الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
ليس بيننا وبين أحدٌ في ذلك الكيان البَرلمانيّ عَداءٌ شخصيّ، أو صراعٌ على إرثٍ أو متاعٍ، أو نزاعٌ على أرضٍ أو نَسب. إنما أمرنا وأمره مثل ما بين المسلم والمسلم، فيما يجب عليه من أمرٌ بمعروفٍ ونهى عن منكر، بالقول واللسان.
مشكلتنا مع هذا البرلمان، ليست مع حوائط المبنى ودهاليزه، بل مع نُوابه وممثلى الشعب، الذين إختارهم ليمثلوه في الكِيان التشريعيّ المِصريّ، يكونون ضميره وصوته، ويسيرون في الطريق التشريعي الذي ارتضوه.
مشكلتنا مع هذا البرلمان هي إنّه لا يقوم بذاك الدور الذي انتخبه الناس ليقوم به نيابة عنهم. فبغَضّ النظر عن شرعية الشكل البرلمانيّ ذاته، إذ كما ذكرنا من قبل، هي آلية قد تصح وقد تُستبدل في ظِل دولة "لا إله إلا الله"، نجد أن هذا الكيان اليوم، وبعد عدة أسابيع فقط من انتخابه، يثبت ما كنا نحذّر منه، أنه مولودٌ خِداجٌ، مقلّم الأظفار، مَهيض الجناح، مُجرد صوتٍ وصداه، ولسانٌ بلا شِفاه، جسدٌ بلا أعصاب، وكفّ بلا أنامل.
لقد عَرف نُوابه، من قبل أن ينتخبهم الناس أي دورٍ هم قد تعاقَدوا عليه، مع المَجلس الحَاكم، تبعاً لما أسموه الإعلان الدستورىّ، ذلك الذي توافقوا عليه بديلاً للقرآن. فقد رَسم مجلس الخونة العسكريّ خيوطهم بدقة ومهارة، ليكونَ هذا المَجلس المنتخب "بشَفافية"، معدوم السُلطات، لا يمكن أن ينجز إلا ما يسمح له به مجلس الخونة. وهي صفقة ارتضتها قيادات حزب الإخوان، الذي له شعبية أكبر بين الناس، أن تكون الإنتخابات نزيهة، تضمن لهم الوصول إلى البرلمان، على أن يتركوا الرئاسة والدستور، لإختيار مجلس الخونة العسكري، وأن يقبلوا بدورٍ صوريّ في الحياة التشريعية، والتضحية باليد العليا على السلطة التنفيذية، مقابل الوصول للمقاعد.
ويجب هنا أن نفرّق بين نواب الإخوان، وبين نواب السلفيين. فالإخوان قد عقدوا صفقة البرلمان مع العسكر، أما السلفيون فقد استفادوا من الشفافية التي سادت الإنتخابات، بعد أن تأكد مجلس العسكر أنه أحكم الخطام حول أعناق النواب، وترك لهم مساحة ضئيلة في التحرك، وإلا جذب الخطام، وسحب اللجام. وعرف العَسكر سلفاً أنّ السلفيين مستأنسون بطبيعة الحال، إذ هم يؤمنون بطاعة الحاكم، فاسقاً كان أو كافراً، وقد كانت علاقتهم بأمن الدولة من قبل ليست سراً، بل افتخر بها مُقدَمهُم، محمد حسان، في تسجيل حديثٍ له، بَيّن فيه كيف كانت صلته بضباط أمن الدولة منذ أيام الجامعة، ثم كيف أنّ أمن الدولة هم أحبابه وإخوانه، إلى يومنا هذا، وأنهم يعرفون مصالح الناس وطُرق السياسة ما يدعونا إلى اتّبَاعهم والثقة فيهم. ولهذا تجدنا في نقد البرلمان ونوابه، لا نعير كبير إهتمامٍ بالسلفيين، إذ ليس لهم دورٌ، لا في الطحين ولا في الثور!
