فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      بطلان فتوى الراشد .. في انتخاب محمد مرسى

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      خرج الشيخ محمد أحمد الراشد، المفكر العراقيّ، الإخواني المذهب، بفتوى تلزم الكلّ بإنتخاب محمد مرسى مرشح الإخوان. وقد آثرت نقل مقتطفاتٍ مما ورد فيها قبل أن أردّ عليها وأردها عليه.

      ".... وعندي أن الأخ عندما يعطي بيعة رضائية لقادة الدعوة، فإنّ معناها: أنه ارتضاهم أن يقودوه باجتهادهم عندما تختلف الآراء ، فذلك هو المغزى الأهم في الانتماء الدعوي، مما يعني وجوب الالتزام بالخطة الدعوية في كل شيء، وبدون ذلك لا يكون العمل جماعياً، والداعية المنتمي مسلم آمن بالجماعية وصوابها، ومن هنا ففهمي للمسألة وفق موازين فقه الدعوة وكليات مذهب إحياء فقه الدعوة الذي رصدت جهدي لبيانه: أن المنتمي لدعوة الإخوان لا خيار له في الأمر، وهو ملزم بأن يمنح صوته الانتخابي لمرشح الدعوة الأستاذ محمد مرسي.

      أما المؤيد للدعوة ممن لم تتطور علاقته بالدعوة إلى درجة إعطاء البيعة، وكذا عامة الإسلاميين من أفراد الشعب المصري: فإن قاعدة شرعية أخرى هي التي توجب عليهم منح أصواتهم لمرشح الدعوة الأستاذ مرسي ، ومفاد هذه القاعدة بإيجاز: أن منصب الرئاسة يليق له رئيس له عُصبة تواليه وجماعة متفاهمة معه تخدمه وتنفذ خطته وتنحاز له، ليتقوى أمام التحدّيات من الآخرين ..." وكلام ابن خلدون في مقدمته صريحٌ في أن الأليق للرئاسة والإمامة هو الذي تسانده عَصَبية، أي جماعة تؤيده وتطيعه أو قبيلة يركن إليها لبسط نفوذه، ...  وهي جماعة مخلصة زكية لها تاريخ جهادي تنموي جيد، ولها ثروة فكرية ومعنوية، وأثبتت الأيام تجردها ورعايتها لمصالح الأمة عامة." اهـ

      وقبل أن نبيّن ما نراه في موضوع هذه الفتوى، نود أن نذكر بأن محمد الراشد إخواني عتيد قديم، يدين بمذهب الإخوان منذ عقود متطاولة، فلا غرو أن تأتي فتواه على هذه الشاكلة الإخوانية، قلباً وقالباً.

      وقد بنى الراشد فتواه على أمرين، أولها في حق من هو ملتزم بالإخوان، والثاني في غير الإخوانيّ.

