فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      نظرةٌ أخرى في إجتهادِ دَعمِ الإخوان!

      الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      كما ذكرت في خطابي المفتوح إلى حبيبنا الشيخ العلامة الشاذليّ، أنّ موقفه من قضية دعم الإخوان، قد حَيّرني وأقضّ مضجعى، مما جعلنى أعيد النظر في جوانبه، عَلّى أجد ما يجيب عن حيرتي في صحة هذا الإجتهاد، أو حتى في فهم توجهه. وهاكم ما رأيت.

      لا شك أن الحركةَ الإسلامية ستمُر في حالة من الضّيق والإختناق في المرحلة القادمة، تحت وطأة ضغط الإخوان على معارضيهم، كما بينا في مقالنا السابق عن "هموم الحركة الإسلامية" حيث قلنا "الظنّ أن الحركة الإسلامية ستكون في وضع لا تُحسد عليه، بل قد تكون أقرب إلى الفترة الناصرية، أقرب منها إلى فترة السادات أو مبارك، من حيث وضع القيود على الدعاة، بالذات من ينتقد الوضع القائم، ولو باللسان".

      هذا التحليل، وهذه الرؤية، ليست تشاؤمية ولا إفتراضية، بل لها شواهد على الأرض بالفعل، كما بيّن الأخ الكاتب عبد الرزاق الجمل في مقاله الذي نشرناه بالأمس. والإخوان بلا أدنى شكٍ عندى، سيكونون عوناً لأجهزة الأمن والمخابرات وأمن الدولة على أصحاب الإتجاه السنيّ، بل أشدّ عوناً من السلفيين في هذا الأمر، لكن سيأتي ذلك التعاون في وقته حين يستقر الشارع المصري، ولا يعود ظهيراً للثائرين بكافة اتجاهاتهم.

      والشاهد هنا، أنه يظهر لي، من تَتَبُع ما قال الشيخ الحبيب الشاذليّ عن وجوب دعم الإخوان تكتيكياً، وعن ضرورة وجود غطاءٍ استراتيجيّ للدعوة لتسير في مجراها في الفترة القادمة، أنه يرى أن تُسالم الدعوة الإخوان في المرحلة القادمة، وأن تجعلهم لا يرون فيها تهديداً صَريحاً لمَصالحهم، ومن ثم يمكن أن تستمر الدعوة إلى الله والتوحيد، دون مغالبة من القابعين على سُدة الحكم.

      هذا ما يظهر لي من وجه الإجتهاد في مسألة دعم الإخوان في الإنتخابات، لتكون يداً بيضاء للسُّنة عليهم، تجعلهم يتركون فسحاً من الوقت والأمن، والتغاضى عن الحركة والدعوة، وبهذا يكون هذا التعضيد من السّنة اليوم لليبراليين الإخوان، تكتيكياً مرحلياً، لا استراتيجياً دائماً. وهو ما يبين تصريحات الشيخ المضادة للإخوان، إذ هو لا يرضى ولا يوافق على سياساتهم ولا عقيدتهم بلا أدنى شك.

      وهذا التفسير، هو أقرب ما يكون لهذا الإجتهاد، لمن عَرَف الشيخ الشاذليّ وعرف علو قامته وهمته ومكانه من التوحيد والولاء والبراء.

      لكن ..

      هل يصح هذا الإجتهاد شرعاً، مع تسلمينا بأن له وجه، وإن رأيناه مرجوحاً؟

      الإجتهاد الشرعي، أيّ إجتهاد شرعي، يخضع في معايير صحته إلى النظر من وجهين، الحكم الشرعيّ المُعَضّد له، ثم القراءة الأصح للواقع المحيط به.

      يتردد النظر دوما، من ناحية الحكم الشرعيّ، بين النصّ والإجتهاد. والنصّ الشرعيّ في هذه المسألة، وهي دعم من هم من أهل البدعة في أًصل كليّ يؤكد عدم حلّه بلا شك. وهذا مستفادٌ من نصوص الولاء والبراء بصفة عامة، والنهي عن البدع وموالاة أهلها بصفة خاصة. أما عن الإجتهاد، فقد يظهر للمرء أن يلجأ إلى المصالح المرسلة، إن رأي العدول عن النصوص الصريحة في هذا الأمر، لكن، كما هو معلوم من الأصول، أنّ اللجوء إلى باب المصالح مرتبطٌ بالواقع الذي يَدفعُ بالمجتهد في هذا الإتجاه.

