فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      البرادعي كبديل، وكلام في السياسة

      عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - ألا لا يمنعن أحدكم رهبة الناس أن يقول بحق إذا رآه أو شهده فإنه لا يقرب منه أجل ولا يباعد من رزق أن يقول بحق أو أن يذكر بعظيم "..أخرجه أحمد.

      وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يحقرن أحدكم نفسه أن يرى أمر الله فيه مقال فلا يقول فيه فيقال له يوم القيامة: ما منعك أن تكون قلت في كذا وكذا؟ فيقول مخافة الناس فيقول إياي أحق أن تخاف". رواه أحمد وابن ماجه.

      البرادعي كبديل، وكلام في السياسة

      يقول الشاعر: اقرأوا التاريخ إذ فيه العبر ضل قوم ليس يدرون الخبر

      و هناك حكمة تقول "من يريد أن يفهم السياسة لابد له أن يقرأ التاريخ"، وإن كان من يريد أن يفهم السياسة لابد له من أشياء كثيرة، أولها العلم الشرعي فالله سبحانه وتعالى لم يترك هذا الكون عبثا "أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون"، ثم التاريخ (و علم حركة التاريخ بالتحديد)، والجغرافيا، والاقتصاد، والجيولوجيا الاقتصادية، والعلوم العسكرية (دراسات أركان حرب على وجه التحديد)، وغير ذلك. ولكننا سنكتفي اليوم بجزئية التاريخ لأنها تكفي مقالتنا.

      يقول التاريخ أن النظام في إيران في عهد الشاه (شاه تعني ملك بالفارسية) كان من أكبر حلفاء أمريكا في المنطقة، ثم حدث تحول فجائي بعد ثورة الخوميني وجاء نظام آخر له مشروعه الخاص للسيطرة على المنطقة، ويصطدم مع المشروع الأمريكي، وإن كان في نفس الوقت في صدام مع السنة الذين يحملون المنهج القويم.

      إذا فهمت تلك النقطة على وجه التحديد، ستفهم كيف تفكر أمريكا في البرادعي، إنها ترى فيه مخرجا لها من مأزق قد تتعرض له. فلا أحد يعلم على وجه التحديد من هو البديل المحتمل للنظام الحالي فليس هناك نائب للرئيس، والبرنامج غير واضح، والشعب وصل إلى مرحلة الغليان.

      هل البرادعي عميلا أمريكيا؟

      لا أظن ذلك فالعلاقة بينه وبين أمريكا كانت تتأرجح خلال رئاسته للوكالة الدولية للطاقة النووية.

      ولكنه لا يحمل برنامجا للإصلاح على أسس شرعية، و الواجب علينا أن نحاول توفير برنامج على أسس شرعية ينفع في إقامة نهضة على أسس إسلامية، وليس الدخول في مشاريع الآخرين. وإن كان يسعدنا أن يستفيد أي شخص من برنامجنا فهو ليس حكرا على شخص بعينه.

      هل غياب البرادعي يعني وصول الإخوان مثلا أو أي قوة أخرى مناهضة للنظام؟

      لا أظن، ولكنه سيناريو غير واضح المعالم وفي ذلك خطورة شديدة على الجميع.

      أما بالنسبة لأمريكا فهي تريد خيارا تستطيع حشد القوى الشعبية وراءه ويكون برنامجه غير متصادما معها في حالة اضطرت لذلك.

      هل يعني هذا أن أمريكا تؤيد البرادعي في حملته للرئاسة؟

      لا أظن، بل هي تريد النظام الحالي أن يستمر حتى بعد تغيير الرئيس، لأنه في السنوات الأخيرة افتقد القاعدة الجماهيرية مما يسهل الحصول منه على تنازلات كثيرة. وهذه نقطة يجب أن يتنبه لها حكام المنطقة، وهي أهمية أن يلتفتوا أن المحرك الحقيقي لشعوب المنطقة هو الإسلام، وأنهم إذا اختاروه كمشروع لوجدوا حبا وبذلا غير متناهيا من الشعوب، ولقطعوا معهم أشواطا كبيرة في الإصلاح الشرعي الذي ليس هناك سبيل غيره.

      هل هذا يعني أن أوراق اللعبة كلها في يد أمريكا؟

      يجب أن ندرك أن هذا الكون كله لله سبحانه وتعالى يدبره كيفما شاء، ولكنه سبحانه يبتلينا "ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين، ونبلو أخباركم". فالله سبحانه أمرنا ببذل كل الأسباب المستطاعة، ثم يقضي سبحانه ما يشاء.

      و ماهي الأسباب المستطاعة في الوقت الحالي للإصلاح السياسي في مصر؟

      يجب علينا أولا أن ندرك ماهية الواقع الحالي، وما الذي نريد تغييره على وجه التحديد، وما هي السبل الشرعية التي في استطاعتنا لذلك.

