فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      مأزق الحَركة الإسلامية .. ومَشايخها!

      الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      الحَركة الإسلامية، كما ذكَرنا من قبل، في مَأزق خَطير، ومُنعطفٍ حادٍ، في تاريخها الحَديث. ذلك أنّ هذه الحَركة، كانت، في العقود الماضية، تقف في خندقٍ واحدٍ، بكل طوائفها وأطيافها، أمام قوى مُحدّدة ومَعروفة، تتمثّل في النِّظام القائم والحُكومة التي تتعامل باسمه. هذه الأطياف التي كانت، ولازالت، تختلف فيما بينها إختلافاً شديداً حاداً، يصل بين طيف الليبرالية الإخوانية، إلى السُّنية العادلة (لا أقول المعتدلة)، وهما طيفان يقعان على طرفيّ المنظومة المنتسبة للإسلام السنيّ. لكنّ هذه الإختلافات، كانت خافية وراء جدار الخندق الواحد في مواجهة العدو الجاهليّ المشرك، رغم أنّ الطيف الإخوانيّ لم يعتبره عدواً بل شريكاً، من جهة واحدة!

      في أعقاب الثورة المصرية، وإثر تبدل موازين القوى، الذي قلب الأمور رأساً على عقب، في المنظومة الإسلامية، وإن لم يكن له هذا التأثير في الجِهة القابِضة على الحكم، التي قويت قبضتها بعد أن استولى العسكر عليه، وأملوا إرادتهم تحت أوهام برلمانية خداعة وبتمرير قوانين فاصلة في شؤون البرلمان  والرئاسة، حدث أنْ تبَدّل سَاكنى الخندقين، فتحولت طوائف الإخوانية وأدعياء السلفية إلى خندق النظام القائم والحكومة الموالية له، في مواجهة أهل السنة، من أتباع السلف الصالح.

      والمأزق الذي تواجهه الحركة اليوم، وبالأحرى التحدّى الذي يواجهه شيوخها الأفاضل من أهل الحق والصدق والعدل، يأتي من ذلك الموقف الذي طرأ على القوى السياسية خارج الحركة، فاستقطب منها من ضعف واستسلم.، وتركهم في مواجهة نظام الدولة من ناحية، وأولئك الذين كانوا رفاقاً، في ظاهر الأمر، من ناحية أخرى.

      ولعل هذا التحدّى هو الأكبر في تاريخ هذه العصبة التي لا تزال تتمسك بالحقّ، وتعرف مَعالمه سُنَنه وسُبله وضَوابطه، كما تعرف ملامح الباطل وحدوده وحيله.

      وهذا التحدى، سَيمُحّص هذه الفئة كذلك، كما مَحّصَت الثورة العديد من الفئات والحركات والمشايخ، فخاضت بعضها فيما خاضت فيه العلمانية، من ركونٍ إلى الظلمة والبغاة، بل تفوقت على العلمانية بالتآمر معه، وتبعتها أخريات من تلك الحركات، فخاضوا كالذي خاضوا. هذا التحدى سيفرز من هؤلاء المشايخ والقادة درجاتٍ متعددة، حسب قدرة كلٍّ على الثبات على الحق، ثم التحدث به والدعوة اليه، ثم التحذير ممن خالفه وتلاعب به وظاهر عليه، وهي درجات ثلاثة لكلٍ منها دورٌ، ولكلٍ منها ضرورة على الساحة، ثم تتفاوت حسب القدرة الشخصية لكلٍّ منهم.

      وقد رأينا أن بعض هؤلاء المشايخ، وإنْ عارض الفكر الإخوانيّ، بل وصرح بالوقوف ضد هذا الفكر، دعم الإخوان في البرلمان، مثل حازم أبو اسماعيل، والشيخ عبد المجيد الشاذليّ، بارك الله في عمرهما. ثم يختلف الشيخ أبو اسماعيل عن الشيخ الشاذليّ، أن أبو اسماعيل يفخر بالإنتماء إلى الإخوان، وإن عَارض كافة سياساتهم الحالية، بينما لم ينتمى الشيخ الشاذليّ إلى الفكر الإخواني في يوم من الأيام، بل كان دعمه للإخوان، وعزوفه عن التصريح بعِمالتهم وصَفقاتِهم مع العَسكر، من باب إغلاق باب ريحٍ ليس لديه، ولا لدى من تبعه، استعداد كافٍ للوقوف في وجهه. وهو أمر لا يقدر أن يعترض عليه معترضٌ إذ هو يخضع بشكلٍ كاملٍ للتقدير الشخصيّ لكل من يتصدى لقيادة شعبية أياً كانت، وإن كنا نرى أن الصمت عن الدعم كان أولى. بينما كان عُزوف أبو اسماعيل عن التصَدّى بصَراحة للرموز الإخوانية التي خَرجت عن السبيل السويّ، في كافة ما قررته، بل ودعوته لترشيح العريان لرئاسة مجلس الشعب مع الموقف المخزى لهذا الأخير من ترشيحه للرئاسة، بأنّ ذلك سياسة يُقصد بها عدم خسارة أصوات تنتمى إلى الإخوان، يمكن أن تخالف قياداتها في عدم انتخاب الشيخ، على فضله، وهو ما نراه سياسة، كان الصمت عن مدح الإخوان فيها أولى وأضبط.

