فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      المُجرمون في حقّ مصر .. يدٌ واحدةٌ

      الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      لك الله يا شعب مصر. كم انتُهكت حُرُماتُك؟ كم انتُهبت ثرواتُك؟ كم شَرّد وقتل وسُجن من أبنائِك؟ كم وُطِئَت كرامتك؟ حوّل المجرمون هذا الشعب إلى مُتسولٍ على أبواب الأمم، لا يجد الخبز ولا الوقود ولا الكرامة. لا يشرب ماءاً إلا ملوثا، ولا يأكل طعاما إلا مُسرطناً. تنهش بدنه الأمراض، ويستأثر بعقله الجهل. ليس في حياة أبنائه ما يجعل في مواصلتها أملاً، لا تعليمٌ ولا صحةٌ ولا مالٌ. ماضٍ كئيب، وحاضر مريب، ومستقبل جديب.

      لست متشائماً، فالتشاؤم والتفاؤل أمران مَبنيّان على وَهمٍ نفسيّ، بلا حقائق على الأرض. ولكن هذا الذي نَصِفُ هو واقعُ مصر، التي تَمالأ على شَعِبها الكافرون الظالمون الفاسقون، عقوداً متواليات، ينشرون السموم، ويُهلكون الحَرث والنّسل، وكأنّ بينهم وبين هذا الشَعب ثأر مُبَيّت. لم يكتفوا بما نهبوه، وبما أعاثوا فيه من فقر ومرض، فقضوا على ثورته، وعسكروا المؤسسات، وتحكموا في كافة مفاصل الدولة أشد ما كان على عهد المخلوع. هذه حقائق ثابتة على الأرض لا يستطيع عاقل أن يدفعها، أو أن يدافع عنها.

      المجرمون معروفون، كل المُجرمين، المباشرين وغير المباشرين. الذين ساهموا في أن يصل شعب مصر إلى ما هو فيه.

      المجرمون الرؤوس هم أعضاء النظام العسكريّ الذي بدأ بعهد عبد الناصر، مؤسس الديكتاتورية في المنطقة العربية، وحليف الأسد وصانع القذافيّ، وقاتل سيد قطب، وتطول اللائحة! ثم بعده السادات، عميل أمريكا الأول، الذي خرّب حرب اكتوبر بعد أن أصبح النصر وشيكاً، وصانع معاهدة العار في معسكر داود، بعد اتفاقه مع أسياده الأمريكان، الذين كان يصفهم بأن 99% من أوراق اللعبة في أيديهم (ولم يترك إلا 1% بيد الله!)، والماسونيّ الداعية إلى توحيد الأديان في معبد سيناء! ثم مبارك، عديم الشخصية الأفاق، الذي قضى على ما بقيَ من شعب مصر، وكانت له اليد الطولى في نهب الثروة وقتل الحرث والنسل، لحساب اليهود والنصارى، مقابل ثروة قدرت بسبعين ملياراً من الدولارات. وهذا الأخير فعل ما فعل دون أن تختلج في وجهه التعيس عضلة أو أن تطرف له عين، بل وبلغت به البجاحة أن يعمل على توريث ابنه العزبة التي تركها له السادات!

      هذا النظام العسكريّ، أفرز تلك الجراثيم الطفيلية التي اجتمعت اليوم فيما يسمى المجلس العسكريّ، الذي صنعه مبارك ليحميه، وأغدق عليه 40% من ثروة مصر، يحلبونها لصَالحهم الخاص، بعد أن نَسوا الحَرب والقتال، وأصبحوا تجّاراً سارقين من عَهَرَة النظام.

      ثم المجرمون في ذلك الجِهاز الإرهابيّ الرّهيب، الذي يَسمونه جهاز الأمن، وهم الذين تعتمد عليهم السّلطة الحاكمة والنظام العسكريّ للقمع والقتل والتشريد، سواء الشرطة أو الأمن المركزي أو المباحث العامة، أو أمن الدولة، أو جهاز البلطجية الذي تديره الداخلية سراً. ثم المجرمون المُساعدون، من أنصار هذه الطّبقة الحَاكمة، من وزراء ورجال أعمال وسفراء ورؤساء مجالس إدارة، ونائب عام عميل، تليهم الطبقة الثانية المستفيدة من الفَساد والبؤس الذي يعيشه الشّعب، في كَافّة مَصالح الدّولة.

      ونَود أن نُؤكد هنا أنّ الإستبداد والدِيكتاتورية والفَساد بكافّة كَوادره، لا زالت تعمل اليوم بكامل قوتها، بل أصبحت أشَد شَراسة من قبل، وهو ما ظَهر في أحداث قتلى التحرير ومجلس الوزراء وماسبيرو ومحمد محمود ثم استاد بورسعيد، جَهاراً نَهاراً، والأزمات المُتتالية في الغاز والخبز وارتفاع الأسعار. لم يتبدّل منها شئ، إذ إن العِصابة القائمة عليها لا تزال في أوكارها العسكرية والشرطية تعمل على تخريب البلاد والسيطرة عليها وافساح المجال للفساد للإستمرار والإنتعاش.

