الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
حين نتحدّث عن التيّار السّني، أو بإسم التيارِ السُّنيّ، فإننا نقصد ذلك التيار الإسلاميّ الذي يتبَنى منهج السَلف الصالح، في كافة دقائقه، عقدياً وعملياً، نصاً وإجتهاداً، دون إنحراف أو إبتداعٍ أو تغيير أو تقديمِ مُتأخّرٍ، أو تَأخير مُتقدِّم، إلا بدليلٍ من الشرع، يدعمه نص أو إجتهاد صحيح مبنيّ على مُعطيات الشريعة.
هذا بإختصار ما يمثل التيار السُنيّ، لإنقاذ مصر، وإنقاذ الأمة، لو مَكّن الله من ذلك.
وهو أمرٌ والله ليس بعويصٍ أو مستحيلٍ أو خياليّ. بل قد سارَ عليه أئمة الإسلام، على إختلافهم في الفروع الفقهية، لا الأصول العقدية، أو القواعد العامة الكُلية، مدى أربعة عشر قَرناً من الزمان. وقد عرفنا من هذا الخطّ المبارك تفاصيل هذا المنهج الإلهي، وتَطبيقاته، منذ جيل الصّحابة رضى الله عنهم، ومن تبعهم بإحسان، متمسكين بالحق، غير هيّابين ممن يفترى عليه، أو يبدله أو يغيره، غير مبالين بمن يهدد ويتوعد، وينكّل ويشرّد، غير مبدلين لكلمات الله مهما تصوّر الناس أن في هذا "حسن سياسة" وفقه واقع.
الغَرض من "التيار"، أيّ "تيار"، أن يجمَع الناس على هدف واحد، تحت مظلة واحدة، لا كيانات فيها، ولا تمَحْورَ ولا تحَزّب. فإن هدف إنقاذ مصر، وإعادتها إلى حظيرة الإسلام، دولة وشعباً، لا يحتمل إختلافاً بين من يَدعى السُّنية، ويتبنى مَنهج السّلف رضوان الله عليهم. ومن هنا، فإننا، كتيارٍ سنيّ لا نقبل أحزاباً ولا تكتلات، بل دعاة مخلصين متجردين لله، لا لزعامات متعددة، وكأفراد محبين لدين الله على نهج نبيه صلى الله عليه وسلم.
التيار السني، لا يريد أن يكون جامعة دولٍ عربية أخرى، تكرس الخلاف بين منتميها، ولا ترفعه.
ونحن نعلم أنّ هذا أمرٌ صعبٌ على النفوس، خاصة من أنشأ لنفسه كياناً، وتزَعّمه، وبذل فيه جهداً. لذلك السبب، أعرضنا عن أصحاب الكيانات، إلا أن يتواضعوا لله، ويدخلوا في تيارٍ واحد، يَصْهر كلّ خِلافاتهم، ويذيب كلّ فروقاتهم، إلا ما كان منها من قبيل الخلاف المشروع.
ومن هنا كذلك حَرصنا على أن نَبنى تيّارنا على وضُوحٍ تامٍ لا غَبَشَ فيه، وأن يكون فيه الولاء والبَراء مُحدّداً لا مُساومة عليه، فمن شارك وافق، ومن خالف فارق. كذلك، حرِصنا على أن يكون كلامنا مُنضبِطا بالشّرع والأصول، محكوماً بالنص والدليل، لا بمعطيات الرأي وموهمات النظر.
ودعنا نستلهم المسألة العَقدية الفقهية، التي تتناول بحث "كيف يدخل الكافر في الإسلام"؟ لعلنا نرى فيها هدياً إلى ما نقصد هنا. إذ قرر العلماء أن ثبوت الإسلام يَخْضَعُ لِما أسموه "إختلاف الدلالة"، ذلك بالنطق بالشهادتين، أو أكثر أو أقل منهما، لإثبات الإسلام، والمراد هو أنه لابد أنّ يراعى في الحُكم أن يظهر من "الداخل في الإسلام" الخروج عمّا هو مُضاد لجُزئية ضَرورية مُعينة بالذات، لا المُوافقه على كلّ ما عَداها. فإذا حملنا هذا النهج في النظر، مع إثبات الفارق بين الصورتين، رأينا أنّه لا يكفى أنْ يُثبت كِياناً ما يتفق فيه مع الآخرين، بل أن يثبت أنه لا يخالف فيما هو من لوازم المرحلة الحالية ومقتضيات عبور الأزمة فيها، ومفارقته لضَبابيات الشِرك وغبش البدع.
