فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      منهجُ الدعوةِ والحَركةِ .. في سبيل الإصلاح - 1

      الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      تقدمة

      من أهم السّبل للوصول إلى الحق، فكراً وتطبيقاً، هو أن تكون معالم الطريق اليه واضحة بينة، كلُّ مبدإٍ وقاعدة، كلُّ فكرةٍ وتطبيق، عقدياً وعملياً. وهذا الذي نقول هو ما اصطلح الناس على تسميته بالمنهج. المنهج الذي يصل بالمرء الباحث عن الحق، إلى الصراط السويّ والطريق المستقيم.

      وقد يقول قائل، لكن الأمور العقدية ثابتة لا تَخضَع للمنهج، بل يُخضِع المنهج لها؟ والإجابة عن هذا السؤال تتبين حين نرى ما عليه فرق المسلمين من انحراف عن الحق عقدياً، ثم، من ثمّ، عملياً. صحيح أنّ المنهج يخضع للثوابت الشرعية الثابتة، إلا أن تلك الثوابت تُستَخرج عناصرها، وتوصفّ مفرداتها بناءً على منهج كذلك.

      ولنوَضّح مقصودنا، فإننا نُقرّر أنّ المَنهج الإسلاميّ في النَظَر والإستدلال، له دورتان، الأولى تطبيقية، والثانية إستدلالية. أما عن التطبيقية، فهي التي يأخذ بها العالم والعاميّ، في النظر إلى حَقائق التوحيد، ومُفردات الإيمان، وهي التي تكون مرجعيتها الفطرة السوية والعقل المُكلف والطَبع السّليم، لا غير. وهي التي اتبعها إبراهيم عليه السلام في منهج النظر للوصول إلى حقيقة التوحيد، حيث حكى عنه ربه فقال "فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ ٱلَّيْلُ رَءَا كَوْكَبًۭا ۖ قَالَ هَـٰذَا رَبِّى ۖ فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لَآ أُحِبُّ ٱلْءَافِلِينَ ﴿76﴾ فَلَمَّا رَءَا ٱلْقَمَرَ بَازِغًۭا قَالَ هَـٰذَا رَبِّى ۖ فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِى رَبِّى لَأَكُونَنَّ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلضَّآلِّينَ ﴿77﴾ فَلَمَّا رَءَا ٱلشَّمْسَ بَازِغَةًۭ قَالَ هَـٰذَا رَبِّى هَـٰذَآ أَكْبَرُ ۖ فَلَمَّآ أَفَلَتْ قَالَ يَـٰقَوْمِ إِنِّى بَرِىٓءٌۭ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ﴿78﴾ إِنِّى وَجَّهْتُ وَجْهِىَ لِلَّذِى فَطَرَ ٱلسَّمَـٰوَ‌ٰتِ وَٱلْأَرْضَ حَنِيفًۭا ۖ وَمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ (79)" الأنعام.

      يضع إبراهيم عليه السلام إذن، أساس المنهج النظرى التطبيقيّ، الذي يأخذ بيد المرء إلى برِّ الهِدايَة ورَبْعِ الإيمان. وهو منهجٌ ذاتيّ، تكتمل عناصره بالرسالة التي بها يتم التكليف، لينظُر فيها الناظر، حاملاً بين جُنباته النَظَر الإبراهيميّ، ليصل إلى الحق.

      فإذا بلغ المرء التسليم لله سبحانه، جاء دور المَنهج الإستدلاليّ، ونَظَرَ المُستدل في آيات الله، كتابه وسُنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فتعرّف على المنهج الذي يشكل التركيبة الفكرية للعقل المسلم، والذي من خلالها، يمكن أن يستدل الناظر على مركبات العقيدة ويُنقّيها من البِدع والإنحرافات، وأن يستنبط القواعد والأسس الكليّة العَامة التي يقوم عليها البِناء التشريعيّ، والأطر العَامة التي يمكن أن يتم تقييم الواقع من خلالها. وهذه الأخيرة قد أهملها الأصوليون، فلم يُفردوا لها باباً خاصاً في النظرِ، بل تركوا مهمة العملية العقلية الإنتقالية من النظريّ إلى التطبيقيّ خاضِعة لذاتِ المَعايير التي تَحْكُم المَنهج النَظريّ بشكلٍ كبيرٍ. وهو ما سنحاول أن نفرد له باباً في منهجنا هذا إن شاء الله تعالى.

      ومن الطبيعي أن نقرّر أنّ هذا المنهجَ يعتمد على فهم القرون الثلاثة الأولى، الصّحابة، وتابعيهم، وتابعي تابعيهم. وهذا الفهم، يدّعيه كلّ أحدٍ منتسبٍ للإسلام، لذلك وجب أن نحرّر هذا الفهم مما قد يُلصقه به متلصّصون متدسّسون. وسيكون هذا بإذن الله مبنياً على مصادر أهل السنة والجماعة المُعتمَدين خلال القرون السالفة، إلى يوم الناس هذا. ذلك أنّ التيار السُنيّ المبارك، ومن انتسب اليه من أهل السّنة، لم يتوقف عن الوجود لحظة، ولم ينقطع تدفقه خلال الزمن، بل ولن يتوقف حتى تقوم الساعة، كما شهد بهذا سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم في حديث المغيرة رضى الله عنه "لَنْ يَزَالَ قَوْمٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى النَّاسِ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ". البخاري ومسلم. فمَهما أقام المُعاندون من سدودٍ يريدون أن يوقفوا تدفق هذا التيار، فلن يفلحوا، مهما حاولوا، إذ هو هادرٌ وافرٌ مسترسلٌ، لا يعوقه عائق "يُرِيدُونَ أَن يُطْفِـُٔوا۟ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوَ‌ٰهِهِمْ وَيَأْبَى ٱللَّهُ إِلَّآ أَن يُتِمَّ نُورَهُۥ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَـٰفِرُونَ" التوبة 32.

      فإلى منهجنا نتقدم بفضلٍ من الله، وبعون منه إن شاء تعالى.