فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      أيها المسلمون ..المعركة الأوْلى

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      لا شك في أن المعركة الدائرة حول رئاسة الجمهورية قد شدّت انتباه الجميع، خاصة ما أظهرته من عمالة وخداع ومحاولات للتزوير، تنبئ عن نوعية الحكم العسكري القائم اليوم في البلاد. لكن يجب أن ينتبه المسلمون إلى أنّ هذه المعركة فرعٌ عن أصلٍ أصيل، هي المعركة من أجل الدستور المصريّ.

      وحين نتحدث عن الدستور المصري، فإنما نتحدث عن عقدٍ إجتماعيّ يتواثق عليه أهل المحلة، يكون ممثلاً لغالبية أهلها، لا لأقليتها. نتحدث عن وثيقة تعكس ما يؤمن به أهل الدار من مبادئ وأسس وتصوراتٍ، ومن موادٍ عليا، تعبر عن هويتها أولا، ثم تنظم حركة الدولة وعلاقة سلطاتها بعضها ببعض.

      وقضية وضع دستورٍ في بلاد المسلمين قضية حديثة نسبياً، إذ يرجع تاريخها إلى دستور 1882، الذي أصدره الخديوى توفيق، توطيداً لإتجاه عائلة محمد على، المناهض لدولة الخلافة، صاحب الهوى الأوروبي العلماني. لكنّ، أمر الدستور سرعان ما تطور إلى ترسيخ للعلمانية كما في دستور 1923، والذي خلا من إشارة إلى هوية الدولة أو وضع الشريعة فيها.

      ومبدأ إصدار دستور للبلاد، أمرٌ لا نظن أنّ فيه تعدٍ على الشريعة، إذ يمكن أن تُصدر الجهات صاحبة الولاية مواد تحكم التصرفات العامة للحكام وترتب العلاقة بينها وبين الحاكم، ومختلف السلطات. هذا أمر يدخل تحت باب المصالح المرسلة ولا شك. ولكنّ الأمر هنا هو مصدر هذا الدستور وأساس وضعه، وما يحتويه.

      فإذا نظرنا إلى البلاد المسلمة، التي غالبيتها الكاسحة من المسلمين، وجدنا أنّ الإسلام هو هوية هذه الدولة من ناحية، إذ تتحدد الهوية بالغالبية. كما وجدنا أنّ الإسلام يعنى في أخص خصوصيات التوحيد، أن يكون الحكم لله، وحده دون شراكة، تحت أي إسم، وبأيّ زعم كان. إذن، فإن الإسلام قد حدد ابتداءً طبيعة العقد الإجتماعي في الدار التي هويتها إسلامية، أو "دار الإسلام"، وهو القرآن والسنة، وأحكام الشريعة المستخلصة منهما. فإن لم تكن هذه المصادر هي أساس العقد الإجتماعي في بلاد تحمل الهوية الإسلامية، نزعت عنها صفة الإسلامية، ولم تصبح "دار إسلام"، وتحولت إلى صورة أخرى، تتحدد حسب وضعها التشريعيّ، وإن اتفقت في كافة صورها على صفة الكفر أو الردة.

      وهذه الأحكام الشرعية، المستقاة من القرآن والسنة، تعالجُ في تفاصيلها غالب البنود التي يُعنى واضعوا الدستور بها، مثل تحديد صلاحيات وليّ الأمر، والسلطات الثلاث، وصفات أهل الحلّ والعقد، أو المجالس النيابية، وحقوق الأقليات، والعلاقة بالدول الأخرى، وغير ذلك، بما يتفق مع وحدانية مصدر التشريع، التي هي لله وحده دون الشعب أو ممثليه.

      من هنا، نرى أنّ معركة الدستور، واللجنة التأسيسية التي تدور رحاها اليوم، في خلفية معركة الرئاسة، هي الأولى بالإنتباه، والأجدر بالمراقبة. إذ إنّ هذا الدستور سوف يحسم وضع الرئاسة، وصلاحيات الرئيس، فهو الوثيقة الأعلى من مؤسسة الرئاسة كلها، من ناحية، ثم نحن بصدد تلاعبٍ ومغالبة من الأقلية، التي تريد أن تفرض رؤيتها وهويتها، بصفتها لا تحمل الولاء للهوية الإسلامية، سواءً كانت نصرانية، أو علمانية ملحدة.

      الأمر أنّ الهوية الإسلامية التي تريد الأقلية التوافق عليها، لا دخل لها بالإسلام. بل هي محض خروجٍ عنه إلى الشرك. الهوية الإسلامية التي يريدونها هي كلمة في دستورٍ يناقض حكم الله، ويرفض الرجوع إلى أحكام الشريعة، بل يرجع إلى مبادئها العامة التي تتفق مع مبادئ كافة أديان الأرض الكتابية والوضعية والفلسفية. فهو في حقيقة أمره دستور وضعيّ مشرك، يتبنى طموحات الأقلية العلمانية الملحدة والنصرانية الكتابية، ويغفل هوية الغالبية الساحقة من مسلمي هذه الدار.

