فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      أطروحة .. في الحلول المطروحة

      (1)

       أما عن الواقع الحالّ، فقد قدّمنا قراءتنا لما عليه هذا الواقع، واستنفذنا غرضنا في بيان حاله، واستطلاع مآله، إلا أن يشاء ربي شيئاً. ولكن الأمر الآن أمرُ ما يمكن أن يفعله المسلمون لتجنب مآل حرب الإبادة الشاملة التي تشنّها عليهم الأنظمة القائمة في بلادهم، بيد ما يسمونه "قوات الأمن" التي هي معول الهدم ومخالب الذئب تنهش في لحم الشعوب، والتي تساندها قوات الغرب الصليبية التي احتلت العراق وأفغانستان إحتلالاً عسكرياً سافراً وإحتلت غيرهما من بلاد العرب إحتلالاً عسكرياً مستتراً تحت مظلة القواعد العسكرية، أو الشركات البترولية. هذا غير الكارثة الصهيونية التي تقبع في قلب العالم العربي "المسلم"، مرْكزاً للتآمر على البلاد المحيطة لتفتيتها بل وقتل مواطنيها بالأمراض والآفات حتى يتم تدميرها بالكلية! لاقدر الله ذلك.

       ومن خلال هذه القراءة، وبعون من استقراء التاريخ، ومعرفة السنن الإجتماعية الإلهية التي تتحكم في مصائر الشعوب وترسم جغرافيا السياسة، فإن مقاومة الوضع الكارثيّ القائم يدور على محورين:

      الأول، هو في الخلاص من النظم الادينية واللاوطنية القائمة التي لا تعمل إلا لصالح فئات محدودة ومن يحمون هذه الفئات من حثالة البشر وتجار الفساد.

      والثاني، هو محور الخلاص من العدو المحتل الصليبيّ والصهيونيّ ودحر التوسع المجوسي الصفوى. 

      والناظر إلى حقائق الواقع، من خلال الرؤية والقراءة التي إعتمدنا، يرى أنّ المحور الأول للمقاومة هو ما أثبتناه من ضرورة الخلاص من الأنظمة القائمة التي تغذى شريان الحياة وتقدم العون والمدد لتلك القوات الأجنبية المحتلة. فلا سبيل إلى المحور الثاني إلا بعد إنهاء المهمة في المحور الأول.

      (2)

       ثم إنّ وسائل التغيير التي عرفها التاريخ بعامّة، والتي إستُبدل بها حكمٌ بحكمٍ، أيّا كان شكل هذا الحكم، لا تتعدى الوسائل التالية:

      1. الإستبدال بتوجيهات الوحي الإِلهي بقيادة نبي أو رسول كما في حالة يوسف عليه السلام، وظهور الإسلام بقيادة محمد صلى الله عليه وسلم

      2. الإستبدال بالوسيلة السِياسيّة، اي من خلال مؤسسات سياسية قائمة.

      3. الإستبدال بالوسيلة العسكرية، اي من خلال العسكر وقياداتهم.

      4. الإستبدال بالوسيلة الشعبية، اي من خلال الثورة الشعبية التي، وإن غذّتها اتجاهات معينة، إلا أنها لا تخضع لقيادة محددة.

      ولا خامس لهذه الوسائل الأربعة. ولكلّ منها شواهد في التاريخ، ولكلّ منها شروط وموانع تقيّدها أو تسمح بها، وكلّ منها يصلح في ظرف دون ظرف، أو شَعْبٍ دون شَعب. فالحِكمةُ ليست في معرفة الواقع فحسب، بل وفي معرفة ما يصلح به شعب، وما تقدر عليه أُمّة.

       (3)

       والأهم، الذي لا يجب أن يغيب عن المعنيّين بهذا الأمر، هو تحديد ما لا يمكن تجاوزه من ثوابت في التعامل مع هذه الوسائل، فإن الإسلام لا يقر مبدأ الغايات تبرر الوسائل، بمعنى أنه لا يمكن للمسلم أن يتبنى من الوسائل ما يعارض ثابتاً أو ينكر مستقراً وإن تهيأ له نجاحه وجدواه.

       ونضرب مثالا على ذلك، وإن كان فجاً، يبين المعنى المراد، فإن خرج داعية يزعم أنه نظراً لظروف "الوحدة الوطنية" و"الفتنة الطائفية" بين القبط والمسلمين في مصر، فإنه لا مانع أن تقتصر الشهادة حالياً على "لا إله إلا الله" ولا داع للجهر بالجزء الثاني "أن محمداً رسول الله"! فلا يكون هذا مقبولا إلا عِند من خلع الربقة وخرج عن المِلّة.

      وبالمثل في كلّ ما يمّسُ جناب التوحيد الخالص، من توحيد الربوبية وأسماء الله وصفاته، أو توحيد العبادة وما يمسّ أفعال الكفر. إذا خرج داعية آخر يزعم أنه نظراً للظروف الحالية التي تمر بالعالم الإسلاميّ فإن مدلول "لا إله إلا الله" ومفهوم توحيد العبادة يمكن أن نقتصره على الأركان الخمس، ثم يمكن بعدها صرف أوجه الطاعة لغير الله في شئون والمال والعيال! قلنا، هذا ليس من دين الله الذي ندين به، وفعل الكفر ليس بتقية، ليس مثله كمثل النطق بالكفر تقية، والخلط بينهما لا يدل إلا على جهل بالشريعة وبالله. فالوسائل التي يمكن أن يسلكها المسلم ليست باباً مفتوحاً كما يُهيّؤ للبعض أنها من باب المصلحة، بل هي محكومة بضوابط تلزم مراعاتها وإلا بطل العمل كلية، قال تعالى: "إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ ٱلْمُفْسِدِينَ" يونس 81.

      (4)

       الإصلاح والإستبدال بتوجيهات الوحي الإِلهي وبقيادة نبي أو رسول، هي أعلى هذه الوسائل وأنجعَها وأكثرها أثراً في توجيه البشرية وتحويل مسارها. لكنها تتعذر بالشكل الذي انقضى لختم الوحي والنبوة بعد زمن سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم. وإنما بعض ما يُستفاد منها ما يلى:

      1. أن الإستبدال والتغيير هو أمر من أمور الله سبحانه، فقد تم الإستبدال والتغيير في بعض الأحيان دون بعضها، كما في حالة يوسف عليه السلام، في حالة ظهور الإسلام زمن نبي البشرية محمد صلى الله عليه وسلم، ولكنه لم يتم إبان دعوة كثير من الأنبياء غيرهم كلوطٍ وصالحٍ وشعيب عليهم السلام.

      2. أن وسائل الإصلاح والإستبدال تتعدد حسب حالة المجتمع المقصود، فتكون بقبول الدعوة إلى الإصلاح لصلاح نية السلطة الحاكمة، كما في قصة يوسف عليه السلام، وكما حدث في التاريخ الإسلاميّ الأمويّ حين أوْكل سليمان بن عبد الملك الحكم إلى عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه، متخطّياً أخاه يزيد. أو تكون كما حدث على عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم بالدعوة وتجميع الأتباع، وصولاً إلى "دار إسلام" تُحْكَمُ بشرع الله تعالى، ثم يُشرع بعدها في إعداد العدة لجهاد الكفار خارج دار الإسلام لحمايةِ الدارِ أولاً، ولنشرِ الإسلامِ ثانياً

      3. أنّ الموجّهَ والقائدَ لحركة الإصلاحِ فردٌ، يُؤمن بها إيمانَ الرسل برسالاتهم، وفيه من الشخصيةِ والموهبةِ ما يمكنه من قيادة جماهير الناس لا خاصّتهم. وقد عرضنا من قبل وجهتي نظر عِملاقين من عمالقةِ مفكّرينا1، سيد قطب ومحمود شاكر رحمهما الله، في مسألة القيادة التي تعوز الأمة، هي تأتي بفرد أو بجماعة، ولكن إستلهام تاريخ الوحيّ الإلهيّ، يجعلُ وجودَ الفردِ الملهمِ القائدِ سابقاً لوجود الجماعة وإن كان كليهما لازمٌ لإتمامِ التغيير، وهو ما تشهد به أحداث التاريخ البشري العام وأقرب مثال له هو ما حدث على يدي الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب..

