الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
الكِبر والحَسَد.. داءان عضالان، ما أصابا من أحدٍ طَلَبَ العلم، إلا حَطّا من قدره، ونزعا منه إحترام الأقران، وإن حَظى بأسماع العامة، يعطونه آذانهم، ويصغون لكلماته كأنّ على رؤوسهم الطير، فطَرِب لتردادهم اسمه وتشنّف بضحكمهم على دعاباته!
هذه هي المرة الثانية، التي شخّصْتُ فيها داء محمد عبد المقصود، إذ أرسل إلىّ أحد الأحبة تسجيلاً تحدث فيه الرجل عن الشيخ الجليل المجاهد عبد المجيد الشاذليّ، فأتي بدليل آخر على مرض الكبر وداء الحسد. http://www.youtube.com/watch?v=yClgBsiwTwM&feature=youtube_gdata_player
أما المرّة الأولى، فهي التي هاجم فيها الشيخ المحترم حازم أبو اسماعيل، والتي ردَدّت على برنامجه السّخيف، في مقال "عون المعبود في الرد على محمد عبد المقصود"، الذي أداره ذلك الرويبضة خالد عبد الله، على قناة فضائية تتيح لمثله أن يتعدى ويعتدى على الأكابر. http://www.tariqabdelhaleem.com/new/Artical-30570
وأصدقكم القول، أننى كنت أشعر ببعض الحرج، بعد أن كشفت عيبه في المقال الآنف الذكر، لكن، ولله الحمد، بعد أن جاءني هذا التسجيل، عرفت أن الرجل قد صَرَخ الشيطان في أذنيه أنْ "أنت ولا أحد معك!"، فصَدّق ما قالته عنه الأصاغر مؤخراً، من إنه فقيه الأمة وعالمها و.. و..، مما لا دليل عليه إلا قول الرويبضات.
وقد سمعت هذا التسجيل المذكور، وجاهدت السمع لأفهم عن الرجل ما يقول، ولكنى، وأصدقكم القول مرة أخرى، لم أحتمل أن أكمل الشريط لآخره .. إذ راح يرغى في قصةٍ لا دخل لها بالسؤال المطروح عن العالم الجليل عبد المجيد، يروى فيها عن رحلة ما، ودعوة على العشاء، وسفرة لأخ من بُعد سبع ساعات!، وأمور ليست إلا حشواً في حشو، يجب على العالم الحق أن يترفع عنها، لا أن يسترسل فيها فيملأ بها شرائط، ويستغرق بها وقتاً، بينما ينظر اليه المستمعون وكأنه جاء من كوكبٍ آخر..!
وقد استطعت أن استخلص من حديثه نقاط محددة، لم أرى فيها إلا عيباً أو جهلاً.
أولها، أنه رمي الشيخ عبد المجيد بأنه مصنوع، تَحسب أنه على علمٍ واسعٍ حين تقرأ مقدمته الأصولية، ثم تراه بعدها وقد زلّ وانحرف وتحدث عن التوقف والتبين!
وثانيها، أنه نسب للشيخ عبد المجيد كتاب "الجواب المفيد في حكم جاهل التوحيد"!
وثالثها، أنه تكبّر وانتفخ حين زعم أنه أفحم الشيخ عبد المجيد، بمجرد كلمات قليلة قالها، بهت بها الشيخ، فاستسلم.
ويعلم الله لو أنّ الشريط كان واضحاً، فلربما كنت استخرج ما عليه الرجل من هذا الكبر والحسد، أكثر تجسيداً ووضوحاً.
