فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      'الإسلاميون' .. بين الإسْلام والإعلام

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      قبل أن نَشرع في الحديث عن دور الإسلاميين في المَرحلة الحالية من تاريخ مصر، يجب أن نؤكد مرّة أخرى على حقيقة معنى المُصْطلح، حتى لا نتوه بين أفكارٍ ومبادئٍ وتوجّهاتٍ، نَحسبُها من الإسلام وما هي منه. ذلك أنّ تعبير "الإسلاميون"، يختلف في معناه ودلالاته بين من يستخدمونه، إختلاف المَشرق والمَغرب.

      فالإسلاميون، في قاموس الإعلام، هُم كلّ من قال بأنّ له مشروعٌ إسلاميّ، أو من انتسب لمشروعٍ إسلاميّ، مهما كانت تفاصيله، من طريقٍ فرديّ، كعبد المنعم أبو الفتوح أو حازم أبو اسماعيل، أو جماعيّ، كالإخوان أو السلفيون، أو الجماعة الإسلامية. ومن هنا فإن هذا التعبير يدلّ على كلّ ما يضاد العلمانية الصريحة، التي تطلب فصلِ الدين عن السياسة بكَامل، وعلى كلّ المستويات، مثل محمد البرادعيّ وعمرو موسى، أو على الإلحادية التي لا تهتم أساساً بمشكلة الدين والسياسة، بل تسعى إلى الفساد لذاته، من أجل تحقيق مكاسبٍ مادية خاصة، مثل أحمد شَفيق والمَجلس العسكري.

      وهذه المُضادة بين الإسلاميين في التعبير الإعلاميّ، وبين غيرهم، لا تُفرّق بين إسلاميّ وإسلاميّ، حتى لو كان "إسلاميّ" منهم أقرب إلى الليبرالية العلمانية، أو إلى الإلحادية، منه إلى الإسلام، سواءً عن قصدٍ أو غير قصد، من الإعلام.

      فإذا حقّقنا ما يعنى "الإسلاميّ" أولاً، ثم أنزلنا هذا المفهوم على ما نراه في الساحة "الإسلامية"، أمكننا أن نتعرف على حقيقة ما يدور حولنا من حديث غير مُمَنهج.

      نبدأ بالقول بأن معيار "الإسلامية" مَبنيّ على أن يكون المَرءُ مُسلماً، ملتزماً بالإسلام. فالإلتزام بالإسلام يعنى قبوله جملة وعلى الغيب، وعدم ردّ أي جزءٍ منه. ومعنى هذه الجملة، أن المرء، لا يصبح مسلماً إبتداءً إلا إذا قَبِلَ والتزم شرائع وشعائر الإسلام كلها، على نهج السنة، وإن أخفق في ممارسة بعضها، بعض الوقت، دون رجوعٍ عن إلتزامه بها، أو الدعوة إلى إبطالها أو تركها جملة، بعض الوقت أو كلّ الوقت. لا يعدو الإسلام هذا التعريف، الذي هو مقتضى شهادة "لا إله إلا الله"، ثم أن يكون ملتزماً بهذه االشعائر والشرائع، على نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا على ما يُزيّنه له عقله، وهو مقتضى الجزء الثاني من الشهادة "وأن محمداً رسول الله". هذا القدر من فهم توحيد الله، ليس عليه خلاف إلا يين مسلمٍ ومشرك، لا بين مُسلميْن على وجه الإطلاق. وهو ما لا يجب أن يختلط في الأذهان بما عليه أهل السنة من عدم تكفير فاعل المعصية، أو فاعل الكفر بوجه له تأويل ظاهر وإن كان باطلاً.

      إذا، فإنّ كلّ من قال بأن أحكام الشريعة ليست مُلزمة للمجتمع الإسلاميّ، سواءً الآن أو في المُستقبل، ليس مسلماً. وكلّ من قال أن بعض أحكام الشرائع أو الشعائر ليست ملزمة للمجتمع الإسلاميّ، سواءً الآن أو في المستقبل، ليس مسلماً. وكلّ من قال، إن شرائع معينة ليست مناسبة للناس، في عصرنا، أو ليست هي الأفضل تطبيقاً، أو إن غيرها أفضل منها، الآن أو في المستقبل، ليس مسلماً، ولو إدعى أهل الأرض خلاف ذلك.

      ثمّ، إذا نظرنا في المتواجدين بالساحة، بهذا المعيار، وبدون إسباغ أحكام التكفير، التي تتقيّد بشروطٍ وموانع لا مَحل لبحثها هنا، وجدنا أنّ كلّ منهم له مُشكلة تمنع من أن يقع تحت مظلة "الإسلامية"، وإن بدا غير ذلك للجَاهل المُتعجّل.

