فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      محمود سلطان .. ورئاسة

      الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      محمود سلطان، كاتب صحافي عرفته الصحافة المصرية منذ سنواتٍ، ومؤخراً من خلال تحريره لمجلة "المصريون" الإلكترونية التي وقع في ظن الكثيرين أول ظهورها أنها تنتمى للفكر الإسلاميّ، خاصة وقد وقف من ورائها جمال سلطان، الأخ الأصغر والأبرز والأمهر، لمحمود، والذي كانت له عدة كتابات تنتمى للإتجاه الإسلاميّ بشكلٍ عامٍ، كما أصدر دورية المنار الجديد، حظيت بمكانة عند المثقفين، خاصة في السعودية ودول الخليج، ففتحت له أبوابها، ومؤتمراتها، وشخصياتها.

      ولا بدّ أن أقرر هنا أن الأخوين سلطان هما من ذوى الشخصيات التي تُجبر من يقترب منها على محبتها، على غفلة منه. ففيهما من الهدوء والأدب والدماثة ما يجعلك تفتقد الجلوس اليهما، والحديث معهما.

      وقد تلقيت عددا من الرسائل التي تساءلت عن حقيقة "المصريون" وإتجاه كتّابها، خاصّة وأن علاقتى بجمال علاقة قديمة تسبق إنشاء "المصريون"، إلا أن هذا موضع حديث آخر إن شاء الله. ولست أتهم هنا الأستاذ محمود سلطان، ولا أخاه، بأي منقصةٍ أو عيب، حاشا لله، لكن أريد أن أسجل ما أراه في مقالٍ ظهر للأستاذ محمود، يعكس رؤياه السياسية والشرعية، وقد سئلت أن أفعل، ففعلت.

      وقد كان الأستاذ محمود سلطان يوماً، مُرشحا لرئاسة تحرير مجلة أردتُ إنشاءها باسم "الرسالة"، عام 2005، قبيل إعتقال ابنى شريف، حين بدأت أرى الخلل الإسلاميّ الذي بدأ يتكشّف في "المصريون"، لا من الناحية الصحفية الحرفية، ولكن من ناحية التوجه الإسلاميّ السنيّ، الذي ظننت أنّي أدعمها لحسابه وقتها. حتى تبين لي خطأ هذا الظنّ، حين نشر الأستاذ جمال مقالة عن "على جمعة" المفتى العميل، وضَعه فيها مَحل المجتهد! ثم ما تولته المجلة من تبجيل محمد عمارة ونَشر مفترياته الإعتزالية كما في مقالاته عن حديث الآحاد، بل ورفضها نَشر ما ردَدتُ به عليه، حِرصاً على العلاقة بينهم وبين عِمارة، رغم التحسّس والتدسّس الذي راعيته في مقالي، والمنشور على موقعنا هذا في أكتوبر 2008 (http://www.tariqabdelhaleem.com/new/Artical-327)!! ثم بعدها ذلك الدَعم الذي كان لسليم العوا، وما أدراك ما سليم العوا.. والحديث في هذا الأمر حديثٌ ذو شجون.

      والسبب الذي أدى إلى ظن العديد من الناس أنّ "المصريون"، مجلةٌ إسلامية، هو بالمقام الأول، خلوّ الساحة حينها، في 2006، من أي مجلة ذات توجّه إسلاميّ مُحترفٍ، تشفى غليل القارئ المسلم. فما كان إلّا أن أصبغ عليها الناس هذه الصفة من عند أنفسهم، لإشباع رغبة دينية كامنة، لا أكثر. وليقرا من أحب ما كتبت الصحيفة عن طبيعة نشاطها في ويكيبيديا مبينة (تتبنى الجريدة منهجا معارضا معتدلا، وتحرص على عرض مختلف وجهات النظر ويظهر هذا من خلال استعراض الكتاب الذين يحررون الجريدة، فمنهم ذوي التوجه الإسلامي بمختلف أطيافه: السلفيون والإخوان والوسط والأزهريون وغيرهم، ومنهم الليبراليون، ومنهم الأقباط) فهي صحيفة وفدية الهوى، وطنية، لا إسلامية.http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B5%D8%B1%D9%8A%D9%88%D9%86_(%D8%B5%D8%AD%D9%8A%D9%81%D8%A9)

      المهم، أنه يجب أن ينتبه أبناء التيار الإسلاميّ السنيّ، أن الأستاذ محمود سلطان لم يدعى يوماً أنه كاتبٌ إسلاميّ، أو مفكرٌ إسلاميّ، وهو ليس بهذا ولا بذاك، ولا تسمح خلفيته العلمية الشرعية بهذا الإدّعاء، على أي مستوى. فالخطأ في تقدير الرجل وفهم إتجاهه لا يقع إلا على عاتق من أساء فهمه ابتداءً. وهو أمر يجب أن يحترزَ منه أبناء التيار الإسلاميّ السنيّ، حين ينسبوا أحداً للتيار دون إدعاءٍ منه أصلاً، ثم يحاسبوه على ما صدر منه، فإن في هذا ما فيه من الخَطاً والتحيّف على المُدّعِى والمُدَّعى عليه.

