الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
الظاهر أن كثيرا من الخلط قد تطرق إلى حقيقة ما أقول، وإلى الفهم عنى فيما أدعو اليه. وهذا أمر عاديّ حدث مع كافة من امتطى قلماً للدفاع عن قضية، أو نصر مذهب أو دين. فطبيعة الحوار المكتوب تملى غبشاً في الفهم وضبابية في إيصال المعنى. هذا إلى جانب ما هو مترسبٌ في أذهان البعض من تصوراتٍ عن أشخاص بعينهم، أو إتجاهات بذاتها. ومن هنا وجبت الإعادة، كرة وكرات، حتى لا تتوه الحقائق بين السطور.
نحن لا ندعو إلى عنف أو قتلٍ أو تخريب. نحن لا نرى العنف وسيلة إلى تحقيق ما نريده لهذا البلد المسلم. وقد كان هذا موقف الكاتب منذ أحداث ما قبل السادات، كتبتها ودونتها ورددت على من تبناها من أبناء الجماعة الإسلامية في حينها. لكن هذا لا يعنى أننا نستبدل إثماً بإثم، ديموقراطية بهَرَج وفتن. من قال هذا؟ نحن نرى أنّ الحلّ المشروع في حالتنا هذه هو إستمرار الزخم الشعبيّ الذي أثبت أنه الوسيلة الوحيدة لتحقيق أيّ تغيير حقيقيّ على الأرض، والذي اطّرَحه الإخوان، بعد أن صار البرلمان في أيديهم، بعد أن فشلوا في ثمانين عاماً أن يصلوا اليه إلا بهذا الزخم الشعبيّ.
الفارق بيننا وبين الإخوان هو أن سقف المطلب الشرعيّ لنا أعلى بكثير جداً من سقف مطلبهم الشرعيّ، إن كان لهم مطلب شرعيّ لا مطمح سلطويّ. كما أن الوسيلة التي يتخذونها هي بحدّ ذاتها مخالفة لدين الله بإجماع من عنده علم بدين الإسلام. ونحن إذ نؤمن بأن الله تعبدنا بالوسائل كما تعبدنا بالمقاصد، فإننا نرفض هذه الوسيلة الديموقراطية التي تكرس مُشَرّعاً غير الله سبحانه.
نحن لا نُكفّر مسلماً بذنب اقترفه، أياّ كان هذا الذنب، إلا إن استحله، إلا من وقع في كُفر أكبر لنا فيه من الله بُرهان. أما أنْ يُحِلّ أحدٌ التحاكم إلى غير شريعة الله، أو يدعى أنه يمكن الرجوع الي مبادئها العامة دون أحكامها التفصيلية، أو أن تكون مصدراً اساسياً، وليس وحيداً لتشريع الأمة، فهو خرق لجناب التوحيد، بلا خلافٍ من أئمة العلم، لا أئمة البرلمان، وعليكم الرجوع إلى ما دَوّن العلماء في هذا الباب، وقد أجملتُ الكثير منها في كتاب "فتنة أدعياء السلفية وإنحرافاتهم"، في الباب الرابع منه.
نحن لم نقل بتكفير الإخوان على الإطلاق، لا أفرادا ولا جماعة، بل إننا قررنا، ولا زلنا نقرر حكمهم في الشرع كجماعة، أنهم فرقة بدعية وقعت في بدعة مغلظة. وقد قررنا ذلك في كتابنا "حقيقة الإيمان" تفصيلاً مشفوعاً بالأدلة، كما بيناه في العديد من مقالاتنا مختصراً ومطولاً، فليرجع اليها في موضعها من يشاء. أما عن أفرادها، فيعامل كلّ بما يصدر عنه شخصاً، فالعريان أو مرسى أو بديع، قد صدرت منهم أقوالٌ تدل على عقيدة فيها فسادٌ وإنحرافٌ عن الإسلام، غالباً ما نشأ من صوفية مختلطة بالإرجاء. بينما الشيخ الفاضل وجدى غنيم ليس مثل هؤلاء، ديناً ولا تصوراً، ولا يشينه إلا إصراره على نسبة نفسه إلى هذا التيار البدعيّ.
نحن نفرق بين ثلاثة درجات في جماعة الإخوان، القيادات الإخوانية ذات المصالح وهم من أصّل البدعة، ودعا لها، وأيّدها ونشرها، وأتباع الإخوان، من قياداتهم الوسطى التي تؤمن بمذهبهم وتدعو له بفهم عامٍ مجملٍ دون معرفة بالتفاصيل، وبين منسبيهم ممن لا علم لهم بأية تفاصيل إلا محبتهم لهذه الجماعة وإعتقادهم أنهم على دين صحيح سنيّ. فهذه الطبقة الثالثة لا مشاحة فيها وهم منقادون يجب الرأفة بهم ودعوتهم إلى الحق. أما الطبقتان الثانية والأولى فهؤلاء يجب أن يعاملوا معاملة أهل البدعة بما يليق ببدعتهم، التي يحاول، ويحاول محبيهم على غير الحق أن يصورها سياسة وحنكة وفهم بالواقع، ونسوا أنهم أخفقوا في فهم الواقع وتحقيق أي مكسب فيه إلا ما أتى لهم بغتة من الثورة التي يرفضون إتمامها اليوم بالخلاص من العسكر، بعد أن وصلت طبقتهم الأولى إلى هدفها النهائي بالتربع في البرلمان.
نحن لا نريد بمصر هَرَجاً وقتلاً وتخريباً، فإن ذلك مناقضٌ لمقاصد الشريعة وأحكامها على السواء، بل نريد لها استقراراً يهيئ التقدم والإزدهار، وأن تأخذ بلادنا موقعها الطبيعيّ الذي فقدته بعوامل الخيانة والكفر. لكن الإستقرار الذي ننشده هو استقرار مخالف تمام المخالفة في قواعده وأسسه عن الإستقرار الذي يدعو اليه العسكر، ويعضّده الإخوان، وبقية دُعاة الديموقراطية في مصر، وداعميها، وهم للأسف كثير ممن كفر بها من قبل! الإستقرار الذي ننشده استقرارٌ على منهج الله سبحانه، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، لا استقرار على أسس تشريعية مخلطة، ترسّخ مبادئ الكفر، وتزيّنها في أعين الناس بتلك المُصطلحات الموهِمة كالديموقراطية، وتؤسس لإسلامٍ مُتأكركٍ لا حرام فيه ولا ممنوع، إلا الخروج على الحُكم الجبريّ، سواءً العسكريّ أو الديموقراطي المفروض علي المسلمين.
الأمر هو أمر أولويات يفرضها الشرع على من التزم به، وأمر ثوابت لا يتخطّاها مُسلم، تتوفر لديه القدرة والإرادة. وقد تخطت تلك الجماعات التى تُحسب على الإتجاه الإسلامي هذه الثوابت وتَجاوزت تلك الأولويات، بلا شكّ. لا ينكر ذلك إلا متعصبٍ. وهو حصيلة تصرفات الإخوان والسلفيين البرلمانيين منذ فبراير الماضى، على تفاوتٍ بينهما في درجة العمالة لمجلس العسكر، والولاء للديموقراطية، ما بين الإخوان الذين يتخذونها ديناً، وبين السلفيين الذين لا يعروفون رؤوسهم من أقدامهم في هذا الشأن.
نحن، على العكس من ذلك، نعرف ما يمليه الشرع، وما تُحَتّمُه الأدلة، أولاً بأول. لا تتلاعب بنا عقولنا، ولا تتقاذفنا أمواج الغرب العالية العاتية، لا نتخوف منها، ولا نحسب لها حساباً أكبر مما نحسب لربّ العالمين، لعنة الله على من سوى بينهما.
ولهذا نقف من هؤلاء موقفاً نحتسبه عند الله، غير مبالين بما يقذفنا به القاذفون من دعاوى تكفير وتطرفٍ وعدوان، وعلى من يقول بهذا الدليل، فقد مهدنا أدلتنا بما يزيد ويفيض، وما علينا إلا إقامة الحجة، لا إفهامها، فالفهم أمرٌ يؤتيه الله من يشاء.