      http://www.tariqabdelhaleem.com/details.php?id=1381 

      (5)

       أما عن الإستبدال بالوسيلة السِياسيّة، فهو ذو أثر محدود للغاية، إذ إنه يستدعى أن تكون هناك منظومة سياسية قائمة تدين بمذهب أيّاً كانت طبيعته، وتكون كافة محاولات التغيير خاضعة لمعايير تلك المنظومة، وعاملة بقوانينها وتحت مظلتها، وأي عبث بهذه القوانين والمعايير لن يهيؤ له نجاح، إذ تدحره المنظومة التي ارتضى بها الكلّ حين صوّتوا لها ودخلوا تحت عباءتها.

      وهذه الوسيلة لا تصلح في الديكتاتوريات التي تتلبّس بلِباس الدّيموقراطية، إذ نظام الحكم مُقرّر اصلاً، ولا سبيل إلى تغييره إلا عند من فقد الرؤية ودافع المنطق، كما لا تصلح لتبديل ايديولوجيات في البيئة التي تتخذ العلمانية الديموقراطية كمنظومة سياسية، لإنها لم توضع أصلاً لتبديل ايديولوجيات، إذ ذلك يتناقض مع أساسية النظام الديموقراطيّ أصالة.

      وتجربة "الإخوان المسلمون" خلال ثلاثة أرباع قرن، وعلى إمتداد العالم العربيّ شرقه وغربه من الكويت إلى الجزائر، شاهد من الحاضر القريب على ما قررنا في هذا الأمر. إذ فشلت تجربتهم في التغيير فشلاً زريعاً ولم يتمكنوا من إحراز أي تقدم حتى مع التنازلات التي قدموها للنظام، ومع الصفقات التي يبرِمونها من جانب واحد لعلها تشفع لهم عنده، بعد أن أعلنوا أنّ الخيار السياسيّ هو الخيار الوحيد الذي يتمسكون به! ولنا أن نلحظ التشابه بين هذه الإستراتيجية الخائبة وبين موقف "فتح" العلمانية مع المفاوض الصهيونيّ، إذ أعلنت "فتح" أنها تتمسك ب"خيار السلام" من أول لحظة، وأنّى للصهاينة أن يلقوا لهم حتى بالفَتات بعد إعلان الإستسلام!

      ولعل مثالين من أكبر ديموقراطيات العالم الإسلاميّ يوضحان ما نُريد، ونقصِد بهما باكستان وتركيا. وكلتاهما ديموقراطية مبنيّة على حكم العسكر، وإن كانت أقل حِدة فى باكستان عنها في تركيا. والعسكر في تركيا لا يرضون بالعلمانية بديلا، ومن ثم، فإن الديموقراطية التركية تتخذ العِلمانية شِعاراً، ولا تُعلن غيرها منهجاً، وتتمسح بالإتحاد الأوروبيّ بل وتحفظ علاقات وثيقة مع الصهاينة رغم تلك التصريحات الشفهية من حكامها، والتي لم تتمضخ عن عمل حقيقي ضد الكيان الصهيونيّ ولو بإستدعاء السفير التركيّ!

      أما باكستان، فديموقراطيتها أقرب إلى مصر، ، حيث تقوم على سيطرة عائلات معينة على الحياة السياسية، مع التحفظ على فوارق الثقافة والأعراف القبلية في كلتا البلدين وهي ديموقراطية الفساد والرشوة والسرقة والمحسوبية والإستسلام للخارج، ممّا جعل هذه الصفات تصبح من صفات الإنسان العاديّ في الشارع الباكستانيّ كما هي في الشارع المصري على السواء.