      ومقال الأستاذ محمود سلطان http//:www.almesryoon.com/news.aspx?id=105062، ليس فيه جديد بالنسبة لي، إذ، كما ذَكرتُ، أنّ الرّجل لم يدّعى لنفسه الإسلامية يوماً ما. الأستاذ محمود رجل صحافة وطنيّ مسلم، تشَرّب بثقافة العصر الديموقراطية، فأحبها وتبناها، ولم يسعفه علمه الشرعيّ أن يدرك في غيرها حَلا، ولا في سِواها أملا. وهذا الأمر قَاسمٌ مُشترك بين العديد من الشّخصيات، حتى من ينتمى منها  لإتجاهات محسوبة على التيار الإسلاميّ كالإخوان. وهو ما جعل هذه التيارات، وأمثال الأستاذ محمود، يقفون صَفاً واحداً ضد الشيخ حازم أبو اسماعيل، إذ هو أفضل من يمثل الإسلامية في هذا الوقت، ويحمل ما يحلم به الإسلاميون من آمال، لن تتحقق إلا بالثورة لا بالإنتخاب.

      ذلك أنّ الإنتماء العام لدين الإسلام شئ، والإنتماء إلى التيار الإسلاميّ السُنيّ شئ آخر. من أهم ما يُعرَف به التيار الإسلاميّ السنيّ هو تبنيه للنظرية السياسية الإسلامية، التي لا يمكن أن تُقر أن الشعب مصدر السلطات، أو أنّ هناك مرجعية غير مرجعية الله سبحانه في إستقاء الأحكام. أما أولئك الديموقراطيون، فإنهم قد بنوا على صَرحٍ منهارٍ، ووقفوا على جَرفٍ هارٍ. فالتعبير الذي يستخدمونه دون تحرير، لا يدل إلا على إيمانهم به على الطريقة الغربية. وهذا هو مضمون ما قال الأستاذ محمود نفسه حيث قال "ومصر اليوم تحتاج إلى الرئيس الديموقراطيّ ليس الإسلاميّ"، ففرّق بين الديموقراطيّ والإسلاميّ. ولا أدرى كيف يُنسب رجلٌ يدعو لهذا إلى الإسلامية، لكنه مرة أخرى خطأ من ظن بالرجل هذا الظن السئ!

      فالأستاذ محمود يريد لمصر رئيساً ليس إسلامياً، وهو عين ما تطالب به الإخوان، الذي باتت "المصريون" مؤخراً، بوجه عام، ولسبب ما، تتقرب من فكرهم، بعد أن حاز على الأغلبية البرلمانية، رغم موقفهم المُضادّ لهم من قبل. وقد أشبعنا هذا الإتجاه نقداً، بناءً على أنه لا يَصحّ ولا يجوز أن يدعو مسلم لموالاة ديموقراطيّ، في مسألة الحكم، إذ الديموقراطية تتناقض في أصل وضعها مع الإسلام. ومن لا يعرف ذلك، أو يجادل فيه، فعليه أن يُبادر بالتسجيل في الصفّ الأول الإعدادى مرة أخرى!

      والعَوار البيّنُ في كلام الأستاذ محمود يأتي في الفقرة التي تلت ذلك حيث يقول "لم يعد ثمة جدل أو سؤالٍ عن الهوية .. فكل التيارات السياسية لا يسعها إلا أن تقر بالفحوى الحضاريّ والثقافي للهويّة الوطنية المصرية، وقوامها الأساسيّ هو العروبة والإسلام، هذه باتت حقيقة مسلمة لا تصنعها النصوص المَكتوبة في الدساتير، وإنما محفورة في الصّدور والقلوب والوجدان والضمير الوطني العام، كثوابت أقرتها حقائق التاريخ والجغرافيا.. ". ووالله لا أفهم من هذا الحديث إلا شعارات كالتى يتشدق بها السيد البدوى في حزب الوفد، أو الطنطاوى في بيانات العسكر.

