فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      التكسب من الدعوة فتنة هذا الزمان

      كتب الحوار: أسامة الهتيمي

      د.طارق عبد الحليم داعية مصري ولد بحي الجامع الإسماعيلي بالقاهرة عام 1948 توجه إلى بريطانيا عام 1985 للحصول على درجة الماجستير والدكتوراه ثم توجه وعائلته إلى كندا حيث استقر بها مهاجرا ليستكمل فيها رحلته الدعوية التي بدأت إبان الستينيات بعد أن تفجر صراع مرير بين العلمانية والصحوة الإسلامية في الحقبة الناصرية.

      وعلى الرغم من أنني لم ألتق الرجل ولو لمرة واحدة إذ هو في كندا ونحن في مصر وعلى الرغم من أنها ليست المرة الأولى التي أحاوره فيها إلا أنني استشعر بين الحين والآخر برغبة ملحة في أن أتوجه له ببعض الأسئلة فللرجل ثقافة موسوعية وتجربة تضفي قدرا كبيرا من الموضوعية على آراءه وأفكاره فإليكم هذا الحوار ..

      *فضيلة الدكتور طارق أنتم تقيمون بشكل شبه دائم في كندا منذ ثمانينات القرن الماضي لهذا فإننا نود في البداية أن تلقوا لنا الضوء على أحوال المسلمين هناك؟

      السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..أما عن أحوال المسلمين في كندا، فلا شك أن المسلمين في كندا، مثلهم مثل غيرهم من الأقليّات، يمثلون الأطياف الإسلامية كلهان فمنهم المسلمون ومنهم الإسلاميون، منهم من ضاع في خضم الحياة الغربية ونسي إسلامه، ومنهم من عرف الإسلام هنا وتشبث به، من هؤلاء من عرف الإسلام توحيدا وعبادة ومنهم من عرفه صوفية وإنشاداً. من المسلمين من عنده القوة المادية وينقصه العلم اللازم للعمل أو العزيمة عليه أو كلاهما، ومنهم من ليس لديه المال فطحنته الدوامة الحياتية اليومية، فاقتصر على أقل القليل من العبادات أو تركها كليّه، منهم من اهتم بأبنائه فوفر لهم الإنتساب إلى مدرسة إسلامية رغم تكلفتها المادية، ومنهم من ألحق أبناءه بمدارس الحكومة اللادينية، إما رغبة في التوفير أو عدم قدرة على السداد، ومن ثم المخاطرة بدينهم. ثم غالبهم من أصبح يخشي الكلام في الدين، وفقد الثقة فيمن حوله بعد الأحداث الأخيرة التي ربطت كندا بغيرها من الدول الغربية التي اتخذت حكوماتها قرار الحرب على الإسلام علانية منذ أحداث سبتمبر 11، وما تبعه من قضية "الإرهاب" التي رسمتها ونفذتها المخابرات الكندية عام 2006، واتهم فيها 18 مسلما، ولا يزال مسجون على حسابها 11 منهم.هم شريحة من المجتمع الإسلاميّ الكبير.

      *يعرف الجميع موقفكم الرافض للدعوات المتكررة لما يسمى بـ "التقريب بين السنة والشيعة" لكنكم لم تطرحوا في الوقت ذاته آلية للتعاطي معهم خاصة وأن الأمة الإسلامية بعمومها تتعرض لهجمة شرسة من قوى الهيمة؟

      الأمر يا أخي ليس أمر رفض دعوات، ولكنه التاريخ يفرض نفسه على أهل السنة، وعبرته لا يغفل عنها إلا جاهل أو مغرض، والتاريخ علمنا عن الرافضة انهم لا ايمان لهم ولا عهد، ولن نر منهم من بدأ أية دعوات للتقريب، ولم يتخذوا اية خطوات حقيقية للتقريب المزعوم، وهم على ما هم عليه طوال القرون الثلاثة عشر الأخيرة، صحيح أن منهم من هم أقل شرا من غيره، ومنهم وخاصة من عربهم من قد يريد السلام مع من حوله من أهل السنة، إلا أن هؤلاء لا حول لهم ولا قوة، أما عن التعامل معهم، فإن ذلك يتوقف على مستوى التعامل، فالحكومات في التعامل بينها أمر لا قول لنا فيه ولا فعل، والمصالح التي تحكم طرق التعامل بين الحكومات ليس بينها البعد الديني على الإطلاق، أما التعامل بين الأفراد والجماعات، فهو أمر آخر، فالجماعات أو الأفراد الذين يمثلون جماعات، عليهم أن يكونوا على أشد الحذر من االرافضة ودعواتهم المزعومة، التي تتوجه فقط لمن يرون أنهم سينتفعون به في نشر خرافاتهم وأباطيلهم، والآلية التي يجب أن يتبناها أهل السنة، أفرادهم وجماعاتهم، أن يعتمدوا عدم الثقة أولا في التعامل مع أي من الرافضة، ثم أن يعرضوا ما يسمعون على كتاب الله وسنة رسوله المعتمدة عند أئمة أهل السنة ومن خلال كتبهم المعتمدة كالبخاري ومسلم، وكتب الفقه والعقيدة المعروفة، ثم بعدها يكون التعامل على حذر ولا بأس به إن اعتمدت هذه الآليات بشكل جاد وحاد .

