون؟ والردّ على هذا السؤال يحتوى شقين، شقٌ عقديّ، يعالج نفس المؤمن، وشقٌ عمليّ، يوجه تصرّفه.

      ما يجب أن نؤكد عليه ، أنّ اليأسَ عدوُ الحق، والحق لا شك في ظُهوره في يوم من الأيام، بشكلٍ من الأشكال. واليأس يعنى أنّ الحق لم يعد له محلّ في الواقع. ولهذا يقول المولى عز وجلّ "إِنَّهُۥ لَا يَا۟يْـَٔسُ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلْقَوْمُ ٱلْكَـٰفِرُونَ"يوسف 87، وقال تعالى "حَتَّىٰٓ إِذَا ٱسْتَيْـَٔسَ ٱلرُّسُلُ وَظَنُّوٓا۟ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا۟ جَآءَهُمْ نَصْرُنَا" يوسف 110.  وتلاحظ، قارئي العزيز، أن الآيتين كلاهما من سورة يوسف، وهي الأليق بالحديث عن معالجة اليأس، إذ عالجت يأس أبٍ مكلومٍ في ابنه، ثم تحولت ليأس صاحب دعوة في دعوته. من هنا يجب، على كل حالٍ، فردي أو جماعيّ، أنْ ندع شعاع الأمل ينفذ من خلال ظلمات الواقع، فلا نتحرك في ظلام الإحباط، فنتخبط ونتلجلج ونفقد مَعالم الطريق.

      ثم، أمرٌ آخر، أثبتته لي تجارب الحياة، ثلثيّ قرنٍ منها، أنّ حساباتنا، مهما دقّت، ومهما، انضبطت، فإنها تبقى قاصرة بحدود ما نعرف، وما أقله ، محدودة بحدود ما لا نعرف، وما أكثره. إن المعادلات الكونية التي تعمل من خلال سُنن الله سبحانه، وهي التي تساهم في تنظيم علاقات الناس والمُجتمع والدنيا، بعضها ببعض، لها قدرٌ وافرٌ في تحديد نتائج ما نحسب أنّنا قدمنا له كافة مقدماته. وما حساباتنا، بما نعرف، إلا جزء من هذه المعادلة الكونية العامة. لا، هذا ليس تصوّفاً، بل هو حقٌ متعلق بالعَالم المشهود، عالم الأسباب. فما لا يعرفه الناس أنّ النتائج التي يشاهدونها ليست ناشئة عما يتّخذه واحد منهم، أو أكثر، من أسباب، بل هي خليطٌ من أسبابٍ يتعاون عليها آخرون، وهي أكثرُ من أن تُحصى، فتنتظِمها تلك السُنن، لتخرج نتيجةٍ ما، منطقية معقولة، وإن بدت غير ذلك للناظر القاصر المتعجل. ومن هنا، فلا يجب أن يعتمد العاقل على ما بين يديه من حِسابات، لحسم مواقف، قد يريد الله لها أن تتغير أو تتبدل. وهو هنا مدخل الأمل، وكوة النور.

      ثم، أمرٌ ثالثٌ، لا يقل أهمية عن ذينك الأمرين، أنّ الله سبحانه قد تعبّدنا بما هو في مَقدورنا، قال تعالى "فَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ" التغابن 16. وما يجرى في الدنيا ليس مسؤلية فَردية يُسأل عنها واحدٌ فَردٌ. بل نحن، كأفرادٍ، مطالبون بأخذِ ما نَقدِر عليه من أسباب، ثم التوكّل على الله.

      إذا سَلّمنا بهذه الأمور الثلاثة، ثم تحوّلنا إلى الحاضرِ المَشهود، وجدنا أنه إن جاءت صناديق الشّرك بأحمد شفيق، فلا حول ولا قوة إلا بالله. نعم، سيعود أمن الدولة على الفور إبى نشاطه المعتاد. سيعتقل الآلاف من الإخوة، ثم يتبع ذلك حلّ البرلمان، وإعتقال الإخوان، الذين أدت بنا خيابة سياساتهم وطَمعهم في الكراسى إلى ما وَصلنا اليه. وتعود مصر لقبضة الشيطان. هذا هو السيناريو الأسوأ. وليس غيره سيناريو، إلا أن يفوز مرسى، وساعتها سيفتعل العسكر أمراً من خلال العليا للتزوير لإبطال النتائج وإعادة البلد إلى الهرج والفوضى أكثر مما هي فيه.

      وقد خاطبت، وخاطب غيرى، كثيراً من الدعاة، وكثيراً من الناس، في حالة من الإحباط الشديد، لا يعلمون ما يفعلون، إن وقعت الكارثة، وهي واقعة، إلا اذا أراد ربّي شيئاً. هل يكون الفرار من البلد حلاً؟ هل الفرار إلى السّلبية والإنطواء حلاً؟ كيف سنواجه المرحلة السوداء القادمة، التي جرتها علينا خيانة الإخوان، وخيبتهم، وعمالة أدعياء السلفية المنزلية وإجرامهم؟

      ثم الإحباط، يا أبناء الدعوة، لا يتوَلّد إلا من الأمل في وقوع الحَدَث إبتداءً. وعلى قدر هذا الأمل يأتي الإحباط. وقد كان من الواضِح الجليّ منذ 6 فبراير 2011، أنّ العسكر عازمون على إبقاءِ نظام مبارك، كما كان واضِحاً تَصرّفات الإخوان، وأطماعِهم، وتأويلات السّلفية المَنزلية الملوّثة الخَاذِلة. من هنا كانت النتيجة التي تبلوَرَت فيما نرى من ترشيح أحمد شفيق، بل وإقترابه، أكثر من غيره، من كرسى الرئاسة، غير صادمة لي وللكثيرين. فالفهم الصحيح وصدق الحدس، معينان على تقليص مساحة الإحباط، وحسن تقدير مساحة الأمل، دون إفراطٍ أو تفريط.

