فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      حصادُ الثورة المصرية .. والغد الجديد

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      أجمع  المراقبون للأحداث الجارية على التربة المصرية، أنّ أحداث العباسية الأخيرة، قد شكلت حداّ فاصلاً في تاريخ الثورة، ووضعت نهاية لأحداثها، بما شكل إنتصاراً ساحقاً للمجلس العسكري الحاكم، ونظام مبارك، وهزيمة مهينة للإخوان وأتباع السلفية الإرجائية، وإنهياراً لآمال الشعب المصريّ في إحراز أي تغيير حقيقيّ على أرض الواقع.

      وليس هذا التقييم تشاؤماً أو إحباطاً، بل هو حقيقة يواجهها شعب مصر اليوم، بعد أن نجح العسكر نجاحاً باهراً في الإلتفاف حول الثورة، وتأمين الثورة المضادة، وتفتيت طوائف الشعب المختلفة، ليصعب بعدها أيّ عمل حقيقيّ لإزاحة طغيانه.

      المشهد اليوم بات خالياً من أي دلالة على أنّ هناك ثورة حدثت، أو أنّ تغييراً في النظام الفاسد. فإن المرشح الأوفر حظاً هو أحمد شفيق، العسكريّ، ربيب مبارك، وخادم العسكر، المدعوم بالحزب الوطني المنحل. ورئيسالوزراء هو الجنزورى، رئيس وزراء مبارك الأسبق، وحذاء العسكر اليوم، على رغم أنوف نواب مجلس الشعب كلهم. ورئيس لحنة إنتخابات الرئاسة، المزور المشهود له، فاروق سلطان، وتابعه قُفـّة، أقصد بجاتو، وقراراتهم محصنة، غير قابلة للطعن! وأمن الدولة عاد كما هو، يتصيد الصور والمحادثات، وينتظر لحين اللحظة التي ينطلق فيها كلابه للقبض على كلّ من ساهم في كلمة بشأن العسكر والثورة. والداخلية كما هي، لا هيكل ولا يحزنون، ينتظر كلابها الوقت الذي ينتقمون فيه من الشعب الذي اذلهم وجعلهم يهربون كالجرزان من قبل. ومجلس الشعب، الطراطيريّن ينتظر الحلّ في اية لحظة، وغالباً ما ستكزن بمجرد تولى أحمد شفيق الحكم، ليعود الحزن الوطني إلى البرلمان مرة أخرى، ويطلق سراح مبارك وأعوانه، وكأنك يا ابو زيد ما غزيت!

      هذا هو الواقع الحالّ، دون تشاؤمٍ أو تفاؤل.

      واللوم في هذا، إن كان للوم فائدة اليوم، يقع بشكلٍ رئيسيّ على جماعة الإخوان. هم الذين عقدوا صفقة البرلمان مع عمر سليمان. وهم الذين أحبطوا بعدها كلّ المليونيات، وجعلوها مليونيات سهرة (من ستة لتسعة). وهم الذين خذلوا أبناء الشعب حين دخل الشعب في مواجهاتٍ مع قوى الشرّ العسكرية والبوليسية، في ميدان التحرير وفي محمد محمود وفي رئاسة الوزراء وفي بورسعيد، ثم في العباسية، موقع المواجهة الأخيرة. تخاذلوا، وثبّطوا وتراجعوا، وتواضعوا وداهنوا. ثم هم اليوم يدفعون فاتورة هذا التصرف، الذي ينبئ عن ضحالة غير مسبوقة في مجال السياسة وفهم سطحيّ نفعيّ لمجريات الأمور.

      ثم بعض اللوم على أبناء الشعب، الذين لم يريدوا أن يدفعوا فاتورة النصر كاملة، بل ركنوا إلى الظلم، ونسوا أنّ الفقر والمرض والفساد، سيتضاعف عليهم، إذ هم الخاسر الحقيقيّ في هذه المعركة، قصيرة الأمد. وبعض اللوم يذهب إلى من أعطى صوته للإخوان، وهو عالم لإ بما هم عليه من براجماتية، وما ستؤدى اليه تصرفاتهم، ودعمهم للعسكر، سذاجة أو خساسة. هؤلاء، وإن انتموا إلى إتجاه اسلاميّ صحيح على الجملة، يحملون وزر ما انتهينا اليه، سواءً رضوا أم أبوا، وكان اجتهادهم خطأ فادحٌ لا يغتفر.

      ولا لوم على أدعياء السلفية، بالقاهرة والإسكندرية، على الإطلاق، إذ هؤلاء هم جزء من منظومة العدو الفاسد الفاسق، هم عملاء نظام مبارك، وجواسيس أمن الدولة، وهم يفخرون بهذا ولا يخفونه. هم فلول مبارك الدينية، كما أسميناهم في مقال لنا منذ عدة أشهر، مثلهم مثل على جمعة وأحمد الطيب. فلا تثريب عليهم، فقد أدوا دورهم في الخيانة على أكمل وجه، جزاهم الله بما كسبت أيديهم. وهاهم اليوم يتقاتلون بينهم، خيبهم الله جميعاً.

      اليوم إذن هو يوم العمل، لا يوم الحسرة والتقاعس. اليوم الذي ندرك فيه أنّ الثورة قد فشلت، هو اليوم الذي تتحرك فيه القوى لتعمل على النجاح، لا اليوم الذي نجلس فيه جانب الحائط نندب تعاسة الحظّ.

      إن أفكارنا تتحول إلى كلماتٍ، بالجهدٍ ، وإن كلماتنا تتحول إلى أفعال بالجهدٍ. وبغير ذلك، بغير أن نرى الأفكار كلماتٍ، ونشاهد الكلمات أفعالا، لن يكون لنا نصيب في تأييد الله ونصره.

      لقد كان القرآن كلماتٍ تجسّدت في رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان منهج رسول الله حيّاً متجسداً في صحابته. هكذا، تتجسد المبادئ، وتحيا العقائد، تسير بين الناس، لتحيا بها الأمم.

      الصمت لا يولد إلا صمتاً. واليأس لا يولد إلا تعاسة. والجمود لا يُنشأ إلا فشلاً.

      نحن نقف اليوم أمام مشهدٍ جديدٍ، أمام مرحلة جديدة، بادٍ فسادها، ظاهر عوارها، يفتحها العسكر مرة أخرى بعدما أوشكنا أن نغلقها. مرحلة تطلب منا العمل والأمل، لا الجمود والكسل.

      علينا أن نعزم عزمة، أن لا نلقى بأيدينا إلى التهلكة إذن. أن نستمر في دعوتنا أقوى مما كانت، وأسرع مما كانت، وأوضح مما كانت. فالوقت قصير، والحمل ثقيل، والنجاح عزيز، والفشل سهلٌ رخيص.

      أذكركم ونفسى، أن الدنيا دُوَل "وَتِلْكَ ٱلْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاس"آل عمران 140، ، وأن النصر صبر ساعة "إِن تَكُونُوا۟ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ"النساء 104، وأن الله سبحانه شاهد على عملنا لا على كلماتنا وأفكارنا "وَقُلِ ٱعْمَلُوا۟ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُۥ وَٱلْمُؤْمِنُونَ"التوبة 105.

      فلنبدأ العمل، ولنسِر على بركة الله، في دعوتنا إلى الله.