      ولا سبيل في كلتا "الديوقراطيات" لأي تغيير أو إستبدال من خلال المؤسسات التي تحكم، فكيف بالله عليك يقتل نظام نفسه بقبول آخر ينقض كل وسائله ويقوض كل مصالحه! نبّؤني بعلم إن كنتم صادقين! ولا نضيع الوقت بالحديث عن "المعارضة" إذ هي ديكورات مصلحية لا وجود لها على أرض الواقع.

      (6)

      الإستبدال بالطريق العسكريّ كان – ولا يزال – هو الطريق الأكثر انتهاجاُ للبشرية كوسيلة لتبديل أيديولوجياتها ونظم حكمها على مرّ العصور وإختلاف المكان، سواء كانت القوة العسكرية قادمة من الخارج أو نابعة من الداخل. فالقوة كانت، ولا زالت، هي المؤثر الرئيس في حياة الأمم، إبتداءاً وإنتهاءاً. والحضارات تبدأ بقوة عسكرية هائلة تدفعها محفزات غاية في القوة تختلف بإختلاف طبيعتها، وإن لم يكن لها بناءات سياسية أو إجتماعية أو ثقافية. كذلك تنتهى هذه الحضارات وتلك الأمم وهي تحوز على قوة عسكرية هائلة ولكن مع انهيارٍ أخلاقيّ وسياسيّ وإقتصاديّ يجعلها تسعى لتحصيل المال بالغزو الخارجيّ بعد فقدانها القوة الإقتصادية الداخلية لضياع المحفزات وعوامل الدفع الذاتي، مما يهيؤ لإنهيارها، أو الإستسلام للغزو الخارجيّ.

      ولنا مثال من حضارة الفراعنة التي أنهاها غزو الآشوريين، ثم الإخمينيين، ثم الفرس حتى نهايتها في عصر الإسكندر الأكبر ثم البطالمة. والحضارة الرومانية وحضارة المجوس اللتان أنهاهما الفتح الإسلاميّ، فحوّل فارس إلى الإسلام، وقصر مدّ الحضارة الرومانية على غرب أوروبا. ثم ما نراه من إنهيار في الحضارة الغربية حالياَ والذي بدأت تلوح ملامحه في أمريكا، بعد إنهيار الأسواق المالية، ولجوء قادتها لإفتعال حروب خارجية عسى أن تنقذها من براثن الإنهيار المقدور، وهيهات أن تفوز على قوانين الإجتماع وقواعد العمران وسنن الكون.

      وما يهمنا في هذا المقال هو أنّ الإستبدال بالقوة كان وسيظل تبديلاً بقوة عسكرية تديرها جُيوش قائمة، مدفوعة بعوامل عديدة منها الإنهيار الإجتماعيّ الوشيك، أو التهديد العسكريّ الخارجيّ، أو الشَخصية القيادية الطاغية التي ترى أن لا محلّ للنظام الحاليّ في حياة الأمة. هكذا عملت عوامل التغيير في الماضى القريب والبعيد، وهكذا ستبقى ما دامت الدنيا.

      وهذا هو موضع الخطأ التحليليّ الذي وقعت فيه الجماعات الإسلامية، التي رأت التغيير والإستبدال بالقوة هو المنهج الوحيد للخروج من الأزمة الحالية، لكنهم خلطوا بين القوة العسكرية التي تحوزها الجيوش وبين "قوة" تلك التجمعات الصغيرة التي تعتقد أنه بحيازتها بعض الأسلحة أو إقامة بعض معسكرات التدريب، مع التكتم والسرية، تصبح قوة عسكرية مؤهلة للتغيير، وشتان بينهما. تلك الأفكار الصبيانية التي تتلاعب في عقول مخلصين من أبناء الحركة الإسلامية، تنشأ من فوضى الآراء والفتاوى، وقلة العلم بالتاريخ والسنن، مع نقص في تقدير قوى العدو، وعمى عن تقدير قوة الجماعة.

