الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
شتانٌ بين ما يراد بمصر، وما يراد لها. اجتمعت قوى الشر كلها لتخطيط ما يراد بها، من فوضى وتخريبٍ وانهيار. واجتمعت قوى الخير كلها تريد لها التحرر والتقدم والعدالة، وبكلمة جامعة، الإسلام، كما أنزله الله على نبيه صلى الله عليه وسلم.
اللاعبون ضد مصير مصر، وضد شعبها وضد مصالحها، هم نفسهم من تلاعب ببلادنا منذ ستين عاماً، العَسكر، لا غيرهم. ونحن إذ نحصر ذلك الخراب والتخريب في العسكر، فإننا نذكّر أن مبارك والعادليّ وطواقمَهما من العَسكر لا يزالا، هم والطنطاوى وعَنان وشلة المجرمين من حولهم، يدٌ واحدة على مصر.
هؤلاء القتلة السفاحون، الذين باعوا البلاد، ونهبوا ثرواتها وسَجَنوا شرفاءها، هم من لا يزال يتآمر على أمنها واستقرارها وحريتها وثورتها، ما بين أولئك القابعين في منتدى طرة والمستشفى الدوليّ، وما بين القابعين في وزارة الدفاع، على مائدة مجلس العسكر.
التآمر مستمر، تحت شعار، نحن أو الفوضى. الذي أطلقه المخلوع عشية خلعه. والتي لا نزال نشاهد مصداقها كلّ يومٍ، وعلى كل ساحة، في كل أنحاء مصر، بعمل منه وعصابته، وبتفويضٍ من العسكر، ودعم الداخلية.
لكن قد يقال، وما هي مصلحة العسكر في نشر الفوضى والفساد والدمار، إلا تشويه صورته؟ والحق أنّ هذه الفوضى هي الأمثل لمجرمي العسكر، إذ تطيل أمد سيطرتهم على الحكم، وتخيف البسطاء من الناس من أن يطالب بتركهم للسلطة، وتمكنهم من صَرف انتباه الناس عن موضع الدستور، والرئاسة، فيمرّروا ما يريدون دون حرج، ولو ظاهرٍ. ثم، قبل هذا كله، هم يدينون بالولاء للمخلوع، فلابد أن يفعلوا ما بالوسع لإنقاذه من أية تطوراتٍ قد يأتي بها من هم من غير المتواطئين معهم في البرلمان، ولو حرقت مصر بكاملها.
أما عن هذه الأزمة الحالية التي يقال إنها نشبت بين العسكر وبين الأمريكان، فتفسيرها أنّ أمريكا، قد وجدت بالفعل حلفاءها الجدد في الإخوان، ولم يعد الموالون للمخلوع، من عسكر أو غيرهم، يقدم أية مصلحة لسياساتهم، بل من المصلحة أن يظهروا أنهم داعمين للحرية والديموقراطية ومؤسساتها. كما أنّ العسكر يريد أن يثبت للإدارة الأمريكية أنهم لا يزالون هم من يدير دفة الأمور في مصر. فهى أزمة مفتعلة أولاً وأخيراً.
وإلى جانب العسكر، تقف القوى المُتواطئة، التي رفعت علم الإستسلام، منذ اللحظة الأولى، وهي القوة التي تدخل تحت جناح جماعة الإخوان، ممثلاً في مكتب إرشادها.
وهذه القوى، قد تبنت سياسة مهادنة النظم طوال تاريخها الحديث، بعد الخمسينيات على الأقل. وما كان ابتلاؤها طوال هذه الفترة إلا امتداداً لما حدث من خروجها على مقتضى اتفاقها مع عبد الناصر، فشرّد بهم يومها، ثم أصبحت عادة من حكم من بعده، أن يضرب الإخوان، يخيف بهم غيرهم، لا أكثر ولا أقل، لا لمقاومة منهم لأي حكم على الأرض.
والظاهر أنهم اعتقدوا أن عدم مطاوعة العسكر، كان هو سبب محنتهم مع عبد الناصر، لا أنه ابتلاء من الله سبحانه، فاستكانوا وانبطحوا بالكامل، حين لوّح لهم عمر اسماعيل، أن هذه فرصتكم التي لن تتكرر، ثم ما كان ما كان من صفقة "كامب سليمان".
كل هؤلاء أرادوا بمصر شراً مَاحقاً، وضرراً مُردياً، إما مباشرة كما أراد بها العسكر، أو تهاوناً وتواطئا كما أراد بها الإخوان، مهما حاول المتواطئون أن يزينوا فعلهم وأن ينسبوا أنفسهم إلى الحكمة والتريث والتثبت. وقد رأينا تريث الإخوان وحكمتهم على مدى ستة عقودٍ فشلوا فيها فشلاً تاماً في أن يقتلعوا الطغاة، ثم اقتلعت الثورة رأس الحية في ثمانية عشر يوماً، ثم إذا بهم يقولون "نحن اليوم في البرلمان، فلا داعي للثورة بعد" وهم يعلمون أنه برلمان صورىّ لا قيمة له على وجه الإطلاق واليقين، لكنها الصفقة، لعن الله من أبرمها.
أمّا ما يراد لمصر من خيرٍ وعَدل، فهو تصوّر ومنهج وعقيدة، يتبنّاها من تمسّك بكلام الله سبحانه، ورأى أنّ النصر لا يكون بغير ثمنه، وأن ما غير الأمور في مصر لم يكن برلماناً، بل رجالاً وثورة، وأن الصفقة مع الشيطان لن تُدخل أطرافها الجنة. وأنّ الله لم ولن يصلح عمل المفسدين، وأن ما بُنى على الباطل فهو باطل، وأنّ الله مَوْلى الذين آمنوا، وأن الكافرين الفاسقين أعداء الدين لا مولى لهم، وأنّ الثقة بالله عُنصر النصر ومفتاح الأمان، لا الثقة بالناس ولا بالأمريكان، وأنّ الحكمة في إتباع الشّرع لا التبرى والخجل منه والإستِخفاء به، وأن السّياسة لا تَحكُم الشَرع، بل الشَرع يَحكُمُها ويوجّهها.
هذاغيضٌ من فيض ما يؤمن به من أراد بمصر خيراً. ولا طريق إلى الخير والأمان إلا بهذا الطريق، لا بغيره. وهؤلاء الخيّرون الصَامدون المُجاهدون، منتشرين في ربوع مصر، أكثرهم لا ينتمى لجماعة، ولم تلوّثه حزبية. فهم مادةُ الحركة الإسلامية الوليدة، التي ستتمخّض عنها هذه الأحداث الجارية في مصر.
يراد بنا أن نتحير ونتساءل
أتراني، وقد طويت حياتي في مِراسٍ، لم أبلغ اليوم رُشدى
لكننا مصر تردّد، دائماً وأبداً
إننى حرة كسرت قيودى رغم أنف العدا قطّعت قَيــــدى