      فالإخوان، ومحمد مرسى من الإخوان، لا يقولون بتحكيم الشّريعة إلا بما تحمله قواعدها الكلية ومقاصدها العامة، التي تستوى فيها مع كلّ دينٍ سماويّ منسوخ أو وضعيّ بشريّ، وهي العَدل والمساواة والحرية. وهذا قدرٌ لا ينتسب به أحد إلى "الإسلامية" إلا بقدر ما ينتسب أوباما اليها! وقل مثل ذلك في فقيدهم العاصى عبد المنعم أبو الفتوح، وإن خَرَج هذا الرجل عن كلّ معيارٍ، وأدلى بتصريحاتٍ ترمى به في مظلة الليبرالية العلمانية اللادينية الصريحة.

      والسّلفيون، في ثوبهم الجديد، "نيو لوك"!، والذي تديّنوا فيه بالديموقراطية، وتقرّبوا فيه إلى العسكر بقبول أوراق اللعبة السياسية، بعد أن كانوا يحرّمونها، قد نازعوا الإخوان مكانتهم في الخروج عن مظلة "الإسلامية"، والدخول تحت معرّة "العلمانية" التي تفرق بين الدين والسياسة، فعلاً وإن أنكرت ذلك قولاً.

      من هنا، ولهذا السّبب، كَفَرَ الكثير من الشباب بالشيوخ، وانفضّوا من حول هؤلاء الأدعياء، لمّا رأوا المَسافة الشّاسعة بين القول والعمل، بين حقيقة الإسلام، وواقع من إدّعاه.

      الإسلامية، ليست صِفة لازِمة لمَجموعة من الناس، بل هي واقعٌ حيّ، ومواقف ملموسة، وتوجّهاتٍ محدّدة، يلتزم بها المسلم، فرداً أو جماعة، فيدخل تحت وصفها، وتلزمه صفاتها. ألا إنّ البينة على من إدعى، فدعوى "الإسلامية" لا تصلح لمجرد إدعاء نفر من الناس أنهم ينتسبون إليها، والبينة عليهم أكثر من دعواهم.

      أما الإسلامية، فحين نطلقها كصِفة، فهي تنصرف في حديثنا إلى أولئك النفـر الذين التزموا بشَرع الله وشَعائره، وبكل أحكامه، على سنة نبيه صلى الله عليه سلم، في خاصة حياتهم الفردية، وفي عقدهم الإجتماعيّ بين أقوامَهم، وعرفوا أنه لا يحلّ في هذا الأمر تساهلٌ أو تأجيلٌ أو تأخيرٌ أو تبعيض. هؤلاء فقط هم من يستحقون وصف الإسلامية، إن لم يكن وصف الإسلام إبتداءً.

      ومن هنا، كذلك، فإنه من الخَطأ والتلاعب بالمفاهيم، أن نصبغَ على جماعة الإخوان صفة "الإسلامية"، أو أن نُسمّى أبو الفتوح "مرشح إسلامي"، أو مثل هذا التوصيفات العشواء، التي يقصد الإعلام المجرم أن يشيعها بين الناس، ليختلِط عليهم أمرهم، وتضطرب رؤيتهم، فيصوّروا لهم أولياء ممن ليسوا لهم بأولياء، وأعداءً ممن ليسوا لهم بأعداء.

      هؤلاء كلهم، جزء من النظام الحاليّ، نظام مبارك والطنطاوى. وإن بدا أنهم يقاومونه، فهي مقاومة المُستسلم للنّظام العام، العامل من داخله، الراضى بقوانينه ووسائله، فهيْهات هيهات أن يتغلب عليه. الإخوان، كما دأبنا على توصيفهم، جماعة وطنية مصرية سياسية ليبرالية، تعمل لحساب نفسها، وترى مصلحتها كجماعة هي مصلحة الوطن، إذ من هم ليسوا في صُفوفها، ليسوا مواطنين كاملي المواطنة، ولا يستحقوا أن يكونوا، إلا بقدرِ معاونتهم لهم! وهذا محمد مرسى، إبنها البار، وهذا أبو الفتوح، إبنها العاق، كلاهما نشأ في رحمها، ورضِع تقاليدها، فلا يغرنّكم بأحدِهما الغَرور.

      اللهم وفق مصر لسبيلك، ولإتّباع دينك، والسَير على هَدى نَبيك صلى الله عليه وسلم.