      فإذا نظرنا إلى واقع حال الإخوان، نجد أنهم وصلوا بالفعل إلى قمة ما يمكن أن يصل اليه نفوذهم، وهو ما يجعلهم أشدّ خطراً على معارضيهم. ثم إن سياسة الإخوان، والتى لا تخفى على أمثال شيخنا الحبيب، تقوم على مبدأ المصلحة والمنفعة المَحضَة، لجماعتهم قبل أي شئ آخر، بما في ذلك دين الله. وهم من أجل ذلك، يتحالفون مع الشيطان للوصول إلى هدفهم، ويتحالفون معه ثانياً للوقوف ضد من يعيقهم أو يهدد مصالحهم. هذا تقريرُ واقعٍ يتحدث عن سياسة مكتب الإرشاد، لا عن تلك الشخصيات الثانوية التي تتناثر هنا وهناك على خريطة القوائم الإخوانية البرلمانية، ممن قد لا يدركون هم أنفسهم خطة القائمين على هذا التجمع الليبراليّ حقيقة، الإسلامي إسماً.

      هل يمكن للإخوان، إن اشتمّوا نقداً حقيقياً قوياً موجهاً هادفاً، هادماً لمنظومتهم، أن يسكتوا عليه، وأن يفسحوا له مجالاً على الأرض، التي هم اليوم مالكون لناصيتها، بزعمهم، وإن كانوا حقيقة لا يزالون عبيداً للعسكر؟ الجواب، لا وألف لا. لا يعمل الإخوان بهذه الطريقة.

      الرؤية الوحيدة التي يمكن أن تؤدى إلى الإجابة بنعم على هذا التساءل، هي الرؤية التي تقوم على أن الوضع القادم ستُحترم فيه الديموقراطية، وأن الإخوان مجبرون على اللعب حسب قواعدها، مع موافقيهم ومع مخالفيهم على السواء. وهذه الرؤية فيها ما فيها من خَلل واضْطراب. أولاً، فإننا نعلم أن لا حقيقة للديموقراطية على الأرض، خَاصّة في بلادنا، وخاصّة في هذه المَرحلة المبكرة من اليقظة، إن سَميناها بذلك، إذ لن يَسمح الإخوان ولا العَسكر، الذين يعملون معهم يداً بيدٍ على أن يظلّوا حاكمين خَلف السِّتار، بأيّ ديموقراطية تهدد وجودهم، هذا لن يكون بحال من الأحوال. ثم متى كنا، نحن أهل السُّنة، نُعَوّل على الديموقراطية في شَئ؟ شَرعاً أو وَضعاً، نحن نؤمن بأنها لا تأتي بخَير مهما قَلبْتها على أوجُهِها. ثم ثانياً، فإن الإخوان لا يحفظون عَهداً إلا لمن يهدد مصالحهم كما حفظوا عهد العسكر، لا تلك التحالفات الوقتية التي لا تبرَح أن تذوب مع تحقق هَدفهم. ثالثا، فإنّه كم من مرة رأينا أنّ تكتيكات العمل إلى جوار أهل البدعة لا تجدى نفعاً إلا المزيد من التنازلات من جانب أهل السنة. ولئن حافظ إمام أهل السنة على موقفه في مواجهة طغيان حكام المعتزلة، بصَدَد أمرٍ يختصّ أصلاً بصفة من الصفات، قد لا يعتنى بها إلا القليل من العلماء، دون تأثير على واقع المجتمع، فما بالك بموقفه من تبنى إسلام متأمرِكٍ إخوانيٍّ، يهدم أصل توحيد العبادة، ويحصر العبادة في المساجد والإلزام الأخلاقيّ؟

      ومن هنا فإنّ دَعمهم لنْ يجدى الحَركة أو الدّعوة نفعاً، في غالب الظَنّ، وهو ما يَبنى عليه الحُكم الشّرعيّ كما هو معلوم. ومن هنا فإن العُدول عن مَسالك النّصوص سواءً الكتاب أو الحديث أو فعل الصحابة وإجماعهم بشأن التعامل مع أهل البدعة أمثال الإخوان، إلى طُرُق المصلحة والمفسدة، هو أمرٌ مرجوحٌ لا يعتدّ به. بل نراه أجدر بنشْر تلك البِدع وتأكيد مشروعيتها لدى العَامة، الذين لا يَعرفون تَحليلاً ولا تأويلاً.

      وأقل ما يقال أنّ العَامة قد أظهروا نبذهم الفِعليّ لجماعة الإخوان، وإحتقارهم لهم، في تجمّعات الثورة الثانية، لا العلمانيين منهم فقط كما يحاول الإخوان أن ينشروا بين الناس، وهو أمرٌ ذو دلالةٍ في غاية العُمق والتعبير عن ضرورة البُعد عن أي تآلف أو تقارب مع هؤلاء، لصالح الدعوة، لا العكس.

      هذا ما أرى عليه إجتهاد دعم الإخوان، فإن كنت محقاً فمِنَ الله، وإن كنت مخطئاً فليعذرَني شيخنا الحبيب، فما أحاول إلا الفهم ما استطعت، حِرْصا على الدعوة وأبنائها.