      الأمر، إنّه لا فرار لنا من الدّعوة، ثم الدّعوة، ثم الدّعوة. إن تحقّقت الكَارثة، ولم يَخرُج الشّعب مطالباً بحقوقه وثورته، فإنّ الدعوة إلى الله لن تقف. نعم سنواجه الطواغيت، وأمن الدولة. نعم، سيُهاجمنا العملاء من مشايخ السّلفية المَنزلية، على أننا خوارج، لا نسلم أمرنا لوليّ الأمر، المُشرك! لكن، أليس هذا إبتلاء آخر، نواجِهه في سبيل الله؟ إن الأمة المصرية لم تصلْ إلى درجة الإستحقاق التي ترفع عنها الذّلة، فيطعمها من الجوع ويؤمنها من الخوف. لا تزال الأمة غالبٌ عليها أمر دنياها، ضعيفٌ فيها أمر آخرتها، مستسلمة لقاتليها، صدق فيها قول شوقي على لسان كليوباترا، في أهل مصر:

      إسمع الشعبَ ديونٌ              كيف يوحون اليــــــهِ

      مَلأ الجوّ هُتافــــــا              بحياتَـــــــىْ قاتليـــــهِ

      أثر البُهتـانُ فيــــه               وانطوى الزورُ عليهِ

      يالـه من ببّغـــــاءٍ                عَقلُـهُ في أذنيـْــــــــهِ

      إن العلمانيين، ومن والاهم، يشيعون إنّه إما الإسلام، وإما النهضة والحياة الرَّغدة، ويرسمون صُورة المُسلم المُجاهد، كرجلٍ يريد الجَنة لا أكثر، ولا يريد من الدنيا شيئاً، ولا يُحسب لها حساباً. ما يزَيّفه هؤلاء، أن المسلم المجاهد، هو أقرب الناس إلى برنامج النهضة في هذه الدنيا، وتحقيق جنة في الأرض، قبل مشاهدة الجنة في السماء. ما يُزَيّفه هؤلاء على الناس، أنّ الإسلام هو مشروع النهضة الوحيد الذى ينشُر العدل ويحقق المُساواة ويُطلق الحُرية، ويمنع الفساد والسرقة والنّهب والرُعب. ألمْ يقل الله سبحانه "وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰٓ ءَامَنُوا۟ وَٱتَّقَوْا۟ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَـٰتٍۢ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلْأَرْضِ" الأعراف 96، بركاتٍ في الدّنيا، قبل الآخرة، ألم يقل الله سبحانه "وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا۟ ٱلتَّوْرَىٰةَ وَٱلْإِنجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لَأَكَلُوا۟ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم" المائدة 66، لو أقاموا شَرع الله لأكلوا حتى دون جهد منهم، من نَابتِ الأرض، وصَيد السّماء. ألمْ يَمنّ الله على الناس بشرفِ عبادَته التي أورثَتهم الأمن من الإرهاب، والثّراء بعد الفقر، في الدنيا "فَلْيَعْبُدُوا۟ رَبَّ هَـٰذَا ٱلْبَيْتِ، ٱلَّذِىٓ أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍۢ وَءَامَنَهُم مِّنْ خَوْفٍۭ" قريش4. ثم ألمْ يحكى لنا الله عمّأ يحث لمن ابتغى الثراء والأمن دون عبادته، بل بنسيانه وإهمال دينه "فَلَمَّا نَسُوا۟ مَا ذُكِّرُوا۟ بِهِۦ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَ‌ٰبَ كُلِّ شَىْءٍ حَتَّىٰٓ إِذَا فَرِحُوا۟ بِمَآ أُوتُوٓا۟ أَخَذْنَـٰهُم بَغْتَةًۭ فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ" الأنعام 44.  

      إنّ كفار العِلمانية يريدون أن يقيموا حاجِزا بين الإسلام والدنيا، وقد نَجح إِعلامُهم في هذا الأمر. وهذا هو دور الدعوة وإستمرار الدعوة. هذا هو ما يجب أن نسير به بين الناس، سواءً أتى شفيق أو مرسى، بلا فرق.

      ما يجب أن نفعل هو أن ندرك أنّ أصحاب الأخدود لم تنجح ثورتهم، ولكنهم لم يَستسلموا، ولم ييأسوا، بل واجهوا الكارثة كأشجع ما يكون، وكآمن ما يكون. هذا الذي نحن فيه اليوم، قريبٌ من ذاك. لن نترك دعوتنا، ولن نفر منها، ولن نجبُن أمام الجبناء. فإن تعرّض أحد بعينه إلى إكراه في نفسه أو أهله، وجب عليه التصرّف طبق مُقتضيات الضّرورة. أما عن الجَماعة المُسلمة، فهى على طريقها، واثقة بالله، سائرة على دَربِه، خاضِعة لحُكمه، وهناك بين هذا الجَمع الغفير من الغافلين، قلوبٌ واعية، وأذان صاغية، إن أحْسَنّا القول، وبَذلنا الجَهد، ورتّبنا الخُطى، إلى أن يفعل الله ما يشاء، بنا وبقومنا.