أمّا الأولى، فعجيب أمر هذا الرجل الحسود! هل كتب شئ مثل، أو قريب، مما كتب الشيخ الشاذليّ، سواءً في الأصول أو في غير الأصول؟ أهناك عملٌ له يمكن أن يقارن الباحث بينه وبين ما دوّن الشيخ الشاذليّ ليعرف من هو العالم ومن هو المُدّعى؟ والجواب: لا، الرجل ليس له كتاب واحد في العلم الشرعيّ! ولا كتاب واحد!! إن هي إلا محاضراتٍ في محاضراتٍ في محاضراتٍ.. كلام في كلامٍ في كلام. ثم حين قرر البدء في الكتابة، بدأ في فقه العبادات، كما قيل!.. وكأن الأمة تحتاج إلى كتابٍ آخر في فقه العبادات! عجيب ثم عجيب ثم عجيب. رجل يطلق عليه الناس أنه "فقيه مصر"، وهو يصدقهم بما قالوا، ولا يعترض عليهم في هذا الوصف الذي أقل ما فيه أن يدثرٌه بما ليس فيه، ثم ليس له مؤلف واحد! فإن قيل أنه كان محاصراً بالنظام الفاسد أو مسجوناً، قلنا فما بالكم بالسرخسيّ أو سيد قطب، أو الشاذليّ الذي تجرأ عليه، وقامته لا تبلغ ركبتيه؟
والله ما سمعنا بهذا في القرون الأولى ولا الأخيرة... أخبرونا يا أتباع الرجل ومريديه: أين رأيتم في تاريخ الإسلام رجلاً يقال عنه أنه عالمٌ لا يُعرف له كِتابٌ واحدٌ وضَعه، ليكون كعود في عين الحسود؟ سمّوا لنا عالماً واحداً، بلغ الخامسة والستين سنة من العمر، لم يكتب كتاباً ولا بحثاً مفرداً؟ من؟ النووى، أم السيوطي، أم الشاطبي، أم محمد بن عبد الوهاب، أم سيد قطب، أم القرطبي أم بن رجب، أم بن عبد الهادي، أم السبكي، أم حسن البنا، أم أحمد شاكر، أم الشنقيطي؟ نبؤنا بعلم، يا أصحاب العلم ويا أتباع الفقيه الأوحد؟ ألا يستحى هذا الرجل أن يرضى بما يشاع عنه؟ ألا يستحى مستمعوه وأتباعه أن يقولوا عنه هذا؟ ثم تصل به الجرأة، ويبلغ به الحسد أن يتحدث عن مقدمة الشيخ عبد المجيد لكتاب حد الإسلام، أنها تُوهِم بأنه على علم، وهو ليس بذاك! الرجل مغرور، متكبر حسود.
والثانية، ما قاله من نسبة كتاب الجواب المفيد للشيخ عبد المجيد زوراً وجهلاً، وهو كتاب سطره بيده كاتب هذه السطور عام 1978، وإخوة له أحباب، كما بيّنت في مقدمته، على موقعنا. وقد أشار الشيخ عبد المجيد إلى عارض الجهل بشكل مختصر في الباب الخامس من "حد الإسلام"، لكننا أفردنا له كتاباً كاملاً لأهميته وضرورة بيانه. والرجل لم يحقق نسبة كتاب إلى مؤلفٍ من معاصريه، ثم هو يتحدث بالعنعنة فيما هو من أربعة عشر قرناً؟ فهل مثل هذا يمكن توثيق رواياته؟ وإنى في إنتظار ما يكتب، رداً علمياً على كتاب الجواب المفيد في حكم جاهل التوحيد، إلا إن كان مشغولاً عن الكتابة، كما انشغل عنها في العقود الخمسة الماضية؟
أما الثالثة، والتي ذكرتنى بذلك الرجل عبد الحسين، الذي كذب على الشيخ الجليل سليم البشرى في الكتاب المصنوع "المراجعات" حين وضعه أماه وكأنه تلميذ صغير مبهوت أمام حجة العالم العلامة! وهي ما أطال الحديث فيه إيهاماً لمن حوله بأنه جاء بجديد، وقرع بمقرعة من حديد! من إثبات أن الأصل هو العمل بالظاهر، والله يتولى السرائر، وهو أصل لا يخالف فيه أحدٌ من أهل السنة، ولو أن هذا الرجل قرأ مقدمة كتاب الشيخ عبد المجيد - وأشك والله أنه أتم قراءتها، أو أتمّها لكن لم يفقه نصفها - لوجد أنها أصلٌ من الأصول التي أقرّها، وجعل عليها مبنى الشريعة قائماً. الا أن الشيخ الشاذليّ قد توسّع في بيان قاعدة العمل بالظاهر، بما تَاه عنه عقل عبد المقصود، فشرح علاقة هذه القاعدة، بالقواعد الأخرى المعتبرة في الحكم كقاعدة "العبرة بالمعاني لا بالمباني"، ثم مراتب الألفاظ بالنسبة إلى المتكلم بها، حسب ما أورده الشاطبيّ في الكتاب الثالث من الموافقات، ثم مدخل النية والقصد في تفسير الظاهر وإنزاله منزله، وغير ذلك مما أصّله، حفظه الله، ثم كان ردّ عبد المقصود عليه، بأحاديث لا يخالف فيها أحد، ثم أجراها مجرى الظاهرية، دون عرضها على أية قواعد أخرى، وكـأنه جاء بما لم تأت به الأوائل، فلم يفهم عن الشاذليّ ما قصد اليه، وراح ينظر يمينه وشماله يستشهد بمن حوله على وقت اللقاء أو شئ تافه من هذا القبيل، ويشغل الناس بحكايات عن سفريات ومقابلات في أنصاف الليالي ودعوات على العشاء، وذلك الخرط الطويل الذي لا يُسمِن ولا يغنى من جوع، إلا عند من هم على أدنى درجات العلم الشرعي، الذين وصفهم بن القيم في الدرجة الخامسة من درجات الناظرين في الشريعة "درجة كل متكلفٍ متخلفٍ متدن بنفسه".