هذا الوضع، قد أنشأ لنا هذا الكيان التشريعي، المستقل صورة، التابع حقيقة لمجلس العسكر. وقد ظهر هذا في أول تجربة لصدامٍ بين نوابه وبين الحكومة، بعد مذبحة بور سعيد، حيث تنادى النواب بكلمات كبيرة، لم تتمخض إلا عن موقفٍ ذليلٍ مهينٍ، حيث طلبوا سحب الثقة بالحكومة، ثم بالوزير، ثم هيكلة الوزارة، فلم يعر أحدٌ من الحكومة سمعاً لهذا التصايح الفارغ. بل انتهى الأمر إلى لجنة، تتبعها لجنة، تتلوها لجنة! كالمعهود في كافة برلمانات الحكم الديكتاتوري.
أهذا ما أعطى الشعب نوابه الأصوات ليحققوه؟ لقد عرف هؤلاء ما سيكون عليه أمرهم من ضَعفٍ وعَجز قبل أن يُنتخبوا، لكنهم سايروا هذه المَسرحية الهزلية الهزيلة، إلى مداها. فماذا يمكن أن يكون مبرر هذا التصرف؟
- قد يقال في تبرير ذلك إنهم قايسوا المصالح والفاسد، فرأوا أنّ المصلحة في أن يسايروا العسكر، ليسيطروا على مقاعد البرلمان، ثم يكون بعدها ما يكون، وهي المصلحة كما يرونها في مقابل المفسدة التي هي المُواجهة التي لا يعرف أحداً نتيجة لها. وهذا قول الموافقين من الأتباع في غالب الأمر.
- وقد يقال إنهم ينتهجون سياسة نَشأت عن عقيدة راسخة، هي أصلاً لا تقبل مواجهة مهما دلّ الدليل على موقعهم منها. وأن هذه السياسة تؤثر السلامة لأعضاء الجماعة، وقياداتها بصِفة خاصة، وتسعى لأن يكونوا في موقعِ قيادة، أي قيادة، استشرفوا لها عقوداً، قبل أن تهتم بأي عاملٍ آخر.
ولننظر في إحتمال كُلٍ من التفسيرين، فإن الكلام لا يُحمَل هكذا على عَواهنه إلا بنظرٍ وتحليلٍ واستقصاء.
أما عن التفسير الأول، فإنه يخضع لإعتبارين، أن يكون إجتهادهم صحيح أو باطل، فإن كان صحيحاً، وجب أن يكون على سُنة رسول الله، وإن كان باطلاً، فإما أن يكون الخطأ بقصد أو بغير قصد. فإن كان بغير قصدٍ، رجع إلى الإجتهاد الخاطئ، وأن كان بقصد، انتقل بنا إلى القول الثاني.
من ناحية صِحة الإجتهاد بقياس المصالح والمفاسد، فإعتبار هذه المصالح والفاسد يقوم على أسسٍ مُتعارفٍ عليه بين أهل الأصول، لا تخضع لهوى الناظر، وتقرير الأفراد. هو أن تكون المَصلحة حقيقية لا متوهمة، حالية لا آجلة، لا تعارض نصاً، كلية عامة لا تختص بفريقٍ دون فريق، وأن تربو في نتائجها على المفسدة المتوقعة بديلاً عنها.
يرى البصير أنّ الوضع الذي آل اليه البرلمان، وضعٌ مُزرٍ مُهين، يجعل وجوده كعدمِه. والعجب ممن يقول، لازال الوقت مبكراً للحكم عليه! إن الأمر لا يتغير مع الوقت في هذا الشأن إلا للأسوأ. إذ إنّ ما حدث هو تماما ما كان مبارك ونظامه يفعلون، بل وكافة الديكتاتوريات العربية، أن يُصوّروا برلمانات بلا صَلاحيات، يتلاعبون بها على جيتار الديموقراطية، أصواتٌ من أموات! وما هذه البرلمانات إلا لإضفاء الشرعية على النظام القائم لا أكثر ولا أقل. فهل يتعدى هذا البرلمان ما وصفنا؟ إن السبب الأساس فيما فعل العسكر من إجراء هذه الإنتخابات، وعَقْد هذه الصفقة مع الإخوان، أن يتهيأ لهم مجلس تشريعيّ يُصبِغُ الشّرعية على وجودهم كله، وكأنّ خارطة الطريق التي رسمها المجلس العسكري هي ما يريد الشعب. خَارطة طريقٍ تصل بهم إلى مَجلس نوابٍ لا صلاحية له، وحكومة معينة من قبلهم، حتى يتم إنتخاب رئيس علمانيّ كما اشترطوا، وتقييد صلاحياته في الدستور، وتوثيق دورهم في السُلطة والسّيادة والإستقلالية عن الدولة، لحِماية الديموقراطية!
