فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      مطبخُ الرئاسة .. والوَجبة التوافقية!

      الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      لم أجد كلمة تعبر عمّا يجرى اليوم وراء الكواليس، وأمامها، بشأن مرشح الرئاسة المصرية القادم، تعبيراً أقرب من كلمة "الطَبخ"، وإن افترق أمرُ الرئاسة عنه في نَاتجه النهائيّ، فالطّبخ ينتج أمراً مرغوباً ومقبولاً، ولكن مطبخ الرئاسة هذا، سينتج قيئاً، غثاءً عفناً، يُمرِض الجسد ولا يُصحّه.

      طباخوا الرئاسة اليوم كلهم في شغلٍ، يريد كل منهم أن يضيفُ مركباً للوصفة التعيسة، تضمن له أن يكون مذاق الطّبخة على ذوقه ووفق شهيته.

      العَسكر يريد علمانياً أو شبه علمانيّ، مطواعاً، ذا تاريخٍ مشوهٍ، ذلاته تربو على فضائِله، يريد الرئاسة أكثر ما يريد الحياة نفسها، يخشى العسكر أكثر مما يخشى الله سبحانه، سواء التَحَف بمسوح الإسلام أو تجرّد منه. وفي وصفته هذه، أضاف العسكر "دقة" خاصة به، وهي المادة 28، التي أضافها سراً إلى الإعلان الدستوريّ ليضمن بها أن تظل نتيجة الإنتخابات المطبوخة تحت يديه، وكلّف بها رئيس طهاته، فاروق سلطان، خبير طبخ الإنتخابات، المشهود له منذ عهد المخلوع.

      والإخوان الليبراليون يريدون، في غالب الأمر، وخلف الستار، ما يريد العسكر، إعمالاً لصفقة كامب سليمان، وتخاذلاً عن تحمّل المسؤلية. فالإخوان، كانو على مرّ تاريخهم، ممن يتّبع الأحداث، ويترصد حركتها، ليركب الموجة المُتعالية، ويسرق الضوء ويحتل موقع الصدارة، دون جدارة. ولم يتعود الإخوان أبداً، أن يبدؤا بالعمل للمعارضة الصّريحة للنظام القائم، بل عملوا دائماً كمعارضة من داخل النظام لا لإزالة النظام. فحين لاحت لهم فرصة تحمل المسؤلية، لم يرتفعوا إلى مستواها، بل جَبُنوا عن أخذها بقوة، خوفاً من مسؤلية تحمل الأمانة، كما يدّعون! لكن المُحيّر أنهم، إن كانوا لا يُريدون تحمّل المسؤلية كجماعة، فما يمنعهم من انتخاب شخصية عريقة مثل حازم أبو اسماعيل، أو أي ممن له خلفية اسلامية كما صرح رئيس المطبخ الإخوانيّ محمد بديع. والجواب الوحيد المفهوم، بخلاف صفقة كامب سليمان، أنهم لا يريدون أن يكون لمن لا ينتمى إلى جماعتهم، ممن ينتسب للتيار الإسلاميّ، أية قوة أو سُلطة، وهو غاية في الحِزبية والنفعية والإنتهازية.          

      أما مطبخ السلفيين، فهو أكثر ارتجالاً من غيره، فهم، كقاعدة، أكثر التصاقاً بالإسلامية من الإخوان، ومن ثمّ ترى الكثير منهم قد سَاند حازم أبو اسماعيل، لكن هؤلاء الذين راحوا يتلاعَبون بالأمر هم بين حاسدٍ ومَنفعيّ، ولا ثالث لهما. هذا الخليط قد عابَ موقف هذا التجمّع ككلّ، بل وسيفسد هؤلاء الحاسدين والمنفعيين الفضائيين قوة الموقف السلفي بعامة.  

      أما العلمانيون الليبراليون، فهم في وادٍ آخر غير بقية الشّعب، يحاولون أنْ يجدوا لوصفتهم متذوقاً، لكنها طبخةٌ ممجوجة لا تُسمن ولا تغنى من جوع، فسيكون لهم أقل دور في ترتيب هذه الطبخة القادمة.