      والناظر على الساحة السياسية اليوم، يجد ثلاث قوى تتصارع على وضع هذا الدستور، منها قوتان ظاهرتان وقوة صامتة. أما الأولى، فهي القوة الداعية لعلمنة الدستور باسم التوافقية، وهي القوة الأعلى صوتاً والأطول باعاً في الإعلام، وإن كانت صاحبة أقلية مطلقة على الأرض. والثانية هي أكثرية نسبية، تتمثل في الإخوان البرلمانيين، وبعض السلفيين الحداثيين. وهؤلاء يدعون إلى دستورٍ أقرب ما يكون من الدستور العلماني، إلا مع عدة فروق، تتمثل في تعبيرات وكلمات، لا تنص صراحة على الرجوع إلى أحكام الشريعة. وكذلك فإن هذه القوة، تريد أن تجعل نظام الحكم برلماني، كيَ تبقى السلطة في يد جماعة الإخوان بالذات. وهو ما لا يتمشى مع الثوابت الشرعية، من ناحية، ومع الأصلح لطبيعة الحكم في بلادنا من ناحية أخرى. أما القوى الثالثة، الصامتة، صاحبة الأغلبية، والغير ممثلة حقيقة فيما يسمونه بالمَجلس التشريعيّ، أو البرلمان، فهي القوة الإسلامية السّنية، التي ينضوى تحتها غالب أفراد الشعب، والتي تطالب بتطبيق أحام الشريعة، دون اللجوء لتلك الزئبقيات الشركية التي تتمحّك بالمادة الثانية أو ما هو في معناها. وهذه القوى تتمثل في عدد من التكتلات، لكنها توجد بكثافتها بين أبناء الشعب، الرافض للتخاذل الإخوانيّ والتثبيط السلفيّ، بعدما ظهرت حقيقة هؤلاء بعد انتخابهم نواباً، ليس لهم من الأمر شئ.

      المعركة التي يجب أن يستعد لها المسلمون، ويجمعوا على توحيد جهودهم عليها، هي معركة الدستور. لا توافق شركيّ. ولا لجان تأسيسية تقبل بهذا الكفر، إخوانية أم غير إخوانية، سلفية أم غير سلفية. الدستور الوحيد المَقبول لدى المُسلمين هو ما ينص، صراحة ودون خَفاء أو إشكال، على أن "المرجعية العليا في الدولة هي للكتاب والسنة الصحيحة الثابتة، وعلى أنّ المصدر الوحيد للتشريع هو الشريعة الإسلامية، وما يَصدر عنها وما يَنبنى عليها". هكذا بهذا النصّ.

      أما ما ظهر أخيراً من أقوال تبنئ عن الضعف والتراجع والتنازل، من إنه يمكن أن يكون النصّ على أحكام الشريعة، دون مبادئ أو أحكام، فهو تحلل بارد من ربقة الإرتباط بحكم الله وطاعته. والسؤال هو، لماذا هذا التخاذل والتنازل؟ ألسنا الأغلبية؟ ألسنا مُقرّين بأفضلية ديننا وشَريعتنا؟ فما هو مبرر هذا الضّعف والخنوع؟ أهو إرث موروث أم هو قدرٌ مقدور، أن نخضع لإبتزاز الأقليات، ما نقدر أن نتفلت منه؟

      لا أدرى والله فيما هواننا وضعفنا وتخاذلنا وتفريطنا في ديننا، ونحن الأغلبية المطلقة؟ فلئن تراجع وتخاذل وفرّط الإخوان، فلأنّ هذا دينهم، يروْن فيه أن أحكام الشريعة غير ملزمة إبتداءً، كما صرّحوا. ولئن تابعهم مُحْدَثوا السّلفية وخَنافِسها على هذا المعنى، فهم أصلاً تابعون مقلدون، لا هويّة لهم. لكن ما بالنا، نحن المسلمون من أهل السنة والجماعة، من أتباع السنة المطهرة الصحيحة، القائمين على معاني التوحيد، الصافى موارده، والواضح معالمه، نتردّد في إعلانها صريحة مدوية، أنه لا حكم إلا لله.

      على التيار الإسلاميّ الصحيح، الذي يلفظ الإخوان وأدعياء السلفية، أن يدرك أنّ لا مفر من أن يستعرض قوته، ويُجَسِّد غالبيته، في الشوارع والميادين، حتى تدخل الفئران جحورها، إذ هؤلاء لا حياء لهم ولا ضمير. وسوف يظلون ينعقون بالشرك، ويتحدثون عن حقوق الأقلية، وأطياف الشعب، وهذه الخزعبلات الدعائية، حتى يتم لهم مرادهم. وقد استسلم لهم الإخوان وأدعياء السلفية، جبناً ووهناً وتقديماً لمصالح شخصية، لكن ما بالنا نحن نتركهم يتلاعبون بديننا ويحرّفون هويتنا ويُقصون شَريعتنا؟

      لا والله ليس لنا عُذر في ذلك. ومعركة الدّستور أولى وأهم وأعلى من أي معركة رئاسية، خاصّة وهذه القوى كلها تعمل على إصدار دستور بشكل سريع مطبوخ، حتى لا يكون للرئيس القادم يدُ فيه، إن كان مسلماً، وأقصد حازم أبو اسماعيل بالذات، فإنما بقيتهم صور إسلامية لا حقيقة لها.

      إن المسلمين من أتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حقيقة لا إدعاءً، وهم كلّ من رأى أنّ حكمَ الله لا يتجزأ، وأنه لا حكم ولا دستور ولا قوانين إلا بحسب أحكامه، وأنّ المناداة بإتباع المَبادئ هي بابٌ خلفيّ من أبواب التمَلّص من الشَريعة، يخرج منه المتمَسلمون، خِلسة من ربقةِ دينهم، وإن صلوا وصَاموا وزعموا أنهم إخوانٌ وسلفيون، يجب عليهم أن يوحدوا صفوفهم، سواءً  منهم من التزم بالثورة وتعاطف فطرياً مع الحق الذي عليه أبو اسماعيل، أو من وقف إلى جانب الشيخ حازم أبو إسماعيل في حملته ضد أعداء الله وأعداء شرعه، فإن معركة الدستور قادمة، وهي المعركة الفاصلة في طريق العودة إلى دولة لا إله إلا الله.