وكلّ الإتجاهات، وكل التيارات، تبدأ ديباجتها بنفس الدعاوى والتوجّهات، التي تؤكد على أهمية الإلتزام بالإسلام، والسُّنة وتطبيق الشريعة، إلا الإخوان، الذين انخلعوا من هذا بالكامل. ومن ثمّ أصبح الأمر، في هذه التكتلات كلها ينحصر في أنه، إما إنهم صادقون في دعواهم، فلا نرى إذن معنى لبقاء تلك التكتلات منفصلة، أو منضمة بأفرادها تحت اسم دون مضمون. أو أن يكون هناك بينها خلافات حقيقية معلومة لديها كلها، وهو أمر يستدعى إذن أنْ يكشِف كلّ طَرفٍ عن حقيقة رؤيته، ويتم النقاش حولها، حتى يتم الإجتماع وينتهى التفرق. والثالثة الأخيرة، أن يكون للهوى دورٌ أساسيّ في الإبقاء على هذه التكتلات، وهو ما نتركه بينهم وبين الله سبحانه.
أمّا نحن، وتيارنا، فإنه واضح وضوح الشمس في رائعة النهار. فإننا نُثبت أن مِنهجنا يسير على سُنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسنة الصحابة، ومنهج السلف الصالح، على كريقة أئمة السنة طوال مسيرة الدعوة المباركة طوال أربعة عشر قرناً، ثم إثبات أنّ الحكومات المُتتالية، التي تَحكم بغير ما أنزل الله، إنما هي حُكومات كافرة، وأن الدستور الذي لا يصرح بأن الكتاب والسنة هو المرجع الوحيد للمسلمين في بلادهم، مرفوض مردود، وأنّ هذا القدر لا يختلف عليه موحدان. ثم، أن يُثبت الكيان/الإتجاه/ التيار، أنّ آليات الحكم، من برلمان ورئاسة وغيرها، هي تالية لهذا القدر من الإعلان، وأنه لا يصحّ الإنخراط فيها، والتميّع في أروقتها ودهاليزها، إلا بعد تَصفية التوحيد، وهو ما لن يتم من خلال أروقة برلمانٍ مَبنيّ أصلاً على هذا الباطِل الشركيّ. كيف والأغلبية في هذا البرلمان تتحدث بما قال محمد مرسي من أنّ تطبيق الشريعة هو فقط الرجوع إلى قواعد كلية منصوص عليها في كلّ ملة (محمد مرسى)! كيف وإختيار الرئيس مُحدّدٌ في من توجّهُه علمانيّ بحت، لا إسلاميّ (محمد بديع)! كيف، وهم في التفصيل، يقولون أنّهم يشجعون السياحة ولو أتي السياح عرايا (سعد الحسينيّ) وأن قطع يد السارق ليس من الشريعة الإسلامية (محمد مرسى)، وأنّ الشريعة كلها إلزام أخلاقيّ على الفرد، لا على الجماعة (العريان).
نحن لا يهمنا جلسات البرلمان، ولا يهمنا استجواب الحكومة، فكلها خيالات واهمة بُنيت على باطل أصليّ. ونظم الحكم في مصر لا زال تراوح مكانها في غيابات جبّ الشرك، وضلالاته. وما هذا إلا بعمل المجلس العسكريّ، مُؤيداً بالإخوان، الذين باتوا يحمون مجلس الشعب من الشعب، عوضاً عن الأمن المركزيّ! ولله في خلقه شؤون! والأعجب أنّ غالبية الشعب قد انتخبت هؤلاء لرفع كلمة الله، لا ليتبوأ سعد الكتاتنيّ كرسيّ الرئاسة في البرلمان.