      ثم رأينا مثل الشيخ رفاعي سرور، بعلمه وفضله، يتحدث بشكل أكثر وضوحاً عن الخلل القائم في السياسات التي اتبعتها الإخوان، وجناية العسكر، وإن تجاوز عن ذكر أسماء بِعينها، وفضّل أن يدعو إلى توحّد التيار الإسلامي، بكافة أطيافه، في وجه المؤامرات الخارجية التي تدفع بالبلاد، خطوة خطوة إلى التقسيم. وهذا، مع إقرارنا بأنّه يجب الحذر منه والتحسب له، لا نرى أن أية قوى خارجية اليوم تمثل أكثر من خمسة بالمائة من حجم الخطر الجاسم على أبواب مصر. الخطر ليس في التقسيم، فهذا لن يكون، تحت أيّ سيناريو مَعقول، لكن، في التحليل النهائي، ما يقوم به العسكر، ومن هم في خَندقه اليوم، من إخوانٍ وسلفيّين، هو الأخطر على مصر وعلى مستقبلها الإسلاميّ والوطنيّ.

      ثم الأخرى أنّ هذه الدعوة، التي ترى أنّ على "التيار الإسلامي" بتعدد طوائفه أن يلتئم ليكسب الجولة القادمة، ليست عملية بأيّ شكلٍ من الأشكال، إذ هذا يَستلزم أن يتحوّل أحد الفريقين، الذي يقبَع اليوم في خَندق العَسكر والحُكومة والنظام السابق، والآخر الذي في خندقٍ مقابل، ليجتمعا في خندق واحدٍ. وهذا لن يحدث إلا بأحد طريقين، أن تُعارضَ الإخوان والسلفيون الحكم العسكريّ، وتتخذ القرارات الصّحيحة في البرلمان، وفي الشّارع، لإزالة هذا النظام العَسكريّ، مثل أن يُعارض القوانين التي أمرّها العسكر دون البرلمان ورغم أنفه، كقانون رئيس الجمهورية وغَيره. أو البَديل، أن يتنازلَ مشايخ السّنة العَادلة عن توجّهاتهم، وينضموا إلى الخندق الآخر، وساعتها، تخلو الساحة، إلا ممن يعصمه الله من هذا الزلل المريع.

      وإئتلاف "التيار الإسلامي"، أمر مطلوب مفروض لا شك، لكنّ المسألة هي في رَسم حدودِ هذا الإئتلاف وبيان ضوابطه، التي لا شكّ تختلف بإختلاف سعة الهوة التي تفصل ايّ من هذه "التيارات" عن السنة العادلة، والظروف الداعية لهذا الإئتلاف، ودرجة الإئتلاف المطلوب بناءً على الأمرين السابقين. وهو ما سنحاول بيانه في مقالٍ آخرٍ بإذن الله. إذا لم نعتبر هذه الضوابط والحدود، ضاعت السُّنة، والقينا بالفقه كله خلف ظهورنا، من أجل توحّدٍ مشبوه لا أساس له.

      كذلك نرى على الساحة، عدد من المشايخ الذين أدوا الحق بدرجاته الثلاثة التي ذكرنا، مثل الشيخ محمد حجازى، والشيخ مجدى كمال، والشيخ سيد حسنى وغيرهم من الأفاضل في الداخل، والشيخ هاني السّباعي والشيخ وجدى غُنيم وأمثالهما في الخارج. وهؤلاء، هم من نظن أنهم في المركز من الحركة الإسلامية اليوم، ومن حولهم الكوكبة التي ذكرنا منها بعض نجومها أعلاه.

      التحدى الذي أشرت اليه في أول المقال يكمن في أنّ الدعوة الي التوحيد الخالص، والتحذير من الشرك بكافة صوره، وعلى رأسها شرك التشريع، كانت هي مدار دعوة أهل الخندق الإسلاميّ الموحد من قبل، لم يشذّ عنها حتى الإخوان والسلفيون. لكنّ الدعوة اليوم، بمستجدات الإنفصام الخَندقيّ بين طوائف التيار، يجعل الدّعوة إلى التوحيد، والتحذير من الشّرك، ليست كافية لبيان الإنحراف القَائم، خاصة وهذا الإنحراف أصبَح يمثله عدد ممن يلبس دِثاراً إسلامياً، بغضّ النظر عن حقيقة عقيدته وسياساته المَبنيّة عليها، بعد تميّز المعسكرين.

      الوضع القائم يَستدعى أنْ تشمل الدعوة إيضاح شرك التشريع، وإيضاح بدعة التوافقية، أو شرك هذه البِدعة في بعض مناطاتها، وأن تنزّل أفعال بعض هؤلاء المتدثرين بلباس الإسلام على معاني الولاء والبراء، وإلا كانت دعوة منقوصَة، وكان دعاتها خائنين لله ولرسوله ولدعوتهم. هذا ما تستدعيه أصول النظر ومقرّرات الفقه، في باب "إختلاف الدلالات"، حيث أنّ دلالة ما قد تكون كافية للإقرار بالإسلام أو لفهمه وشرحه والدعوة اليه، وقد لا تكفي ذات الدلالة في واقعٍ آخر لهذا القدر من الإقرار أو من الشرح والبيان والدعوة. وهذا يعنى أنه لابد من الوضوح والمُباشرة، والبعد عن لعبة السياسة، إذ طرق الدعوة لا تتفق مع السياسة التي تظهر أمراً وتغفل أموراً، قصداً وعمداً.

      هذا ما نقصِد اليه من أن التحدّى الذي يواجِه الدّعوة في المَرحلة القادمة، يمثل تحدٍ للمشايخ والدعاة والقادة، ندعو الله أن يوفقهم إلى الحقّ والصواب، ثم الثبات عليه. وأعاد إلى الحق الآخرين، من ضلّ منهم عنه، إخوان وسلفيون.