      ثم يأتي دور المُجرمين المتمالئين مع هذا الجَهاز الشّيطانيّ الذي يقبَع على صَدر الشّعب المِصريّ البائس. وهؤلاء مشتركون في الجرم أصالة، إذ الساكت على الجرم شريك فيه، فما بالك بالمُتستّر على فاعله، المتواطئ معه، المتعاون عليه. وهؤلاء وإن تلوّنوا وغيّروا جِلدهم، وبدّلوا قُبعاتِهم وعِماماتِهم، فهم مجرمون متآمرون. وقد سنحت الفرصة منذ عامٍ مضى للقضاء على النظام العسكريّ، بلا رجعة، وهو، بلا خلافٍ، أصل البلاء وأسّ الفساد وراعيه. لكن، هؤلاء المجرمين بالتواطئ وقفوا في وجه التحرك الشعبيّ فضَلّلوه، وحرّفوه عن مَسارِه، واستغلوا حاجة أبنائه للتغيير، أيّ تغيير، فقدّموا أنفسهم على أنهم البَديل الشريف، والوحيد، والممكن، بعد أن رسموا خطة العمل مع العسكر في كامب سليمان، وساروا على نهجها، ليتمكنوا من كراسي البرلمان، دون صلاحياتٍ على الإطلاق، وتركوا التّنفيذ في يد ذات النِّظام العَسكريّ الخَائن الفَاسد.

      هؤلاء كلهم هم المجرمون في حق الشعب المصريّ، الذين أرادوا له، ولا يزالوا، أن يَظلّ في قَاعِ الهاوِية، التي هو بالفعل في حَضيضها.

      ولا ندرى أي تغيير قد حدث نتيجة الثورة التي قدّم أكثر من ألفِ مدنيّ حياتهم في سَبيلها؟ لقد أضَاع هؤلاء المُجرمين، على تنوّعهم، أيّ مكاسبٍ لهذه الإنتفاضة الشّعبية، التي كان من المُمكن أن تُزيح الطُغيان بالمرّة، وتأتي بنظامٍ يكفل العدالة الشرعية والأمن والإستقرار، كما أراده الله سبحانه، لا كما تريده أمريكا، التي استبدلت الإخوان بمبارك، واستَغفلت السَّلفية المُزيفة عن دينها، فضَرَبت ثلاثَة عَصافير بحجرٍ واحدٍ.

      وأحب أن أشير هنا إلى نقطة قد تتوه عن فِكر بعض المُخلصين الصَادقين من الشُيوخ الأحباب، وهو أن نقطة الخلاف بيننا، من يدعو إلى نبذ البرلمان لحساب الميدان، وبين من هم قابعون في البرلمان، يتجاهلون ما في الميدان، ليست قضية خلاف فرعيّ يدور حول طريقة أو أسلوب في التغيير، كِلاهما له وجهة شرعية، لكن هو بين من يقبل الإستسلام لنظام العسكر، الذي هو نفسه نظام المخلوع بما يحمل من معايب ومَفاسد وكُفر وعِمالة للصهيو-صليبية ويرضى بأن يكون الدين بعضه لله وبعضه للنظام، وبين من يُريد أنْ يتحرّر من قيود التّبعية والفَساد وأن يكون الدين كله لله وأن تسود الأمانة ومعايير العدل، دون تحايلٍ أو تميع. الفارق في المقاصد ليس في الوسائل، وإن أراد التوافقيون أن يظهروه بغير ذلك، إمعاناً في التمويه. الفارق شاسع بَيّنٌ بين الإتجاهين. ومن الخطأ الفاحش أن يطالب أحدٌ بأن يتقاربا، أو أن لا يختلفا لضمان وحدة الصفّ الإسلامي، إذ هذا نظرٌ غير شرعيّ على الإطلاق، للتباين الشاسع بين المنهجين، منهج الله، ومنهج البدعة والتوافقية.

      وسبيل المجرمين دائماً واحدة، لا تتغير. التّصايح بضرورة الإستقرار، الذي يَعنون به الخضوع لحكمهم والرُّضوخ للأمر الواقع، ينشرون الفوضى والهرج والقتل، ويمنعون السلع، ويُمهّدون للطّغيان بقوانين يتفقون عليها خَلف ظهر الشعب مع مجرمي التواطئ والعِمالة. سبيل المجرمين هى تزيين الباطل، وتبديل كلمات الله، والتلاعب بآياته، كما يفعل الظّالمون من مَشايخ السّلفية المزيفة، ومُدعى الحِكمة من منظومة الإخوان. هذه كانت وستظل دائماً سبيل المجرمين، تدّعى أنها على الحق والرشاد، وأنها ما تريد إلا خيراً بالعباد "مَآ أُرِيكُمْ إِلَّا مَآ أَرَىٰ وَمَآ أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ ٱلرَّشَادِ"غافر29.، وأنها صَاحبة الشَّرعية التي يريد الخارجون أن يَستلبوها بلا حَقّ "قَالَ يَـٰقَوْمِ أَلَيْسَ لِى مُلْكُ مِصْرَ"الزخرف51، وكأن ملك مصر يأتي بالشرعية تلقائياً، لا مع العدل والحق والكرامة.

      وقد تَتشابه الدعوتان، دعوة أهل الحق، ودعوة المُجرمين "وَقَالَ ٱلَّذِىٓ ءَامَنَ يَـٰقَوْمِ ٱتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ ٱلرَّشَادِ"غافر38، كما زعم فرعون من قبل، لكن ذلك هو الإبتلاء، وذلك هو التحدى الذي يواجهه كلّ فردٍ على حدة، سواءً كانت هذه الدعوة باسم الجيش أو الحكومة، أو باسم مؤسسات الدين الرسمية أوالسّلفية أوالإخوان. وانظر يا رعاك الله، كيف يدعى بعض المشايخ من سَحَرة الفراعنة الجدد، فادّعوا أنّهم أصحابُ الشّرعية الدينية، في هيئة الحقوق والإصلاح، وأنّهم العلماء، لا علماء إلا هم. وانظر كيف يلتوى الإخوان بالشَرعية التى مَنحها لهم الشّعب، ليُصبحوا يداً عليه لا على العسكر. هذه كُلها شَرعيات بَاطلة، لا تمثلُ وجه الحق، إلا بقدر ما يتناسبُ فيها مع الشّرع وما تقرّه الفطرة.

      اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وارنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه.