فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      الدستور ..بين الشَرعية الإسلامية والشرعية التوافقية

      الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      لا أدرى والله ما الذي يتحدث عنه المتحدثون، من نواب وقضاة "دستوريين"، وشخصياتٍ عامة، عن صعوبة كتابة الدستور، والمحنة التي تمر بها البلاد والعباد، في صعوبة إختيار اللجنة التأسيسية لكتابة الدستور، والنسب المقترحة لممثليها، وما إلى ذلك من مشكلات يرونها مستعصيات؟ أجدّ ما يقول هؤلاء أن إنهم هازلون؟ ما الصعوبة في كتابة الدستور، وفي إختيار ممثلي اللجنة التأسيسية؟

      هؤلاء المتحدثون المتفيقهون، يدورون حول المسألة الأساس التي تقف عائقاً في سبيل كتابة الدستور القادم، لا يريدون أن يفصحوا عنها، أو أن يسموها بإسمها، كالعادة. فتجدهم يذكرون "مخاوف القوى السياسية من بعضها"، "ضرورة أن يمثل الدستور كافة طوائف الشعب"، "ضرورة أن لا تستأثر الأغلبية بكتابة الدستور"، "ضرورة إعتماد دستورٍ توافقيّ".. ومثل هذه التعبيرات التي لا تعدو المحاورة والمداورة، التي يطلقُ عليها في الشرع "المداهنة"، و"النفاق"، وما يستخرج منهما من مصطلحات.

      الدستور إما أن يكون "إسلامياً"، أو أن يكون "توافيقياً، اي ليس بإسلاميّ، لا خيارٌ ثالث بينهما. فما الحيرة إذن؟

      العلمانيون الذين يؤمنون بأن الشريعة لا محل لها في التطبيق في مصر الحديثة، يريدون أن يكون الدستور "توافقياً"، وهو ما يعنى أمرين على وجه التحديد، أن تكون المرجعية العامة في الدستور "للشعب"، وللقوانين الوضعية أيا كان مصدرها، وثانيها أن تشمل تفاصيل الأحكام التي تينى على المرجعية الدستورية الوضعية، بعض ما أتى به دين الله سبحانه، في بعض المسائل، ثم يكون المرجع الرئيس للقوانين الوضعية، يختار منها "فقهاء القانون الدستوري" ما يحلو لهم، مما يرونه بعقولهم أصح وأصلح للأمة.

      والإسلاميون، المخلصون منهم، لا الليبراليون المتواطئون مع النظام، المُستعدون لبيع دينهم مقابل كراسي البرلمان، لا يرون إلا أن يكون المرجع الأساس والوحيد هو لشرع الله وحده، إجمالاً وتفصيلاً، دون توسطٍ ولا مماحكة.

      وهذا الخياران، كالخطين المتوازيين، لا يلتقيان. لابدّ أن يلتوى أحدهما ليلتقي بالآخر، ولا سبيل إلا بذلك الإلتواء والتنازل وغض الطرف، والتساهل في دين الله.

      الفرق بين الخيارين، أن الأول، العلماني التوافقيّ ، يقبل الشراكة، بل هو مبنيّ عليها، من حيث أنه يضع الله والإنسان في مقامٍ واحدٍ، يستهدى كلاهما في مرجعية الحياة والقوانين، فهو خيارٌ شركيّ بطبيعته.

      أما الخيار الثاني، فإنه لا يسمح بهذا القدر من الشرك والتوافق مع أي من الوَضعيات البشرية، فإما الطاعة الخالصة التامة العامة، في كلّ مجالات الحياة، أو لا سمع ولا طاعة، بل شرك وإلحاد. هكذا دون مواربة. وكلّ من دعا لغير هذا الخيار، فقد أشرك بالله شرك العبادة والطاعة، وخَرَج من التوحيد، وإن إدّعى غير ذلك، وحَمَل إسماً يتسَمّى به المُسلمون في بلادهم.

      إذن، ما الصعوبة في هذا الأمر؟ إما إسلام وتوحيد، أو شَرك وكفر، ولا ثَالث لهما.

      تلك القضايا التي يثيرها العلمانيون المَلاحدة، ويريدون أن يخفوا وراءها الوجه الكالح الشركيّ لخيارهم، كمسألة القبط، والمواطنة، وغير ذلك من السّخافات التي لا تَخرُج عن دخانٌ في هواء، لا حقيقة له، عند التحاكم إلى الشريعة، إذ إن هذه الموضوعات محسومة في الشرع، وقضية القبط هي قضية المواطنة بعينها، ولكنّ هؤلاء يريدون تمييع القَضايا، وإظهارها بأكبر من حجمها، والقبط كانوا ولا زالوا يعيشون تحت الحكم الإسلاميّ لما يقرب من خمسة عشر قرناً، فما الجَديد اليوم، إلا نظير جيد (شنودة)، ونجيب ساويرس؟

      ثم، العجب العجاب، أن بعض المنتسبين إلى العمل الإسلاميّ، يحاولوا أنْ "يتوافقوا" مع العلمانيين، ويصرحوا بأنّ الدستور يجب أن يكون "توافقياً"! ولا أحد يفهم على وجه الدقة ما يعنى هذا الكلام؟ ماذا يقصد "إسلاميّ" بأن يكون الدستور "توافقيّا"؟ أيعنى الأخذ بالخيار الأول، فيتنازل عن كلّ الشريعة أو بعضها؟ هذا يرفع عنه صِفة الإسلامية، بل صفة الإسلام إبتداءً. أم هو تمويه وتضليل، فكيف يستقيم هذا مع السائد من مفهوم التوافقية؟ ولماذا التمويه والتضليل، ونحن يفترض أننا نحكم بالديمقراطية التي أساسها حكم الأغلبية، فماذا يعنى هذا الحوار عن نسب التمثيل في وضع الدستور؟ ثم، إن هؤلاء العلمانيين يجب أن يعاملوا بما هم عليه شَرعاً، وهو الشِّرك بالله، شِرك الطَاعة والعِبادة، فلم نتَحاور مع هؤلاء أصلاً، لا لشئ إلا لأنّ العسكر علمانيون، لا يريدون للشرع أن يعلوا، كما أن عدداً من أصحاب الأفواه الكبيرة الصَاخبة، والنفوذ الإعلاميّ يتصارخون بالعلمانية ليلاّ ونهارً؟

      الأمر في غاية السّهولة واليُسر، لمن أطاع الله ورسوله، ووَثق بالله ورسوله، ولم يقدم بين يدي الله ورسوله، سواءً تحت اسم السياسة أو الحنكة أو الخبرة، أو ما شئت من مصطلحات خدّاعات لا صلة لها بدين. الأمر إنه إما إسلامٌ أو شِرْك. هكذا كان الأمر قبلاً، وهكذا هو اليوم، وهكذا سيظل إلى يوم الدين. لا لقاء بين الإسلام والكفر. قد يتعايش الإسلام والكفر، تحت مبدأ "لا إكراه في الدين"، لكن لا مرجعية إلا للإسلام، ولا طاعة إلا لأحكامه.

      على هذا نواصل أونفاصل. وعلى هذا نوافق أو نفارق. وعلى هذا نوالى أو نعادى. وعلى هذا نُدَبّر ونُقرر. لا على أي شئ آخر. وندع السياسة، يغرق في أوحالها، وشرك وسائلها من أراد أن يلاقى الله، مسودّ الوجه، عديم التَعِلّة.