هذا في مُقابل المَصلحة التي افترضوها، وهي دَرء مَفسدةِ المُواجهة. وسبحان الله، لقد جاءت بهم المُواجَهة إلى الصّدارة منذ شُهور قليلة لا ينبغى للذاكرة أن تتخَطّاها! لقد كانت المُواجهة هي المَصلحة الحقيقية، التي إعتبرتها الإخوان والسّلفيون قبل 28 يناير 2011، مفسدة لا قِبَلَ للناس بها. إذن هذه المَصلحة هي مصلحةٌ متوهمة، غير حَقيقية على الإطلاق. المُواجهة هي الأسلوب الوحيد الذي يأتي بالنَتائج، كما رأينا، بأعْيُننا، لا ما أخْبرنا به النّاس. وهي لا تكون إلا بتدفّقِ الشّعب بلا تَراجُعِ فصيلٍ أو تَخلّفِ جَماعة.
ثم، إنّ ما يَجنيه العَسكر نتيجة هذا التوّجّه، واقعٌ حالٌ، يَجنى ثماره اليوم، لا غدا. العَسكر يجنى ثِمار اصْطناع هذا المجلس الأبتر في إكمال خَارطة طّريقه، وفي تثبيت أركان فَساده وكفره. فأين ما يقال عن الإنتظار وإفساح الوقت؟ وكيف يكون هذا متلائماً مع شروط المصلحة المناسب إعتبارها أو المفسدة المناسب إلغاؤها، من أن تكون آنية حقيقية عامة؟
ثم إن الطَرَف الذي استفاد هم الإخوان، لا غَيرهم، وجَماعتهم لا غيرها. إذ قد شَرحنا أنّ الأمّة لم تَكسِب من هذا التوجّه شيئاً، إلا خطرٌ وشيك قائمٌ حالٌ، دائمُ الأثر، هو تدوين دستورٍ علمانيّ، ينصّ على مادة مائِعة لا علاقة لها بتطبيق الشّريعة، بل قد صرّح كبراؤهم بهذا، وهو ما ينقلنا إلى الصّفة الأخيرة في أوصاف المَصلحة المعتبرة، وهى أن لا تُعارضُ نصّاً.
الأمر الذي يجب أن ينتبه له المُتحدثون في هذا الشَأن، أنّ النصّ يمنع من المُشاركة في هذه الهيئة أصلاً، لقيامها على أساسٌ علمانيّ، رغم ما يموّه به أصحاب المصلحة في هذا البرلمان من أنّ أعضاءه مسلمون. فدين الأفراد لا علاقة له بما تعاقدوا عليه من أن يكون التشريع "توافقيٌّ". ولا يعترض أحدٌ بأن التوافق هنا توافقٌ سياسيّ، بل هو توافقٌ عقديّ بحت، لأمرين، أولهما أنّ الدين والسياسة لا ينفصلان في الإسلام، فلا معنى لهذا الإحتجاج أصلاً، وثانيهما، أنّ حقيقته الشراكة بين شرائع الإسلام، التي يكفر المسلم بالتحاكم لغيرها، وبين عقيدة العلمانية التي تُملى الإحتكام إلى ما عدا شرع الإسلام. التوافق إذن هو شركٌ بين نظامين، وخلطٌ بين عقيدتين، الإسلام والعلمانية. ولا يعنينا من يقول أن العلمانية لا تتعارض مع الإسلام، أو أن العلمانيّ يمكن أن يكون مسلماً، وأنه لا يصح تكفير من ينطق بالشهادتين من المؤمنين بالعلمانية، فإن هذا خبلٌ وبدعة وخروج عن أصول التوحيد، ومداراة للباطل ونشر للإلحاد. فالله سبحانه يقول "إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ"يوسف 40، "وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ وَٱحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَنۢ بَعْضِ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا۟ فَٱعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ " المائدة 49، "أَفَحُكْمَ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ حُكْمًۭا لِّقَوْمٍۢ يُوقِنُونَ" المائدة 50، وتوحيد العبادة يقوم على منتهى الطاعة والتسليم لمن خَلَق وأمَر "أَلَا لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلْأَمْرُ"الأعراف 54، بينما العلمانية ترى أن الدين ليس له دخل في معايش الناس وأحوال إجتماعهم، وأن التشريع لله ولغيره. هذه هي حقيقة اللادينية العلمانية، دون فلسفات وترهات، وهذا هو مدار الخلاف بين الإسلام والعمانية اللادينية. فالنصّ إذن يَحرّم - تحريم كفر - أن يتفق جمعٌ من المسلمين على مثل هذا "التوافق" الشركيّ، وأن يتخذوه مرجعية لهيئات تشريعهم. هذا هو مقتضى الإسلام الذي عرفناه بقلوبنا قبل أن تدركه عقولنا. وهذا هو مضمون الشهادتين التي تلفظ بهما نبض قلوبنا قبل أن يتحرك بهما لساننا، مهما تمحّك المُبطلون، وتصايح المُتآمرون، وبدّل المتأولون.
يحملنا هذا التحليل، المبنيّ على حقائق الشرع ودقائق الأصول، أن نلجأ إذن إلى السبب الثاني، وهو أنّ الآخذين بهذا التوجه، ينتهجون سياسة نَشأت عن عقيدة راسخة، هي أصلاً لا تقبل مواجهة مهما دلّ الدليل على موقعهم منها. وأن هذه السياسة تؤثر السلامة لأعضاء الجماعة، وقياداتها بصِفة خاصة، وتسعى لأن يكونوا في موقعِ قيادة، أي قيادة، استشرفوا له عقوداً، قبل أن تهتم بأي عاملٍ آخر.
والدليلُ علي ذلك يقينيّ مشحون بالأسى والحسرة. فالإخوان، إلى جانب عقيدتهم الإرجائية المشوبة بالصوفية الأشعرية، ترضى بذلك الخَلط العَقدي، ولا ترى فيه مجاوزة أو مجازفة. وليس هذا تقريرٌ جزافيّ، بل هو مدوّن في عمدة فكرهم "دعاة لا قضاة"، وعلى المتحدث في هذا الأمر أن يرهق نفسه برهة، ليقرأ ما ذهبوا اليه من إيغالٍ في الإرجاء، بل أشرفوا، فيما ساقوه من أدلة، على أن يستتاب مُستدلُهم، كما قال إمام محدثي الأمة في عصرنا أحمد شاكر، وأخاه علامة الأمة محمود شاكر.
ثم يحملنا على هذا التفسير كلّ ما تردّد عن كُبرائهم، مما لم نضَعه في أفواههم، بل خرج منها تطوّعاً، عن مقام الشريعة في منظومة التشريع الدستورى كما يَرونه، ثم ما سال منهم من تصريحات بشأن التفصيلات التي تؤكد هذا الوضع التشريعيّ، في أمور السياحة والإلزام التشريعيّ، ووضع المرأة ووضع الأقليات، بل وصل إلى عقيدة الأقليات التي أنكر رئيس حزبهم أنها عقية تثليثٍ، رغم أنّهم أنفسهم لا يقولون هذا عن أنفسهم! مما جعلهم أقرب كثيراً إلى دين الليبرالية منهم إلى دين الإسلام.