      أما الأمر الأول، فهو ما نختلف فيه معه شكلاً وموضوعاً، إذ الرجل يعتمد البيعة الإخوانية كعقد الإسلام سواءً بسواء، لا يصح مخالفته في أيّ جزئية من جزئيات الحياة، وهذا غاية في التطرف، وإن أتى به باسم فقه الدعوة وأولياتها، وهذا الخرط الذي ما أنزل الله به من سلطان. هذا محض استعباد للفرد، دعوة كانت أم غير دعوة. وهو مضاد لأوليات الحرية الإنسانية التي هي أعلى مبادئ الشرع. ولو أنّ الإلتزام الدعوي (وهو تعبير لا تعرف له أصلاً)، سيؤدى إلى فقد هذه الحرية في الإختيار، لكان كالفرع الذي يعود على أصله بالإبطال، لا يصح الأخذ به، إذ يأتى بخلاف المقصود. وما استحدثت الجماعات التي ظهرت في العصر الحديث هذا اللون من التقييد، تحت اسم فقه الدعوة، إلا لتحقيق شكل من أشكال السيطرة المطلقة التي يأباها الإسلام، وتمجّها طبيعة الإنسان. والتحجج بالعمل الجماعيّ بهذا الشكل هو لون من ألوان الديكتاتورية الشيوعية أكثر منه لوناً من ألوان الممارسة الإسلامية الطليقة، التي تعرف متى يجب متابعة العقل والضمير الجمعيّ  ومتى لا تلزمه هذه المتابعة، ويكون العقل والضمير الفرديّ هو المعيار الذي يقابل الله به ربّه "وكلكم آتيه يوم القيامة فرداً". وحين يقول الراشد "... أنه ارتضاهم أن يقودوه باجتهادهم.." فإنه المبايع على الدعوة ارتضاهم أن يقوده في أمور الدعوةـ ليس في كلّ أمر من أمور حياته، فعلاً وتركاً، إختياراً واضطراراً. هذا أمر سخيف شنيعٌ لا يقبله إلا عقل من استمرأ التبعية وعاش في الذلة، حتى لم يعرف إلا إياها وسيلة للحياة، وهو ما صارت عليه طبيعة شعوبنا، لمّا ظهرت مثل هذه الفتاوى التي تنقل العبودية من الحاكم إلى المرشد، أو الأمير، أو ما شئت من أشكال الديكتاتوريات التي لا يرضاها الله ورسوله.

      فنحن إذا نرد عليه قوله هذا بالتقليد الأعمى المجرد، تحت عنوانٍ مضلل. الراشد لا يفرق بين بيعة الدعوة، وبيعة الإمامة. محمد بديع ليس إمام المسلمين، بما فيهم الملتزمين في الإخوان. وإنما هو مرشدهم في أمور الدعوة، والدعوة فقط، لا كلّ أمور الحياة، كما يودّ الإخوان أن يصوروا للبسطاء من الناس.

      وإذا كان هذا ردنا بشأن الملتزمين من الإخوان، فهو أولى بأن يكون لمن هم ليسوا ملتزمين بمثل هذه البيعات التى وصلت إلى حدّ البدعة في أشكالها والتزاماتها. وقد بيّنا أنّ العملية السياسية أساساً قائمة على نهجٍ علماني لا يصح، شرعاً، ولا يأتى بصواب عقلاً، سواءً كان أبو الفتوح أو مرسى هو المرشح المختار. ولكن، مرة أخرى، كلّ يعمل بما يراه حقاً، يدين به الله سبحانه، غير تابعٍ لأحدٍ، إلا في النصيحة لا الإلزام.

      وأما العصبية التي تحدث عنها بن خلدون، فإن هذا اللون من العصبية أقوى في الظهور في المجتمعات القبلية، أو الطائفية، منها في أية مجتمعاتٍ أخرى، كما نرى في الدول الغربية التي لا تعتمد على مثل هذه العصبيات. لكن، إن تصورنا أنّ المقصود هنا أنّ الجماعة هي "حزب" يقوى شوكة محمد مرسى، فنحن نتحدث عن حزب الحرية والعدالة إذا، والجماعة من ورائه. وهي ميزة له ولا شك، تجعله أقدر من أبو الفتوح، ومن غيره من الفلول. لكن بشروطٍ، لم تتحقق فيه أو في غيره. وقد ذكرنا آنفاً أنّ العملية السياسية كلها عملية منحرفة عن شرع الله. ثم إن المنهج الإخوان لا يناصر إقامة دين الله، مبادئاً واحكاماً، بل يتلاعب بالنصوص ويختزلها ويختصرها ويؤولها ويحرفها. فما هو فضل العصبية غذا؟ وإلى ماذا ستؤدى، إن لم تكن عصبية تريد إقامة "لا إله إلا الله" حقيقة لا إدعاءً؟

      فتوى الراشد، كلامٌ فيه الكثير من الغث، القليل من السمين. هداه الله للحق وأنار له طريق الهداية، وعافاه الله من المرض الإخوانيّ.