      الإسلام، يا أستاذ محمود، لا يثبت بمجرد أن يكون هوية لمجتمع، وإنما حين يكون تطبيقاً وحياة وواقعاً. الإسلام، يا أستاذ محمود، ليس فحوى حضاريّا، إنما هو واقع معاش يتعامل به الناس في الدولة المُسلمة في حياتهم اليومية، وفي تعاملاتهم المُختلفة، سياسياً وإقتصادياً وإجتماعياً. صحيح أنّ الدساتير لا تصنع الإسلام، ولكنها تكرّسه وتجعله الأعلى في حياة الناس إتفاقاً، فلا يعنى أيّ شئ إن تصارَخنا بأنّ هويتنا إسلامية، ثم إذا دستورنا ينصّ على أن الحكمَ لغير الله في "بعض" جزئيات حياتنا. وإن لم تكن تدرك ذلك، يا أستاذ محمود، فعليك بالقرآن حيث يقول الله سبحانه "وَٱحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَنۢ بَعْضِ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ"المائدة 49. القرآن لا يكفى، يا أستاذ محمود، أن يكون محفوراً في الصدور والضمائر، فهذا مذهب المتصوفة المرجئة، الذين لا يُبالون بالسمع والطاعة العامة، بل يجب، يا أستاذ محمود، أن يكون القرآن محفوراً في الصدور ومدوناً في السطور، وحاكما في كلّ الأمور، هكذا بلا استثناء،. هناك فارقٌ بين حقائق التاريخ والجغرافيا يا أستاذ محمود، التي هي مجرد ثوابت كونية تشهد بالربوبية، يؤمن بها المسلم والكافر، والبرّ والفَاجر، وبين أن يعمل الإنسان بمقتضاها، إقراراً للألوهية التي هي السمع والطاعة الكاملة غير المنقوصة.

      ولا أدرى ما الذي يجعل الأستاذ محمود، ومن جرى مجراه من مناصرى الديموقراطية، لا يرى في الحَاكم المُسلم، أو على الأصح "الإسلاميّ" الذي يتبنّى الشّرعية الإسلامية التطبيقيّة، لا الوجدانية، إلا ديكتاتوراً؟ ولا يرى الحَاكم "الديموقراطيّ" إلا سَمحاً متواضعاً صاحب مَشورة؟ لا أدرى لماذا الظنّ السّيئ بمن يريد أن يجعل الإسلام دنيا ودينا، لا وجداناً وهوية؟ أهذه هى ثِقتكم بالله وبالناس؟ وإن كنتم تشُكون في حسن تصرف الإسلاميّ، فكيف تضْمنون حسن تصّرف الديموقراطيّ؟ أيكون الأمر مرتبطاً بكراهة تطبيق الشريعة، ويكون التمييز هنا بين الإسلاميّ والديموقراطيّ مجرد ظاهر لا أكثر؟ ومن الذي تحدث عن حكم "الفرد" وعن شخصية "أنا الدولة" ، وعن أن الرئيس الإسلاميّ "صاحب المستقبل وحده لا شريك له" كما عبّر الأستاذ؟ أين سمع الأستاذ محمود هذا الكلام من الشيخ حازم أو غيره؟ أم يكون مجرد حلم فخاطر فمقال؟

      لا أريد أن يكون مقالي هذا درساً في التوحيد، أو في التفسير، أو المقارنة بين الديموقراطية والإسلام، وقد كتبت مقالاً تحت عنوان "صرعى الديموقراطية في الوسط الإسلامي" كان موجهاً أساساً إلى الأخ جمال سلطان، يجده القارئ في موقعنا http://www.tariqabdelhaleem.com/new/Artical-419، لكن يجب أن يكون معلوماً أنّ المرء يجب أن يؤاخذ بما قال، لا بما زَعَم عنه غيره. والأستاذ محمود ليس فقيهاً إسلاميا ولا مفكراً إسلامياً ولا كاتباً إسلامياً، بل هو كاتبٌ صَحفيّ وطنيّ مسلمٌ، يتناول موضوعات حساسة في بعض الأحيان، فيضرب فيها ضَرب الصحافيين، بالرأي الشخصيّ لا الشَرعيّ، فيصيب حيناً ويخطأ أكثر الأحيان، لا يزيد الأمر عن ذلك ولا ينقص.

      وفّقنا الله جميعاً لما فيه خير هذه الأمة.