      أما عن الشعب، فإنه يقف مُتربصاً بهؤلاء الطبّاخين، يعلم أنهم كلهم بلا استثناء، لا يريدون مصلحته، ولا يقصدون إلى نفعه. الإخوان الليبراليون يسعون إلى تقوية تجمعهم، مع أقل خسائر ممكنة، أو بلا خسائر إن أمكن، مهما كان حجم التنازلات. والسلفيون لا يستطيعون تحديد ما يريدون ككتلة واحدة. والعلمانيون لا وزن لهم أساساً. وغالبية الشعب قد أحكمت أمرها، خارج المطبخ، فأعطت صفقة يدها لحازم أبو اسماعيل، وبالأحرى لما في الفطرة من طاعة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وهي نفس النزعة التي جعلت الشعب يختار ممثليه من صفوف الإخوان والسلفيين، تحسيناً للظن بهم، دون أن يدركوا أن دين هذه الطائفة من السلفيين هي طاعة من تغلب على الحكم، وأن دين الإخوان هو الليبرالية الصوفية المتدثرة بالإسلام. هذه الفطرة الشعبية هي التي توجهت بثقلها لتساند أبو اسماعيل، كذلك كلّ من عرف الله ورسوله صلى الله عليه وسلم حق المعرفة.

      والأمر أنّ القُوى الأقوى والأكثر فاعلية على المستوى الرسمي، هي العَسكر، ثم الإخوان الليبراليين، وكلاهما لا يريد مرشحاً حقيقياً قوياً، كلٌّ لحسابه الخاص. وذلك التعديل القانونيّ المَعيب على المادة 28، والذي يريد الإخوان الليبراليين أن يجعلوها بديلاً من مواجهة العسكر، لن يكون لها أيّ تأثير في تصحيح عملية التزوير المرتقب. فقد يُوقّع رؤساء كلّ اللجان الفرعية والرئيسية، على جداول مُعينة، ويكون مع ممثلي المُنتخبين صورٌ منها، لكن يصدر قرار اللجنة العليا بإسم أحد الخاسرين. والمؤلم أنّه لن يكون هناك جهة يمكن أن يتوجّه اليها صاحب الجداول لنقض القرار!! هذا عبثٌ باردٌ يستهتر به نواب الإخوان الليبراليين، ليتركوا أمر الرئاسة في يد العسكر. ما تمّ هو خيانة عظمى لله وللشعب وسينشأ عنها أحد أمرين، إما أن يرضى الشعب وينهى ثورته بيده إلى أن يأذن الله، أو أن يخرج أبناؤه، كما حَدث في يناير الماضى، إلى أن يحكم الله بينهم وبين الظالمين من العسكر والإخوان الليبراليين.

      الرئيس القادم لن يكون من إختيار الشّعب، إن خرج من ذلك المَطبخ الرئاسيّ المُسمّم، بل سيكون مُعَيناً مَفروضاً عليه، ليضمن استمرار العسكر في السلطة، وليضمن لهم الخروج الآمن، كما يسمونه، والفرار من العقاب كما نسميه، وليسير بمصر على خطى المخلوع، فساداً واستبداداً. وطالما أن الكتَاتنيّ يجلس في كُرسي رِئاسة البرلمان، والإخوان يسيرون في مخططهم الإقتصادية لتعزيز الجماعة، فلا بأس بأيّ من كان في كرسيّ رئاسة مصر.

      الطريقة الوحيدة لضَبط هذا الأمر هي أنْ يَخرجَ الناسُ إلى الشّوارع، مُستمرين في ثَورتهم، إلى أن ينتهى النّظام القَائم، ويخرج العسكر عن السلطة، ويخرج عملاء الإخوان الليبراليين من البرلمان

      المعلوم من أصول الطَبخ، أنّ الأيدي الكثيرة فيه تفسده ولا تصلحه. من هنا فإننا نرى أن ما سيُسفر عنه مطبخ الرئاسة الذي تتنافس فيه العديد من أيدى العابثين بمستقبل هذا الوطن، سيكون مخيباً لكل الآمال التي انعقدت على الثورة، والتي أجهضتها أيدى طباخي السلطة، والرئاسة.

      والفرصة لائحة، مرة عاشرة، حين ينتخب العملاء مرشحهم، ويدرك الغافلون أن الطَبخة فاسدةٌ وأنهم تركوا الوصفة الناجعة وراء ظهورهم، في التحرير.