ولله درّ سيد قطب رحمه الله في تفسيره لآية الإسراء 73، مما ينطبق على ما يفعل هؤلاء مطابقة السنن الكونية للأحداث، يقول رحمه الله"هذه المحاولات التي عصم الله منها رسوله هي محاولات أصحاب السلطان مع أصحاب الدعوات دائما محاولة إغرائهم لينحرفوا ولو قليلا عن استقامة الدعوة وصلابتها ويرضوا بالحلول الوسط التي يغزونهم بها في مقابل مغانم كثيرة ومن حملة الدعوات من يفتن بهذا عن دعوته لأنه يرى الأمر هينا فأصحاب السلطان لا يطلبون إليه أن يترك دعوته كلية إنما هم يطلبون تعديلات طفيفة ليلتقي الطرفان في منتصف الطريق وقد يدخل الشيطان على حامل الدعوة من هذه الثغرة فيتصور أن خير الدعوة في كسب أصحاب السلطان إليها ولو بالتنازل عن جانب منها ولكن الانحراف الطفيف في أول الطريق ينتهي إلى الانحراف الكامل في نهاية الطريق"ج4، ص2245، طبعة 8 دار الشروق. إن استسلام الإخوان لمُحاولات العَسكر لا تعدوا ما حَذّر الله سبحانه منه نبيه صلى الله عليه وسلم، وإن فعلها من فعلها باسم المصلحة، فإن المصلحة هي ما قرره الله سبحانه، لا ما قررته أحلامهم، أنْ التَزِموا بخطة الله سبحانه، لا بخطة طريق العسكر.
وقد كانت ممارسات الإخوان خلال العقود السابقة كلها، مبنية على النفعية واهتبال الفرصة والبراجماتية المغرقة في المادية، دون الإعتناء بأي دليل شرعيّ، على أي مستوى من المستويات، إلا ما كان من قول أحد مُفتيهم يوماً، وأحسبه عبد الرحمن البر، الذي أفتى في عام 2010 بأن عدم المشاركة في الإنتخابات "تولى يوم الزحف"، بينما أمسك عن الإفتاء إبّان الثورة بأن الإعراض عنها هو عين "التولى يوم الزحف" حقيقة لا كناية، بل أفتوا بأنهم لا يؤيدون الخروج على مبارك، بل أنّ ما قدّمه عمر سليمان من مقترحاتٍ قبيل "تخلي" مبارك، جيد ورائع! وبالطبع كان هذا بداية صفقة "كامب سليمان" التي تمت بعد هذا الحديث بعدة أيام، وهو ما تملّص منه خيرت الشاطر في يونيو 2011 بأن "أرجع جلوس الإخوان مع عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية السابق إلي أنه ليس من باب القناعة بالنظام ولكن للوصول لأهداف في مصلحة الوطن" الدستور. هذه هي مصلحة الوطن التي وقّع عليها هؤلاء مع المجلس العسكريّ، هذا البرلمان العَليل الكَليل، ثم الوقوف في وجه أي محاولة للإنتفاض ضد جسد الفساد، بل وحمايته بمليشياتٍ تلعَب دور الأمن المركزي!
هذا ما نأخذ على البرلمان الحاليّ، شرعاً وعقلاً. ضعفٌ وعجز. تسليمٌ واستسلام. تنازلٌ وتراجع. قد عرفوا ما أتوا من قبل أن يأتيهم، وأصابوا أنفسهم وبلادهم بهذا الوباء عن قصدٍ وعَمد، لا غفلة أو نسياناً أو إكراهاً.
هذا ما لم يتعاقد عليه الشعب حين انتخب ممثليه في تلك الهيئة. لا كمسلمين يسعون إلى تطبيق أحكام الشريعة حقيقة لا تلاعباً، ولا كمواطنين يَسعون إلى قطع دابر الفساد العسكريّ، الذي أطاحوا برأسه، ثم بقي جَسده يعمل بعد أن أنبت تسعة عشر رأساً.
لهذا فَقَدَ هؤلاء شَرعيتهم، وفقدوا ثقة الشعب في وقت قياسيّ، لم يسبقهم اليه حتى مجلس فتحى سرور، بعد أن ظهر سعد الكتاتني، فتحى سرور 2012 "المُعَدّل".