      *كان للشيخ محمود شلتوت رحمه الله فتوى تجيز التعبد على المذهب الجعفري.. هل ترون ثمة مشكلة فيما يخص هذا الأمر أم أن هناك ارتباطًا بين الفقه والعقيدة؟

      الفقه لا شك يرتبط بالعقيدة بشكل تام، وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن العمل بفقه محدد في الصلاة أو غيرها يعتمد على المصدر الذي تأتي منه تفاصيل المعاملة أو العبادة الإسلامية، فإن نحينا الصحابة من سلاسل الحديث التي نأخذ عنها فقه المسائل، بسبب العقيدة التي تكفّرهم والعياذ بالله، فإن الفقه سيتبدل ويتغير، فالفقه فيما أرى مرتبط مع العقيدة بأكمل وجه ولست مع الرأي القائل بتجويز العبادة على أي من المذاهب الرافضية، إلا أن يكون هناك اشتراك بينها في المصدر مع مذهب من مذاهب السنة، وهنا يكون إتباع مذهب السنة هو الأصل مع الإتفاق مع الجعفرية، وأقرب مثال على ذلك مذهب الظاهرية الذي يعتبر عند الوفاق ولا يعتمد عند الخلاف، مع التأكيد على أفضلية ابي داود وابن جزم على كافة من ينتسب إلى بدعة الرافضة.

      *مع انتشار الفضائيات الدنية وكثافة البرامج الدعوية بدأ البعض يردد أن الكثيرين من العاملين في مجال الدعوة يتخذونها وسيلة للتكسب .. ما رأيكم في هذا الكلام؟

      هذه فتنة من فتن هذا الزمان، الشهرة والمال الذي يأتي من طريق استغلال الكلمة في الإسلام والحديث عنه، ولاشك أن دعاة الفضائيات هم الأقل علماً وإطلاعاً وقراءة ومعرفة بحدود الإسلام وتفاصيله، وأمر أن تظهر الداعية على القناة لبيان أمر أو توجيه رأي، وأمر آخر أن تكون هذه مهنته التي يتخذها مصدرا لرزقه ورزق عياله، فهو ساعتها يصبح "داهية" وليس "داعية"

      *في ظل اللغط الشديد الواقع بسبب تعدد جهات الفتوى وتصدر الكثيرون من غير المؤهلين لها تحاول بعض الحكومات إستصدار قوانين لتجريم الفتوى وضرورة حمل المفتي لرخصة الإفتاء .. ما رأيكم؟

      لا شك أن للفتوى شروط يجب أن تتحقق فيمن يتصدى لها كما قررته علماء أمتنا من السلف الصالح وتجد الكثير من الفوائد حول هذا الموضوع في كتاب إعلام الموقعين للإمام بن القيم، وكذلك هي منتشرة في باب الإجتهاد والتقليد من كتب الأصول، ولكن هذا أمر وما تدعيه هذه الحكومات العلمانية أمر آخر، هي كلمة حق أريد بها باطل، وعلى كل حال فإنه يجب على الدعاة أو الخطباء أن يميزوا بين مقام العالم ومقام الداعية أو الخطيب، ومن المضحك المبكي هنا في الغرب هو ما تعوده عوام المسلمين من إسباغ لقب "الإمام" بكل ما تحمل من جلال وعلم، على كل من يؤم الصلاة أو يخطب الجمعة والأضحك الأبكى هو أن هؤلاء قد صدقوا ما هم فيه من "إمامة" وراحوا يفتون الناس من واقع اللقب لا من واقع العلم، وهي فتنة نعيشها في الغرب على كل حال.

      *في هذا الإطار ما هي المعايير التي يجب أن تتوفر فيمن يتصدرون للفتوى في ظل الحديث المتزايد على ضرورة أن يكون من حاملي الشهادات الجامعية المتخصصة؟

      أخي، مناط الإفتاء هو العلم لا الشهادة، فإن تحقق العلم اللازم للإفتاء مع التقوى والتجرد لله فلا بأس ولاشك أن الشهادات الجامعية تسبغ شرعية على المتعلم إلا إنها لا تولّد فقيها أو مفتيا، كما أنها درجات فشهادة البكالوريوس في أي علم لا تؤهل حاملها لأي شيء إلا وضعه على بداية الطريق والدكتوراه تجعله متخصصا في موضوع ما ولكن دعنا نكن صرحاء، السيد سابق أو أبو زهرة رحمة الله عليهما لم يكونا علماء بسبب الدكتوراه بل بسبب البحث والتقصى وشاهده الإنتاج العلمي لا الشهادات ولا ننسى أن بن تيمية وبن القيم وبن حجر لم يتخرجا من جامعة رسمية كما نعرفها، ففي رأئ الخاص أن الأمر يتعلق بإنتاج الشخص العلميّ كما هو متعارف عليه في كافة فروع العلم الأخرى، لا مجرد الشهادات، وما فائدة دكتوراه لم يَخرج صاحبها بما يفيد ويظهر علمه بما يجب على المفتي العلم به من علم باللغة والتاريخ والأصول والحديث والتفسير والفِرَق.

      نقلاً عن الموقع الرسمي لجريدة بر مصر