فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      الدستورالمصري .. بين الإسلام والكفر

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      لا أدرى، ولايدرى عاقل كيف يمكن أن يكون هناك دستور، أو عقد إجتماعيّ، في أي ثقافة في العالم كله، مُرضياً لكل أفراد هذا المجتمع؟ الأطياف الإجتماعية في أي مجتمع تتفاوت بين أقصى اليمين وأقصى اليسار، وفي مجتمعاتنا الشرقية المسلمة، بين الإسلام السنيّ والكفر البواح. فكيف بالله عليكم يمكن أن يكتب دستور يرضى به اليميني واليساريّ، والمسلم والكافر؟

      في دولة المدينة، كان القرآن هو دستور المجتمع الذي توافق عليه المسلمون والكفار، ونصّت آياته على حقوق الأقليات التي يجب أن تراعى، باسم الله وشرعه، في أي تعاملات داخل هذا المجتمع. وهكذا كان دستور الدول الإسلامية على مرّ قرون عديدة، حتى سقوط الخلافة العثمانية، وسقوط المجتمعات الإسلامية فريسة للثقافة الغربية، وسيطرة الفكر الإستسلامي التغريبيّ، على الأوضاع الإجتماعية، ثم السياسية والإقتصادية.

      وجاء الحكم بغير ما أنزل الله، وقُنِنَ الكُفر، وسقطنا تحت سيطرة الحكومات الكافرة المُتعاقبة، التي تخفّت وراء أسماء مسلمة، وساعدتها فتاوى المُنحلين من أصحاب العَباءآت والّلحى، لتُبرر هذا الكفر، وتُسبغ عليه صفة الفسق، ليس إلا!

      ثم، بعد أن أطلّت إشعاعة نور، من خلال سحب اليأس وضباب الكفر، في أعقاب 25 يناير، إذا بقوى الجماعات الليبرالية المتمسلمة، التي توسم بالإخوان، ومعها مشايخ سلفية أدعياء، باعوا قضية الإسلام، ونظروا إلى مقاعد البرلمان، ومؤسسات الدولة، التي رغبوا في  السيطرة عليها، وهم يعلمون أن رأس الحيّة، قد نما محلها تسعة عشر رأساً.

      وتوالت علامات يقينية أن الجيش لن يدع دستوراً إسلامياً يحكم البلاد، ولا رئيس إسلامي يحكم البلاد. بل توافق مع المُغيبين من الإخوان والسلفيين على منحهم تلك الكراسي التي ليس لها قيمة سياسية أكثر من ثمن شرائها!  

      والآن، وكأن هذه الحقائق كانت خافية أو سرية، يخرج الإخوان فيصوّروا ثورة على العسكريّ، لاندرى ما سببها على وجه الدقة؟ أهي بسبب إنهيار وعمالة وزارة الجنزورى؟ لكن ما الجديد في هذا، وهم قد وافقوا عليه وباركوه من قبل، ورفضوا تكوين الحكومة، أو استلام السلطة؟ أهو الخجل والحياء من صورتهم التي باتت واضحة لرجل الشارع، أن ليس لهم أي دور سياسيّ حقيقيّ، وأن الجيش هو الحاكم المطلق بأمره؟ كذلك، ما الجديد في هذا؟ وهو معروف لصبية المدارس منذ أن رسم العسكريّ القوانين كلها لتسلب صلاحيات أي جهاز سياسي في الدولة؟

      الأرجح أنها مناورة سياسية إخوانية، يحاول بها هذا الجماعة أن تحسن صورتها التي انهارت في أعين الكثير من الناس، كما يمكن أن تكون محاولة لتقليل حجم الأخطاء التي وقعوا فيها، والتي تتالت، ثم تتالى التراجع عنها، مثل تحديد نسبة اشتراكهم في البرلمان، ثم عدم الإشتراك في حكومة، ثم عدم ترشيح رئيس، كلها كانت قرارات تراجعوا عنها، رغم أنّ الكثير قد انتقدوا موقفهم منها ابتداءً، ومنهم أالفتوح، الذي عرفوا الآن أنهم لو سمعوا نصيحته، ولم يلجئوه للخروج عليهم، لما خسر، وخسروا؟ ولكن الأعمى يدرك اليوم أن صانعى القرار في مكتب إرشادهم، أقصر نظراً وأضعف رأياً بكثير عما يظن بهم كثير من الناس.

      الدستور الآن هو الورقة المطروحة والتي تحارب كل القوى أن تضع بصمتها فيه، سواءً بحق أو بغير حق. وقد فرط الإخوان، وفرطت الأغلبية إبتداء في حقها بأن وافقت على مفهوم "التوافق" الذى لا يعنى إلا "التنازل"، ثم التنازل، حتى تسيطر الأقلية على الأغلبية.

      لكن ليس هذا موضوعنا. بل موضوعنا أنّ الإسلام ليس فيه هذه النوعية من "التوافق". الإسلام لايعرف التوافق بينه وبين الكفر، ولا يقف في الوسط مع الكفر. التوافق الذي يعرفه الإسلام، هو الإسلام ذاته، الذي قد بَنى المُشرّع سبحانه في ثناياه كل الضمانات الأصيلة والكافية لتكفل حقوق المرأة والأقليات والقبط والإنسان، وكافة ما يتشدق به الغرب الديموقراطيّ، ويلهث وراءه أذناب العلمانيين في شرقنا المسلم. وقد أوضحنا في مقالاتنا عن الوسطية المحدثة، أن تلك الوسطية البدعية التي خرج بها أمثال العوا ومحمد عمارة، وتبناها إسلاميو الإخوان وتبعهم عليها السلفيون والجماعة الإسلامية، هي وسط بين الإسلام والكفر، وسط بين حق وباطل، لا وسط بين باطلين، حيث يقف الإسلام.

      أنْ يتنازل الإخوان في صلاحياتهم التي يرضون بها في البرلمان شئ،، وأنْ "يتوافقوا" مع العِلمانيين بالتّنازل عن أن تكون الشريعة الإسلامية هي المصدر الوحيد لقوانين مصر، شئ آخر.

      الدستور في بلادنا هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما يتخرّج منهما بوسائل الإجتهاد المعروفة، وعلى رأسها القياس والمَصلحة المُرسلة والإستحسان. وهي كلها لا يخرج عنها أي تَشريع مُحتمل. وأي خَلطٍ أو "توافق" في هذا الدستور لا يعنى إلا الكفر والشرك، بالتعبير الشرعيّ.

      حسابات الشرع، لا يجب أن تخضع لتعاريف السياسة ومصطلحاتها، وأن تتلون بألوانٍ تتغير وتتبدل مرجعياتها حسب الأوضاع الراهنة. إن مبدأ يسر الشريعة، وتغير الفتوى بتغير الأحوال لا يعنى، من قريبٍ أو بعيد، أْنْ نبدل في أصولها وتوجهاتها كلما حدث أمرٌ يخالف ما نراه بقدراتنا البشرية مصلحة لجماعتنا خاصة.

      الدستور ليس له إلا أحد أمرين، أن يكون دستوراً يعكس طاعة الله المطلقة وإتباع سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، دون محاورة أو مداورة أو مداهنة أو إرجاء أو تجزئة، أو أن يكون دستورَ كفرٍ، وياسقاً جديداً، وتعود الحركة الإسلامية الحقة الجادة لتواجه برلماناً شركياً ودولة مؤسسة على الكفر، وإن كان غالب أهلها مسلمين.