ثم لا أدرى من أين جاء بهذا الإفتراء المَحض على الشيخ عبد المجيد، من إنه يقول بالتوقف والتبيّن؟ والله إنْ هذا إلا بهتانٌ عظيم، وقد وقع فيه كما وقع في هذا البهتان من قبله الشيخ محمد سرور زين العابدين، الذي اجتهد أيّما إجتهاد لإثبات أنّ الشيخ الشاذلي يقول بهذا القول، في حضورى شخصياً، رغم أنّى بينت له زيف هذا الإدعاء، فضَلّ عن الحق، كما ضلّ عنه عبد المقصود. وأُشهد الله أنّ الشيخ عبد المجيد ما قال بهذا القول، لكنه حكاه عن غيره، وشرح وجه نظر من رأوه صحيحاً، بل إنه، كما أشهد بهذا بصفة شخصية لمعايشتى لهذا، أنه وقعت بينه وبين من روّج لهذا القول، وجَمّع الشباب عليه، مشادات، بل وفارقهم لهذا السبب. فلا أدرى ما هذا التهافت الذي يتحدث عنه عبد المقصود؟
لو أن هذا الرجل صاحب علم حق، وباحث عن نصرة الدين، لجلس إلى مكتبه، فأخرج رداً على عبد المجيد، أو على الجواب المفيد، مثبتاً فيه ما يأخذه عليهما، قارعاً الحجة بالحجة، لتقوم على عبد المجيد وعلينا الحجة، ويبصر أتباعه وقراؤنا خطأ متبوعيهم. لكن الرجل أعجز من هذا الأمر، والله لو استطاع لفعل. لكنه إكتفي بقولٍ يحسن أي طالب معهد أزهرى أفضل منه.
المشكلة التي نعيشها أنّ هؤلاء "الرموز" قد ارتفعت أسهمهم، لمّا غاب عن الناس أصحاب العلم، لسبب أو لآخر، فتكَوّن، أو بالأصح تَكوّم، حولهم عدد من المستمعين، لا أقول طلبة علم، فصارت تتحدث بذكرهم الركبان، على قلة علم، وضآلة تحصيل، وإنعدام إنتاج، وقد قيل في المثل "الأعور بين العميان مفتح"، هذا بالضبط هو ما نحن فيه اليوم. وهو سمة الزمان وصفة هذا الأوان
إذا عاير الطّائـــيّ بالبخل مادرٌ وعَيّر قَساً بالفَهامة باقلُ
وقال السُّهي للشمسِ أنتِ خَفية وقال الدُّجى للصبحِ لونُك حائلُ
فيا موت زُرْ إن الحياة ذميمةٌ ويا نفسُ جِدّي إنّ دهرك زائلُ
إن قامة محمد عبد المقصود لا تصل إلى ركبتيّ الشيخ عبد المجيد الشاذلي، ووالله الذي لا إله إلا هو ما أقول هذا نكاية أو إساءة، لا والله، لكنى لا أشهد إلا بما عَلمت. ولا أرى أن الشيخ الشاذليّ قد أعرض عن الحديث عنه إلا استعلاءً وترفّعاً. لكن الحق يجب أن يقال، والبيان واجب، ودفع الصائل الحاسد المتكبر، فرض على القادر عليه، وهذا مما نحن فيه.
حين رأيتُ أنّ الشيخ عبد المجيد قد اجتهد في أمر على غير ما أحسبه صحيحاً، في موضوع مساندة الإخوان، جادلته شخصياً أولاً ثم كتابة ثانياً، لم أتورع عن ذلك، لكن، أعطيت الرجل مقامه الذي أنزله الله إياه بين العلماء وعند من يفهم ويعقل. ولقد رَدَدّت على كثيرٍ من أصحاب المقالات الفاسدة، مثل سليم العوا، ومحمد عمارة، والغنوشيّ، والترابيّ، وعابد الجابريّ، فبينت فساد أقوالهم فيما زعموا في الوسطية المحدثة، والمواطنة الخادعة، وتحريف الأصول وتضييع الفروع، بالدليل والحجة المُدونة المقيدة. ثم رددت على بعض زلات الشيخ القرضاوى، كما بينت خطل ربيع المدخليّ، في مطولات تُحاجّ عن نفسها. بل تناولت الرجل نفسه باللوم والتقريع على ما أظهره من حسدٍ وشنآن على الشيخ حازم أبو اسماعيل، بمقال طويلٍ زَيّفتُ فيه أقواله قولاً قولاً. فما له يتحدث عن مثل عبد المجيد الشاذلي، في دقائق معدودات، يثبت فيها غير المطلوب، ويأتي بدليل على غير المقصود، تلبيساً وتدليساً؟
متى يترفّع هؤلاء عن مثل هذه الأفعال، فيعرفوا أنّ السمعة ليست دليلاً على صحة الرؤية، وأنّ الكِبر لا يرفع هامة قصيرة، وأن الحسد يأكل القلب ويَسلُب السُّمعة.