      وقد يقول قائل: لكن ها هي طالبان إنتزعت الحكم في أفغانستان، وهي حركة إسلامية، كذلك حركة المحاكم في الصومال، وحركة الشباب الحالية؟ فلماذا لا تعتبر هذه مثالا لحركات إلامية فازت بطريق القوة؟ نقول، قياس فاسد ومضاهاة خاطئة، فأولا ظروف الحكم وطبيعة الدولة في أفغانستان والصومال غير ظروفهما وطبيعتهما في غيرهما من ديار المسلمين. فقد أنشأت حرب أفغانستان مع السوفييت واقعا على الأرض جعل التسلح والتدريب أمرا واقعا، مع غياب جيش موحد للبلاد، يقوم على تمويله وتسليحه نظام الحكم ويمدّه بما يريد من العُدة لفرض حمايته على النظام ضد أعدائه من الداخل قبل الخارج، وكذلك الأمر في الصومال. فطالبان والمحاكم ليستا حركات إسلامية سرية، بل هما قوى عسكرية بمعنى الكلمة تجمعت عناصرها من أنقاض جيوش حاربت قوى خارجية من قبل، وشتان بين هذا الوضع وما عليه وضعُ تلك الجماعات الصغيرة في مصر وسوريا وغيرهما ممن تراودهم أحلام التغيير بالقوة وحدها.

      من هنا يجب أن ندرك أن التغيير المنشود في بلادنا لن يكون إلا بتعاون مع الجيش او بعدم تعاون الجيش مع أعداء الأمة، أيهما اقرب. ومن تخيل تغييراً بدون ذلك فهو واهم.

      ويسأل السائل: لكن الجيوش العربية والإسلامية اليوم مطية للنظم الحاكمة، فكيف تخرج على أوليائها؟ والجواب أنّ ذلك بكون بأحد أمرين، أولهما إنقلاباً يحدث في صفوف الطبقة الوسطى للجيش، بقيادة مخلص للأمة، أو خروج جماهير الناس عن سيطرة قوى الأمن، ولا ثالث لهما.

       (7)

      ونأتي للوسيلة الأخيرة للتغيير والتي شهد تاريخ البشرية نجاحها عدة مرات، وهي التمرد الجماهيريّ وخروج الجماهير على سلطة النظم، سواء بعصيان مدنيّ أو غير مدنيّ.

      والمثال الأشهر على ذلك هو الثورة الفرنسية والتي شابهت ظروفها ما نحن فيه في غالب الدول العربية خاصة مصر، إذ وصلت الحالة الإجتماعية والإقتصادية في فرنسا في نهاية القرن الثامن عشر إلى أدنى مستوى، كما تفاقمت إمتيازات "النبلاء" وشاع الغلاء والمرض وإحتقار العامة. وقد تميزت تلك الفترة كذلك بدعم فكريّ كبير للتمرد والعصيان من مفكرى عصرهم أمثال جان جاك روسو وفولتير.

       كذلك الثورة الأمريكية التي يمكن إعتِبارها تمرّداً على الحُكم الإنجليزي آنذاك لما سببّه من فقر الجماهير وشيوع الظلم وعدم المساواة. ولكن الملاحظ هنا أنّ كلتا الثورتين سلّمتا زمامهما بعدُ لقوى العسكر التقليدية وهو ما أشرنا إلى أهميته من قبل، وهو أن القوة العسكرية عامل مشترك في كافة الأطروحات التي تسعى لإيجاد حلّ للأزمة الحالية. والتفاعل بين الوسيلتين، العسكرية والشعبية، هو مفتاح التغيير المرتقب في بلادنا الإسلامية، والتوازن بين حجم ودور كلتاهما، والعلاقة بين قيادات العسكر وقيادات الجماهير.

       والعصيان والتمرد الجماهيريّ لابد له من قادة تنتشر بين الناس إذ "لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم"، ولكن أولئك "القادة" يجب أن يكون مفهوما لهم أن الغرض الأساسيّ هو تنظيم حركة الجماهير وترتيب المواجهة مع "قوات الأمن" لا أنهم من سيقوم بالتغيير من خلال عمليات محدودة الأثر تضُر أكثر مما تنفع، وتؤدى إلى سحق تلك المجموعات سحقاً لا رحمة فيه.

      وللحديث بقية إن شاء الله

      www.tariqabdelhaleem.com