الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
مرة أخرى، يعيش الشّعب المصري خِدعة جديدة، كبيرة، خسيسة، إسمها الإنتخابات الرئاسية. ويعيش أبناء الشعب في أوهامٍ صوّرها لهم العَسكر. صورة معركة إنتخابية، كأنها حقيقية، وكأنّ نتيجتها لها أيّ تأثير على مسار الحياة السياسية في مصر، وخاصة التغيّر الإسلاميّ التى تتوق اليه غالب شرائح المجتمع، وإن لم تعى كنهه ولا حقيقته.
اللجان تفرز الأصوات، والأصوات تذهب لهذا المرشح أو ذاك، والعليا للتزوير مُتربّصة بالكلّ، تطبُخ طَبختها، في هدوءٍ ورَوية كما طَبخت مسألة والدة حازم أبو اسماعيل الأمريكية، ومرّت الفضيحة دون أيّ أثر، كما ستمر فضيحة الإنتخابات دون أي أثر، هكذا تعوّدنا ، في تاريخنا كله!
هل يُعقل يا جماعة الخير، أن أحمد شفيق، خادم حذاء مبارك، العميل الخائن، الذي ضَربه الناس بالأحذية، وخرجت جموع الشعب لتنحيته من رئاسة الوزراء منذ سنة واحدة، يأتى ترتيبه الثاني، ويصل للإعادة؟ أوصلت درجة الإستخفاف بعقول الناس إلى هذا الحدّ؟ الجواب، نعم وصلت لهذا الحدّ، إذ إن الناس قد نَسوا رَبّ الناس في هذه العَملية الشّركية كلها.
لا أستبعد أن يأتى شفيق على رأس القائمة رئيساً بعد أيام. لقد إجتمعت الفلول، وأموال الفلول، وقوى الوطنيّ الخائنة، لشراء الأصوات، ثم أصوات المجندين المزورة، وجنود الجيش، والموتى، والأقباط، هو تفسير الستة ملايين مرتشٍ الذين حصل شفيق على أصواتهم. وهم قوى الثورة المضادة، التي ستقف في وجه الثوار، إلى جانب الجيش والشرطة والأمن المركزيّ والبلطجية، الذين يصل عددهم اليوم لأكثر من عشرة ملايين.
وسيناريو أخر، طفحت به الأنباء، وهو أن تتوحد صفوف أهل الصناديق، فيدحروا شفيق وعُصبته. لكن، هذا السيناريو هو، مرة أخرى، استخدام لوسيلة غير مشروعة للوصول إلى هدفٍ مشروع، وهو حرام في دين الإسلام. ثانياً، هو حرامٌ في دين الإسلام لأن السنن الكونية الربانية لا تُصْلح عَمل المُفسدين، فإن مفاتيح الصناديق بيد العسكر، والقرار النهائي بيد المجرم فاروق سلطان، عميل العسكر، وسيأتون بألف سبب وسبب لإنجاح شفيق "وياما في الجراب يا حاوى". ثم ثالثاً، إنّ الإعلان الدستوريّ التزويريّ سيأتى على أية صلاحيات للرئيس المقبل، فما الفائدة منه إذا؟
ثم إحتمالٌ ثالث قد يَرِد هنا، هو أن تكون هذه النتيجة، قبل الإعادة، ورقة ضغطٍ على الإخوان، ليتنازلوا، لا أقول عن أحكام الشريعة، فهم أصلاً متنازلين عنها، لكن عن إخراج الجيش من الصورة. فيسلّموا بحصانة للجيش، ولميزانيته، ولسيطرته على الساحة السياسية من خلف الستار، فيظل العسكر هم الحاكم الفعليّ للبلاد، على أن يزيلوا شفيق من الصورة، لحين!
سيكون هذا الإحتمال الأخير تِكرارٌ مَمْجوجٌ لفضيحة البرلمان. حيث أتي الإخوان بأغلبية برلمانية، بعد صفقة "كامب سليمان"، ثم جرّدهم العسكر من صلاحياتهم بالكامل، فكان هذا البرلمان، الذي يسمونه "برلمان الثورة"، عبثاً وتهريجاً، هو أضعف برلمانٍ عرفته مصر حتى يومنا هذا، وأقلّه صلاحياتٍ، إلا إذا اعتبرنا الصُّراخ صلاحية برلمانية، فهم الأقوى والأعلى! هذه الصفقة الجديدة المحتملة، صفقة "كامب عنان"، سيأتى بموجِبها محمد مرسى رئيساً، بعد أن يلتزم الإخوان بكافة ما يضعه العَسكر من شروط، تضْمَن لهم الحكم الحقيقيّ للبلاد.
وأدعو الله سبحانه أن يخيب ظنى، وأن يُخلِص الإخوان لمواطنيهم، لا لجماعتهم، ولو مرة واحدة على سبيل التغيير، ليروا ما يمكن أن يكون من الشعب لنصرتهم، إن نصروه. لا أقول أن ينصروا الله، فقد اتخذوا موقفهم من هذا الأمر من قبل، فيما ذكروا عن الشريعة ومبادئها وأحكامها، مما لا داعٍ لإعادته.
سيرتكب العسكر خطأً فادحاً إن أفسحوا المجال لشفيق أن يُنتخب رئيساً. فساعتها يمكن، وأقول، يمكن، أن تكون هناك ثورة شعبية حقيقية ثانية. وهو ما سيكون العسكر على إستعداد له، بعد أن رأوا النتائج الباهرة للعُنف المُفرط في العباسية، التي كانت كبروفة لما يمكن أن يمارسوه ضد الشعب الأعزل، وكرسالة إلى الثوار من الشعب كذلك أنْ "لن نرحمكم" إن أردتم ثورة حقيقية. لكنّ تكاليف هذا السيناريو أكثر، وأعباءه أثقل، وخطورته أشد من صفقة "كامب عنان".
كلّ من هذه الإحتمالات له شواهده، وله إيجابياته وسلبياته. ولا يمكن الحكم بما سيكون عليه الوضع غداً أو بعد غدٍ.
إذن ... أيها الإسلاميون.. ثورتكم مستمرة، أيّاً كان الطرطور الذي سيأتى به العسكر، إما جَبراً (شفيق)، وإما تمالأً (مرسى). فكلاهما لن يكون مخلصاً لدين الله الحقّ، بل أحدهما مُعادٍ كاره مرتدٌ (شفيق)، والآخر متلوّنٌ متلاعبٌ بالشريعة (مرسى). وفي الحالتين، ستظَل مصر محكومة بالعسكر، مخنوقة بأمن الدولة، مذلولة بالداخلية. سيظل قانون الطوارئ في محله أبدَ الآبدين، وستظل الإعتقالات قائمة، وسيظل العسكر "يحمون" الديموقراطية، ستين سنة قادمة!
فنحن إذا في رباطٍ أيّا من جاءت به العسكر. ندعو إلى منهاج النبوة، وإلى دولة "لا إله إلا الله" على أرض مصر، لا يَضُرُّنا إنتخاب شفيق، ولا ينفعُنا إنتخاب مرسى.
ثم قِفوا ضدّ أحمد شفيق وعصابته، بأي وسيلة كانت، وبأيّ شَكلٍ مُمكن، إلا صفقات العسكر. اجتمعوا على تنحية هذا الرجل حتى لا تكون فتنة لا يعلم مداها إلا الله، ولا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة.
.