فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      إيضاحٌ واجبٌ في منهج الثورة والدعوة!

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      السمة الرئيسية التي تغلب على الساحة المصرية السياسية اليوم، وعلى الشقّ الإسلاميّ منها بالذات، هى إختلاط الآراء وتبلبل الأفكار، وتشتت الإتجاهات وتعدّدها، حتى بين أبناء الإتجاه الواحد، وكأنّ الإنفلات الأمنيّ الذي يَضرب الشارع المصري اليوم، قد صاحبه إنفلات فكريّ أشد خطورة وأعمق اثراً بكثير من الناحية الإجتماعية والسياسية. وهذا ما نراه طبيعيّ لا غرابة فيه، في ضوء ما نكر به في مِصرنا من غليانٌ في الأرض وفي العقول.

      وقد لاحظتُ من حديثى مع عدد من الإخوة الدعاة، ومن استماعي إلى كثيرٍ منهم على قنواتٍ فضائيةٍ، أو على اليوتيوب، بارك الله فيهم جميعاً، أنّ هناك اضطراب في فهم القضية التي نزعم، نحن أبناء التيار السُنيّ السّلفيّ الصحيح، أنها الطريق إلى الخروج من هذه الورطة التاريخية التي وجدنا أنفسنا فيها، بعد أن هيأ الله لنا فرصة منذ خمسة عشر شهراً، أفلتتها قوى العمالة والغفلة من بين أيدي المسلمين، بصفقات وتنازلاتٍ وتخاذلات، أشبعناها شرحاً وتوضيحاً من قبل، فلا داعي لإعادة الحديث عنها.

      ما أريد أن أثبته هنا، في مقالي هذا، ليكون شاهداً على ما أراه، وحجة عليّ بين يدي الله، وما سبق أن رددته مراراً، وكررته تكراراً، هو الآتي:

