فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      المقارنة بين إعتصامي ماسبيرو ووزارة الدفاع

      فضت القوات المسلحة اعتصام وزارة الدفاع في (مايو 2012)، كما فضت اعتصام ماسبيرو في (مايو 2011)، وانتهى الحدثان، لكن بقيت دلالة المعالجة الإعلامية لكل منهما ناطقة بانحياز ضاغط على أعصابنا جميعا، وبتجاوب اجتماعي مع هذا الإعلام أعاد إلى أذهان الكثير منا عزلة بدايات التسعينات، مما يجعل المقارنة بين الاعتصامين أمر لازم لفضح الإعلام الرسمي ومخاطبة ما بقي من ضمير المجتمع المتجاوب معه.

      مقارنة بين سبب اعتصامي ماسبيرو ووزارة الدفاع:

      المقارنة بين اعتصامي ماسبيرو ووزارة الدفاع من حيث عدالة مطالب كل منهما ووجاهته ليست في صالح معتصمي الأقباط إطلاقا، فسبب اعتصام ماسبيرو هو إصرار مجموعة من الأقباط عددهم 50 فردا على بناء  كنيسة في قرية تعدادها 50 ألف مسلم من الجعافرة الأشراف بالصعيد، هي قرية المريناب، أي بنسبة عددية 1 إلى 1000، وفي ظروف سياسية وأمنية مريبة جعلت ذلك الاعتصام سلوك استفزازي بشكل واضح، حيث لم يكن يفصل اعتصام ماسبيرو بمطلبه المتعنت سوى شهرين عن واقعة اختطاف الأقباط لـ (عبير) واحتجازها في كنيسة مارمينا بامبابة، وإطلاق النار (من الكنيسة) على المتجمهرين حولها من المسلمين ثم إحراق كنيسة العذراء ردا على مقتل بعض المسلمين جراء إطلاق النار.

      أما اعتصام وزارة الدفاع جاء بعد:

      صدور قرار من العليا للرئاسة باستبعاد المرشح الإسلامي حازم صلاح أبو اسماعيل بدعوى حمل والدته للجنسية الأمريكية، رغم مرور يوم واحد على  صدور حكم مجلس الدولة على المستندات التي أسست عليها العليا للرئاسة ادعائها، بأن هذه المستندات تخلو من أي قيمة قانونية، وإلزام وزارة الداخلية بمنحه ما يفيد عدم حمل والدته أي جنسية أجنبية.

      صدور قرار من العليا للانتخابات باستبعاد المرشح الأسلامي خيرت الشاطر بدعوى عدم رد اعتباره في قضية عسكرية بتهمة تتعلق بانتمائه لجماعة الإخوان المسلمين، وهي دعوى مثيرة للسخرية، إذ معلوم، من الناحية السياسية أن الثورة قد تجاوزت الخصومة بين النظام والإخوان بإسقاط النظام نفسه، أما من الناحية القانونية: فرد الاعتبار قد تم بالفعل بحكم المحكمة العسكرية.

      صدور  قرار بقبول تظلم أحمد شفيق وهو أحد المحسوبين على النظام السابق، رغم أنه مشمول بقانون العزل السياسي، وذلك دون توضيح أو تبرير لهذا القبول.

      تشكل اللجنة العليا للدستور من ستة أعضاء كل منهم له سابقة فساد قضائي معروفة.

      الخلاصة أن اعتصام ماسبيرو كان مريبا في مطالبه وفي توقيت تلك المطالب، أما اعتصام وزارة الدفاع فكان وجيها منطقيا في توقيته وفي مطالبه.

      مقارنة بين سلوك معتصمي ماسبيرو ووزارة الدفاع

      بالإضافة إلى وقاحة مطلب الأقباط بالنظر إلى الطبيعة السكانية لقرية المريناب، وبالنظر إلى سياق مطلب بناء كنيسة من الناحية الأمنية والسياسية، إلا أن سلوك الأقباط أثناء الاعتصام نفسه قد جعل الأمر يتجاوز الوقاحة المألوفة إلى ما يلامس حد العداء السافر للدولة المصرية وللمجتمع المصري بصفته مجتمعا مسلما، فقد سجلت الكاميرات ألفاظا نابية عن الجيش، ثم تحولت إلى رشق الضباط بالحجارة ثم ضربهم بالصلبان الخشبية واقتيادهم والسطو على عربات الجيش ودهس المارة بها، وتكسير زجاج حافلات الركاب المارة من الشارع بدون تمييز، ثم تقصد حرق سيارات المسلمين تحديدا، وكلها مسجلة فيديو وعرضت في أكثر من مناسبة، سواء الأحداث نفسها أو توثيق للأحداث من شهود عيان.

      هذا مقارنة باعتصام وزارة الدفاع، فصحيح أنه كان هناك تصرفات فردية لفظية مستفزة لقوات الجيش، إلا أنها كانت محدودة الأثر قياسا على أنها لم تكن جماعية، كما أن السلك الشائك كان يفصل بين من قام بها وبين قوات الشرطة العسكرية، وصحيح أنه كان هناك هتافا ضد المجلس العسكري، إلا أن هذا الهتاف كان يتضمن تمييزا بين الجيش وبين قياداته (السياسية)، وكان الطريق يفتح للمارة ولطلبة الجامعة أثناء النهار، وكانت السيارات آمنة فلم تتحطم واحدة.

      مقارنة بين معالجة الإعلام لاعتصامي ماسبيرو ووزارة الدفاع:

      اعتمدت استراتيجية الإعلام في تناول اعتصامي ماسبيرو ووزارة الدفاع على: التخفيف من الضغط الإعلامي على (الكنيسة وفئة الأقباط عموما) أثناء معالجة الاعتصام ماسبيرو، وعلى نقيض ذلك، استغلال اعتصام وزارة الدفاع في النكاية بـ (فئة الإسلاميين عموما) وإحداث مزيد من الضغط عليهم. وكان كلا من الغرضين يتضمن تزييفا للوقائع وطعنا في الحقيقة.

      فرغم أن اعتصام ماسبيرو كان اعتصاما قبطيا خالصا، ولم يكن يتخلله سوى عناصر معروف عنها ولاءها الكامل للكنيسة مثل (فاطمة ناعوت) التي وصفت الفتح الإسلامي لمصر بالغزو الهمجي، إلا أن التليفزيون المصري اعتذر  عندما نقلت الإعلامية (رشا مجدي راسخ) خبر الهجوم على ضباط الجيش بأنه «هجوم من بعض الأقباط»، وأصر الإعلام على وجود مسلمين بين «إخوانهم الأقباط» في الاعتصام.

      وعلى الجانب الآخر، وعلى النقيض من عزل الكنيسة عن معتصمي ماسبيرو، للتخفيف الإعلامي عنها وتجاهل واقعة دعم رجال دين معروفين لذلك الاعتصام، وتجاهل دعم جميع القنوات الفضائية له، فقد كان توجه الإعلام واضحا في عزل « أولاد أبو اسماعيل » عن القوى المشاركة لهم في الاعتصام لتركيز الضغط الإعلامي عليهم، فرغم أن اعتصام وزارة الدفاع قد بدأ بمجموعة مؤيدي حازم صلاح أبو اسماعيل، إلا أن السياق الاستفزازي العسكري الذي جاء فيه استبداع الشيخ حازم قد حدا بكثير من القوى الثورية إلى الانضمام إلى الاعتصام، فشمل حركة 6 إبريل وألتراس الأهلي بل وبعض الأقباط، ورغم ذلك فقد أصر الإعلام على التركيز على الاعتصام وكأنه لم يكن فيه سوى «أولاد أبو اسماعيل»، ثم تصاعد التزييف ليبدأ الحديث عن «أولاد أبو اسماعيل» لا كمجموعة مؤيدة لمرشح رئاسي، ولكن «كإسلاميين» يصدرون في سلوكهم عن «الفئة» التي ينتمون إليها، ثم تصاعد التزييف ليبدأ الحديث عن «مخطط التخريب» و «الروح الدموية» للإسلاميين، و « إحراق البلد » .. إلخ هذه العبارات التي لم يجرؤ أحدهم على وصف (الاعتصام المحظوظ) بها، ثم بدأ الحديث عن «انتصار الجيش على السلفيين» ومثيلاتها من العبارات التي لا تخفي تهييجا على الإسلاميين من العامة بل تخفي شماتة وفرحا بسوء أصابهم.  

      أذكر أن مظاهرة أخرى في عيد ثورة يوليو كانت عند وزارة الدفاع أيضا، كان قد شارك فيها قوى ليبرالية وأقباط، (العباسية الأولى) طالبوا خلالها بإطلاق سراح مايكل نبيل المتهم بالتخابر مع إسرائيل أثناء الثورة والمعادي لفكرة التجنيد الإجباري في مصر، ورغم ذلك لم يتحدث أحد عن محاولات حرق البلد وتخريب الوطن.

      أما فيما يتعلق البلطجية الذين تم تصويرهم نازلين من عربات عسكرية، و«ذبحهم المعتصمين» أثناء عودتهم اليومية لمنازلهم عند محطة مترو العباسية، وأثناء تلقي مصابيهم للعلاج في مستشفى دار الشفاء، فقد تضاءل مساحة هذا الحديث في الإعلام مقارنة بالحديث عن «إزعاج المعتصمين لسكان العباسية» و «تعطيل المعتصمين للعملية التعليمية في جامعة عين شمس».

      مقارنة بين رد فعل المجلس العسكري على اعتصامي ماسبيرو ووزارة الدفاع:

      في المؤتمر الصحفي الذي قام به اللواء عادل عمارة لتوضيح موقف العسكري بشأن أحداث فض اعتصام ماسبيرو بدأ اللواء بالأسف والاعتذار عن سقوط ضحايا من الأقباط، ثم أكد على أن أول شهيد في حرب أكتوبر كان من الأقباط وأن العلاقة مع الأقباط تاريخية لا تتأثر بهذه الوقائع، وأن الدم المسلم سال إلى جانب الدم القبطي، والشراكة في الوطن.. إلخ.

      أما المعالجة الحقوقية للأزمة فكانت تجاهل تام لمطالب مسلمي القرية وتلبية غير مشروطة لمطالب الأقباط بدعم مباشر من المشير طنطاوي الذي أعلن حالة الحداد في البلاد لمدة ثلاثة أيام بعد أزمة الكنيسة عند موت البابا شنودة.

      أما ضحايا ماسبيرو فقد اعتمدتهم حكومة الجنزوري رسميا كشهداء للثورة، ومساواتهم ماديا ومعنويا بشهداء يناير.

      أما مطالب اعتصام وزارة الدفاع فقد قوبل بمزيد من التهديد والوعيد.