      أولا نحن نريد إقامة أحكام الشريعة الإسلامية الغراء، ونريد تحقيق نهضة على أسس علمية حديثة، ونريد رقابة على الجهات التنفيذية لنضمن وضع خطط عمل حقيقية ومراقبة معايير الأداء ومكافحة الفساد.

      فإذا أدركنا ذلك علمنا أنه لابد لنا من إنشاء ثلاثة هيئات أهلية في الوقت الحالي:

      • اتحاد علماء المسلمين: من العلماء المعتبرين المعروفين إعلاميا يصدر الفتاوى الشرعية لتصحيح الطريق، وبالطبع هم أدرى الناس بفقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
      • مركز للدراسات الاستراتيجية: يقوم بوضع دراسات نهضوية في مختلف المجالات الاقتصادية، والبشرية، والاجتماعية، وفي مختلف النواحي. ثم يقدم أطروحاته للإعلام فيستفيد منها الجميع. هذه الدراسات ستسهم بإذن الله في عملية التطهير الفكري في مواجهة الغزو الفكري الرهيب للنخبة الإعلامية والثقافية والسياسية في مصر. ويقوم مركز الدراسات بتقديم إصدارات من أفلام وثائقية قصيرة وطويلة، ونشرات وكتب تتحدث عن الحلول السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والاستراتيجية في مواجهة الأطروحات المختلفة. وحقيقة أرى أن دور مركز الدراسات الاستراتيجية مهم جدا.
      • مجلس للحكماء: هو شيئا يشبه حكومة الظل التي يقوم بتأسيسها الحزب الذي يكون خارج السلطة في بلاد الغرب. لجنة شعبية على أسس شرعية تتكون من شخصيات معروفة تقوم بمناقشة خطط الوزارات المختلفة وبرامج عملها على وسائل الإعلام، وطرح بعض البدائل، ثم تقوم بمتابعة الأداء الحكومي و تقييمه إعلاميا، وكشف الفساد المستشري في المجتمع. وليس المقصود هنا الخلاف في حد ذاته ولكن المقصود الإصلاح. وهنا لا أفضل استعمال كلمة "حكومة ظل" وأفضل "مجلس حكماء" لأسباب لا تخفى على أحد.

      هل تطرح هذه الحلول من خلال حزب سياسي أو مرشح رئاسي؟

      على الإطلاق، فلا أظن أن ذلك سيكون مجديا و قد يقتل مشروع الإصلاح في بدايته.

      بل هي مشاريع ستقدم للجميع أطروحات حكاما ومحكومين، وستتم مناقشتها و عرضها بمنتهى الوضوح والشفافية. وأظن أن وجود تلك المنظومة الجديدة على الساحة سيكون له تأثيره على البرامج المطروحة، وهو ما نريده. فلسنا نريد شخصا بعينه أبدا، ولكن نريد الإصلاح ما استطعنا إلى ذلك سبيلا.

      هل من الممكن أن تسمح الحكومة المصرية بهذه الاجراءات؟

      من الممكن أن تسمح ببعضه، فهي في حاجة أن تثبت للناس أن هناك أملا، بعد أن كاد الشعب يصل إلى مرحلة الانفجار، خاصة أن نزول البرادعي إلى الشارع قد أحدث حالة من القلق كما يرى الكثير.

      وهنا يجب على المتنافسين على الحكم أن يدركوا أننا جميعا في قارب واحد، ويحاولوا الاستفادة من رجال الصحوة الإسلامية الذين هم خير ذخيرة لديهم، وليس العكس.

      وإذا لم تسمح؟

      يجب علينا أن نسعى، ونبذل ما في وسعنا، ثم يوفق الله لما فيه الخير. وشخصيا لا أظن أن الحكومة قد ترفض مركز الدراسات الاستراتيجية، ولكنها قد ترفض اتحاد علماء المسلمين، ومجلس الحكماء، وهنا يجب على الشخصيات الرائدة في العمل الإسلامي الاجتماع لمناقشة الأطروحات المختلفة لمعالجة هذا الأمر. فهل مثلا يفضلون السعي لنفس الأهداف باختيار وسائل أخرى أم تأجيل المشروعين، أم محاولة الضغط على الحكومة للقبول بهما، أم مزيج من هذه الأطروحات المختلفة. ولكن يجب أن نحذر من قبول أي تنازلات شرعية لأننا مسئولين عن حمل الرسالة وتبليغها.

      هل هذه هي الحلول المثالية؟

      هناك شقان، أما عن اختيار الإسلام لقيادة التغيير في العالم كله، فهذا أمر ليس فيه جدال.

      والشق الآخر يتعلق بالوسائل، فالوسائل والأطروحات قد تحدث فيها اختلافات وأخطاء، ولا يدعي أحد فيها العصمة، فما كان فيه من صواب فهو من توفيق الله وحده، وما كان فيه من خطأ فمن النفس ومن الشيطان. والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله.

      محمد نصر

      18 جمادى الأولى 1431

      2 مايو 2010