      • أنّ للتغيير سنن كونية إلهية لا تتبدل، لا يجوز أن نحاول منازعتها أو الإلتفاف حولها، فإن في هذا ما فيه من غبش في العقيدة وقِصَر فهمٍ في الواقع.
      • أنّ هذه السنن تأبى أن يكون هناك تغييرٌ في نظام إجتماعيّ خارجٍ عن شرع الله تطبيقاً، إلى نظامٍ إسلاميّ صافٍ صحيح، من خلال منظومة النظام الطاغوتي، دستوراً ومجالساً وأحزاباً، كلها نشأت بقوانينه وتحت ظلّ تشريعاته. يأبى هذا العقلُ والشرعُ، ولا يتبناه إلى خَبِلُ العقل أو مُنحرِفُ البصيرة.
      • أن الثورة الشعبية، والخروج إلى الشارع والميادين، ضد قوى الطاغوت العسكري، هي الطريقة الوحيدة للتغيير حسب السنن الإلهية، كما رأينا في 25 يناير، وفي تجارب أمم عديدة، نشترك معها في الخضوع للسنن الكونية التي لا تُفرق بين مسلمٍ وكافر في مثل هذا الأمر.
      • أنّ الإعتصام ومواصلة الثورة، حتى يقضى الله بيننا وبينهم بالحق، هو الطريق الوحيد لإتمام هذا التغيير، لا مثل هذه المليونيات الإخوانية المُبرمجة، كأنها حفلات "سينما"، من تسعة إلى اثنى عشرة!
      • أنّ عدم التزام السِّلم، والتعدى، واستهداف العنف، والترصد للقتل، أو التخريب، بأي صورة، ليس من هذه الوسائل الشرعية التي يجب أن يلتزم بها المعتصمون. بل الواجب هو الدفاع عن النفس، لا أكثر، دون التعدى. وهذا من منطلق أنّ قوة العدو في شراسته وسلاحه، وقوتنا في كثافتنا وإصرارنا، لا العكس.
      • أن أيّة وسائل يراها البعض "جِهادية"، كقتل أبرياء، أو التعدى على محلات وممتلكات، هي أمور خارجة عن المسار الشرعيّ، والعقليّ، وقد رأينا ما أدت اليه هذه الوسائل الموهمة، التي لا تنشأإلا عن شبابية فجّة، أو منهجية منحرفة، في تجربة الجماعة الإسلامية، التي بدأت منحرفة وانتهت منحرفة، مرة إلى أقصى اليمين، ومرة إلى أقصى اليسار، أعاذنا الله من مثل هذه الزلل.
      • أن الدعاة إلى الحق، هم بين طرفين، أولهما غالٍ في الخوف والحذر والتربص، لا يريد أن يفعل شيئاً إلا بحساب كحساب المَلكين، لا يقدم خطوة إلا تراجع اثنتين، فهو يحجم في غير موضع إحجام. والطرف الآخر هو من يقدم في غير محل إقدام، فتراه لا يأبه لمؤشرات مؤكدة أو شبه مؤكدة، ولا يعى الخطر المحدق به، ويلقى بالكلام على عواهنه، لا يلقى له بالاً، قد يكون فيه هلاكه وهلاك من حوله. والمشكلة أنّ كلا الطرفين، يرى أنه على حق فيما يفعل، وأن الآخر على باطل فيما يفعل.
        • فالطرف الأول لن يكون له أثر في أي تغيير، إلا أقل القليل، وفيه إهدار لجهد ممكن، وإختزال لقوة كامنة، قد يصل إلى حد الإثم من فاعله. وقد تكون للمكوّنات ، في لاوعي هؤلاء، أثر حاسمٌ في تكوين مثل هذه التوجهات، بما في أصل تركيبتها من خوف وتهيب، أو قد تكون للتجربة الشخصية، بالسجن أو الإعتقال، أثر فيه أيضاً. وغالباً ما تجد هؤلاء هم من يتصورون أنّ أجهزة الأمن على إطلاعٌ بكل تفصيلة، وأنها تحصى علينا كلّ كبيرة وصغيرة، وهذا، كما لا يخفى، لا يكون إلا لله عز وجلّ، وفيه ما فيه من المبالغة والتهويل، وإن كان أصحابه يعتقدون أنه حيطة وحذر مطلوبان شرعاً!
        • والطرف الثاني، لن يكون له أثرٌ مُجدٍ في التغيير، إن لم يكن أثره عكسياً تدميرياً، إذ هو كمن يدفع بنفسه إلى الإستئصال، ومن يلقى بيده إلى الهلاك، وهو يرى المصائد مقامة من حوله، والعجب أنهم يبررونها شرعاً ويستدِلون من السيرة بما لا يدل على ما يريدون، بل يتخذون وسيلة حذف وإقصاء أدلة بعينها لصالح أدلة أخرى. وهؤلاء يعتقدون أن العدو كأنه لا وجود له، ولا أثر، ويُبالغون في تركِ الأخذ بالسبب بالكليّة، وهو ما يخالف منهج السنة والجماعة، ويقتب بهم، وياللعجب، من مناهج الصوفية التواكلية، دون أن يشعروا بذلك.
      • أن الثورة تقتضى قوة القلب، وصلابة الإرادة، والبسالة والتضحية، ولا تقوم، معنى ولا مبنى، مع فلسَفة الخَوف والرّعب والتربّص، ولا تستقيم مع خوار الشخصية، وإدعاءات الإحتياط الشَلليّ. لكن، هذا الإقدام وهذه البسالة والقوة، يجب أن تكون محكومة بالتعقل، ووزن الأمور، والوسطية الفاعلة، لا الوسطية القاتلة. وقليل من الناس من يَمُن الله عليه بمثل هذا التوازن في حساب الأمور الواقعة والمناطات الحاضرة، وكم من طاقاتٍ أُهدرت، سيراً في أحد الطرفين.

      وأمر حديثنا هذا، في مقالنا هذا، يطول شرحه، ويتعدى أثره، ولا يمكن إحتواءه في هذه السّطور القليلة، وإنما أردتُ أن أثبت موقفاً، حتى لا يتأوّل علينا متأولٌ ما لا نقصد، أو أن ينسُبنا أحد إلى من لا ننتسب اليه.

      ولا نزال ندعو أبناء الإسلام في هذه الأمة المصرية المُسلمة، أن يخرجوا بصدورِهم، اليوم، أو غدا، أو بعد غدٍ، لا يتوانوا ولا يتراجعوا، وهم معتصمون بحبل الله، وبحبلِ أهل السّنة من أتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم، غير هيابين ولا ناكصين، حتى يفتح الله بيننا وبين هؤلاء الفجرة بالحق، إنه وليّ ذلك والقادرُ عليه.