من هنا وجب على أي تيار أو تكتّل، أو ما شئت من هذه الأسماء، أن يكون صَريحاً واضحاً في موقفه من هذه المُمارسات، إما رفضاً او قبولاً. وأي تَميّع ومُماحكة في بيان هذا الموقف، هو تلاعبٌ بدين الله، وخداع للناس، وإنحرافٌ عن نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم.
تحديات الحاضر لتيارنا السنيّ، من هذا المنطلق، كبيرة وعسيرة. ذلك أنها تقف على مفترق عدد من الإتجاهات والتكتلات، التي تتراوح بين:
- الخروج عن نهج السنة، عقدياً وعملياً كالإخوان، وتتبَنّى العَمل البَرلمانيّ، كما أخلصَت للعمل فيه طوال عمرها، وإن كان التشريع فيه للشّعب، والسُّلطة للعَسكر.
- العمل بالنهجِ السُنّي ظاهراً في الإعتقاد، كالسلفية، ثم التحاكم إلى غير شرع الله عملياً في ذات البرلمان الذي نبذوه من قبل، وإن تصَارخوا فيه بغير ذلك، لكن هم ملزمون بالعمل في منظومته مهما كلّف الأمر.
- تبنّى نهج السّنة في العمل من خارج البرلمان، على خلاف في مدى الموافقة على ما يجرى تحت قبته، من دعم صريح لها، أو دعم مبطن مع نقد تصريحاتها، أو إعلان عدم الرضا عنها صراحة مع الإنفصال عمن يهاجمها. وهؤلاء يمثلون في مجموعهم قوة لها زخمٌ متواضعٌ، نتيجة عدم وضوح الرؤية والإتفاق فيما بينها، وتفرقها إلى وحدات وكيانات متعددة، تحت أسماء وزعامات مختلفة.
التيار السنيّ، لا يأبه ولا يتمحّك ولا يتحكّك، ولا يمالى ولا يرائي، ولا يتنازل ولا يَتخاذل، مع إعتبار كل الضّوابط الشرعية المُصاحبة للتمسّك بالحق.
نعلم أن العداء لهذا التيار سيكون واضحاً قوياً شَرساً من غالب مُعارضيه، وأنه سيُرمى بالتكفير، والجهادية البدعية، وغير ذلك من كل بَلاء وافتراء. لكن هذا لن يُحيدنا عما نراه حقا لله علينا، بيان توحيده، والتحذير من الشرك به، وتجافي مزالق الديموقراطية الشركية والنظم المخالفة لدين الله.
ونحن نعلم أن الخَوف على النفس، ومراعاة الأمن الشخصيّ، في هذه الظروف التي لا تزال البلاد تُحكم فيها بالطوارئ، وبالقوة العسكرية الغاشمة، هو أمرٌ فطريّ، لكن يبقى الفارقُ هائلاً بين أن يَصمُت الفرد، وبين أن يَدعم برلماناً شِركياً، وإن امتلأ باللحى، أو أن يُبرّر حُكماَ عسكرياً، وما أدرى كيف فات أكابر المُنظّرين وعتاولة الدعاة التفريق بين الأمرين.
التيار السنيّ، كما ندعو له، لا يرى فيما تحقق إلى اليوم، كبير شأن، وإن فَرح به الفَرحون، وتنادى بجلاله المنادون. شرع الله لم يزل مُنحّى إلى الجانب، والمجلس لا يرى غضاضة أن يعلن أنّ التشريع موكول اليه في كافة أمور البلاد، وأنّ الكتاب والسنة ليست هي الحاكمة من فوقهم. حسبنا الله ونعم الوكيل.
وسيظل تيارنا يدعو من رأي الحق حقاً وقرّر إتباعه، وسيظل يكشف باطل من رأي الباطل حقاً، وقرر التمسك به على غير الهدى الإلهي والسنة المحمدية.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين