فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      د. جَمال حشمت .. والرّاية البيضاء!

      الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      الدكتور جمال حشمت أحد الأسماء اللامعة في سماء الإخوان، منذ ثلاثة عقود، بعد أن تحول إليها من عضوية منظمة الشباب الناصرية في السبعينيات. وهو حالياً من أعضاء مجلس الشعب، بعد أن انتخب من قبل، وأزاحه مصطفى الفقى عميل النظام المُباركيّ. وقد وصلتنى إحدى الرسائل التي كتبها الدكتور حشمت، ونشرها موقع علامات أونلاين وهي رسالة خفيفة في معناها ومبناها، لكن أردت أن أعلق عليها من حيث أنها تدل على الإتجاه الإخوانيّ كَكل. http://alamatonline.net/l3.php?id=241

      وقد اختلط الصواب والخطأ فيما كتب الدكتور حشمت ، وهو ليس مما يعيب أحداً، لكن ما سنأخذه عليه هو المنهج الذي تواطأت عليه الإخوان في الربط بين الأسباب والنتائج، وقواعد الإستدلال التي يترتب عليها الكثير من القرارات.

      أما ما صحّ من كلام الدكتور فهو قوله "كلما مرت الأيام دون خبر جديد أو انجاز جديد كلما شعرنا أن الثورة لم تحقق نتائجها بعد ! وكذلك كلما مرت على حياة المصريين حادثة أو محاولة اغتيال كلما تأكد نجاح الثورة ! وليس هناك فى الحديث تناقض بل الواقع يقول أن استمرار الفاسدين فى مواقعهم وتسارع معدلات الفساد خشية إنهاء خدمتهم أو قرب محاسبتهم يؤكد أنه رغم التأخر فى تحقيق أهداف الثورة إلا أن هناك من يخشى نجاحها ! هناك من يخشى استمرارها ! هناك من يفكر فى مصيره عندما ينكشف دوره فى مقاومة الثورة أو الإضرار بمصر الفترة الماضية ! وكل هذه العلامات  تؤكد نجاح الثورة". هذا القول فيه الكثير من الصِحة ولا شَك، إلا الفقرة الأخيرة منه.

      إن إعتبار هذه الظواهر نجاحاً للثورة، إبعاداً في النجعة، وضرب في عماية. إن نجاح الثورات لا يمكن أن يستدل عليه بهذه السطحية في الإستدلال. فإن لقائل أن يقول، ولماذا لا يكون تسارع صربات الفاسدين، مع حقيقة وُجودهم في مواقعهم لا يبرحون، في كافة مؤسسات الدولة، دليل على قرب القضاء على الثورة، وإنهاء وجودها؟ ما هو دليل تفسيركم على العكس من ذلك؟ إن الإنتقال من ظاهرة إلى نتيجة، لا يُمثّل تسلسلاً صَحيحاً في تناول الأمور وترتيب النتائج. الأصل أن تنبى الأدلة على الحقائق لا على الظواهر.

      الحقيقة أنّ الفاسدين لا يزالون يتحكمون في كافة مَفاصل الدولة. الحقيقة أن العسكرَ لا يزالون مسيطرين على الحُكم، بالكامل. الحقيقة أنّ المادة 28 وُضعت في الدستور لتزوير الإنتخابات. الحقيقة أنّ البرلمان الإخوانيّ لم يتحدّى العسكر، رغم أنه مُمثل الشّعب، وترك المادة كما هي وعمل على قوانين معدلة يأخذها المرشحون "ويشربوا ميتها"، إذ لا جهة قضائية قادرة على النظر فيها. الحقيقة أنّ النائبَ العام، صنعة مبارك، لا يزال يتلاعب بالقضايا، يعرض منها ما يروق له ويترك منها ما لا يَروق للعسكر. الحقيقة أن أحداً إلى اليوم لم يدان في أي حادث قتل منذ أحداث 25 يناير! الحقيقة أنّ الفلول لا يزالون يعملون بكل قواهم لتدمير البلاد، وهم معروفون للعسكر، وللناس. الحقيقة أنّ مُبارك لا يزال في مُنتجعه رغم كلّ تلك التّظاهرات وتقارير الصّحة ومطالبات البرلمان. الحقيقة أن سوزان لا زالت تعمل بكلّ حريتها داخل مصر وخارجها، فهي سيدة الطنطاوى وولية نعمته. الحقيقة أن مصر لم تقدم ورقة واحدة لإستراد الأموال المنهوبة بشهادة الدول المعنية ذاتها. الحقيقة أن البرلمان وُلد خِداجاً فاقداً لكل الصلاحيات المتعلقة بمطالب الثورة الحقيقية، لا يكابر في هذا إلا عميل أو معتوه.

      هذه حقائق على الأرض، بل جزء من الحقائق، لا مُجرد أحاديث إنشائية تتَحكّم فيها العَاطفة وتُوجّهها الظّنون، ولا تنطلى إلا على البسطاء من الناس. وهذه وحدها هي ما ينبغى أن ترتّب عليها النتائج، لا جَزافاً كما فعل الدكتور حشمت.

      ثم يرفع الدكتور حشمت الراية البيضاء في وجه منتقدى سياسة الإخوان فيقول "لذا أرجو أن نتفق على المشترك بيننا وتتوقف المقالات التى تدبج للطعن فى شرعية الإخوان أو تسخر منهم! أملا فى الوجود بشكل فاعل أو التَمكين لحالاتٍ خاصة كارِههٍ للإخوان من التواجد بشكل طبيعى! وعلى كل الأحوال المحاولات التى تتم الآن لتفريغ مصر من عناصر قوتها ! والإصرار على تركها خَرابا أسوأ مما كانت عليه". إذن يطلب الدكتور أن تتوقف مقالات النقد، للإتفاق على المُشترك. ثم يرمى من ينقد الإخوان بأنهم يريدون الظهور، أو يعملون لحساب جهة تريد تشويه الإخوان!! هذه هي الموضوعية عند الدكتور حشمت!

      لكن، يا سعادة الدكتور، حين يكون النقد في أمورٍ فرعية ثانوية، يمكن أن يتجاوز عنه الناقد، أما إن كانت سياسة الإخوان ذاتها هي التي يراها الناقد تحمل مصر وثورتها إلى نهاية سوداء، بتسليمها للعسكر، تحت مسميات وهمية، وصياغة الدستور، وتقنين إنتخاب رئيس الجمهورية، والحصول على وضع خاصٍ لا يُمسّ، فإنه من الصّعب، بل من المُستحيل، بل من الخيانة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم وللأمة، أن يتقبل الناقدون رايتكم البيضاء.

      يا سعادة الدكتور، الفرع لا يعود على أصله بالإبطال، والإجتماع فرعٌ عن سيادة أحكام الشريعة، فإن كان الإجتماع سيؤدى إلى التنازل عنها، أو عن بعضها، فلا شرعية له، بل يكون الإفتراق هنا تحت مفهوم "المفارقة" على الحق، هو الأصل الذي لا يترك.

      السّياسة الإخوانية، تُسهّل وتُمهّد الطّريق لمُخطّط العَسكر أن يُمَرّر. وهذه النتيجة مبنية على خطواتٍ ثابتة، يمكن تتبّعَها، وتحديد معناها، بنسبة صِحّة عالية. إذ بمقتَضى عملية منطقية كالسّبر والتقسيم أو الحصر، يمكن أن يتحدد ما يصلح تفسيراً للوصف، والوصول إلى عِلة الحدث. كذلك، فإن عملية تراكم القرائن، والتي تتوجّه كلها إلى إثبات نظرية ما، تجعلها دليلاً دامغاً على صحة النظرية، كما في علم الحديث، إذ تعدّد الروايات الضَعيفة ترتفع بالحديث إلى درجة الحسن، وتعدّد الروايات الحَسنة ترفعه للصّحة لغيره، وهكذا، في إثبات القواعد الكليّة العَامة، والتغافل عن قَضايا الأعيان المفردة في مواجهة إجتماع القرائن.

      إذن، فإنّ الأمر ليس أمر المشتركات، إن أخلّت بالأصول، وبالهدف من التوحد إبتداءً. ما فائدة أن نترك الناقد الناقم على سياسة الإخوان نقده ونقمته، ليحقق قاعدة مشتركة، ستؤدى بالبلاد إلى الوقوع تحت سيطرة العسكر، بدستورٍ مزور، وبرئاسة مزورة؟ وكيف يكون هذا عاملاً لنجاح الثورة؟ أيكون نجاح الثوة المقصود هنا هو الأغلبية البرلمانية الإخوانية؟ أيظن الدكتور، ومن ورائه الإخوان، ومن ورائهم البسطاء من المشجعين، أن إصلاح مصر هو حصول الإخوان على الأغلبية؟ من زعم هذا؟ وبأيّ منطق يكون، والعَسكر والفَساد والتزوير أعْنف وأشَدّ مما كان؟

      لا يا دكتور حشمت، نأسف لعدم قبول رايتك البيضاء. إننا لا نريد أن نجتمع مع الإخوان على مشتركات بيننا، ولكننا نريد من الإخوان أن يجتمعوا معنا، ومع غيرنا، على مشتركات الشريعة وثوابتها، ومقتضيات الواقع ودروسه. لقد حاول الإخوان أن يكون التغيير في النظام القائم من داخل هذه الأنظمة، ومن خلال البرلمانات، خلال العقود الستة الماضية، فماذا حدث؟ فشلٌ زريعٌ مريعٌ مُخجلٌ. لا نتيجة على الإطلاق. حتّى تحرّكت الجُموع في الشّوارع. جموع لم يحركها الإخوان ببرلماناتهم ولا بسياساتهم، ولا بمشتركاتهم. وهو ما أثبت على وجه القطع واليقين أن طريقتهم خائبة فاشلة، لا يصح أن يتّبعها عاقلٌ. وما نعجب إلا ممن يريد أن يُقنع النّاس اليوم أن الفَساد الموجود اليوم، والذي هو، بشهادة حشمت، أشدّ وأقوى مما كان، يمكن أن يتغير بالبرلمان!!!؟؟؟ فقط لأن الإخوان في البرلمان !!!؟؟؟

      اللهم إهدنا إلى الحق، واجعلنا من أهله، وأبعدنا عن الهوى والتعصب لفئة أو جماعة، إلا جماعة الحق التي تدور مع الشرع حيث دار، بالدليل والبرهان.