الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
العلاقة بين الميدان والبرلمان علاقة محورية تجسد الظاهرة الثورية المصرية، حين إجتاحتها الليبرالية المقنعة وراء ثيابٍ إسلامية.
البرلمان لا يمثل ثورة، إنما يجب أن يمثل نهاية ثورة. نواب البرلمان، أياّ كانت انتماءاتهم، ليسوا ثواراً، بل هم أعضاء في نظامٍ يريدون أن يحموه وأن يحافظوا عليه، بحق أو بباطل. تلك مسلماتٌ لا جدال فيها. وما أدل على ذلك إلا ما قال أفضل السلفيين في البرلمان، ممدوح اسماعيل، من أن من سيخرجوا في 25 يناير "حفنة من الصُيّع"! نعم بهذا التعبير.. الثوار الآن أصبحوا حفنة من الصُيّع، بعد أن استوينا على كراسي البرلمان. ونسى هذا الرجل، ونسى غيره أن الثورة جعلتهم يجلسون اليوم في مكانٍ لم يكونوا يَظنون أنّهم قادرون حتى على وطئه بأقدامهم.
الميدان هو الجهة الوحيدة التي يوكل اليها عمل الثورة، وقيادتها، ومسيرتها، ومن الميدان تنبع مشروعية البرلمان لا العكس. من الميدان يجب أن يستمد النواب قوتهم، ويأخذوا أوامرهم وتوجهاتهم، لا من مرشدهم ولا من مشايخهم. هذه هي المأساة التي ولدتها لنا التيارات شبه الإسلامية التي تولت البرلمان اليوم، أن ولاءها لجماعتها، لا لشعبها. محمد بديع خو الرئيس الحقيقي للبرلمان، وبرهاميّ هو الرئيس الحقيقيّ للمعارضة في البرلمان، إن كانت ثمة معارضة حقيقية، لا مجرد صراع بين جماعتين.
والمشكلة تتضاعف حين تكون أغلبية البرلمان، والمُعارضة فيه، ينتميان لجماعتين رفضتا أصلاً مبدأ الثورة، ولم تشاركا في صنعها، مهما حاولوا التمَحّك بها، بعد أن صارت حقيقة واقعة. في هذه الحالة، فإن الثورة قد صُنِعَت في الميدان، من قوم هم خارجين عن شرعية تلك الجماعات، إبتداءً. وهو ما يولد حساسية مستترة ومستمرة، بين أهل الميدان، وبين جماعات البرلمان. فلكلٍ وجهة هو موليها.
العلاقة اليوم بين البرلمان والميدان علاقة فيها شذوذ واضح، وخَلل قائمٌ، من حيث أنّ قيادة هذه الجَماعات، تسير في ظلّ النِظام العسكريّ، لحماية الجماعة وهياكلها. ثم إنّ هؤلاء النواب خاضعون لقيادة هذه الجماعات خضوع الولاء المطلق. فهم إذن خاضعون لسلطة العسكر، ليس للشعب الذي انتخبهم، وإن ظهر غير ذلك لبادئ الرأي. خلل عميقٌ في التركيبة التشريعية، تجعل هؤلاء النواب، يعملون لصالح جماعة من الشعب، لا لصالح الشعب، وهو سيناريو أشبه ما يكون بالحزب الوطنيّ، مهما حاول البعض أن يحتجوا بالفارق بين مكتب الإرشاد، وهيئة السياسات.
الأصل أن لا يخضع برلمانيٌّ إلا لنَبْضِ الشارع، في ظِلّ الهَديّ المُحمدىّ، لا غيره. وهو ما أبى البرلمان أن يُعلنه صريحاً كبندٍ لا يتزعزع، إلا ما كان من بعض أفراده الذين تحايلوا علي وضعهم المُزرىّ بإضافة جملة إلى القسم، تم الإعتراض عليها بالفعل.
إن الصورة التي نراها اليوم، عشية 25 يناير 2012، فيما ظهر من تجمّع الملايين، هي صورة سُقوط البرلمان الحاليّ، وانفصاله عن الشعب، وإكتفائه بمساندة أعضاء جماعته، عِوضاً عن شَعبه، وهو ما يجعله سَاقطاً وإن بقي في كراسي البرلمان، وعلق تصاريح دخول المكان.
يتكرر مشهد برلمان 2005 مرة أخرى، بفارق واحد، هو زيادة عدد كراسي الإخوان، كما تمّ الإتفاق مع العسكر، مع دخول السلفيين من الباب الخلفيّ.
ما يجب أن يعلمه النواب، أنّ إنتخاب الشعب لممثليهم لا علاقة له برضاء الشعب عن سياساتهم الإنتهازية. الشعب إختار لم يكن أمامه إلا ممثلي الإخوان "يتحدثون" باسم الدين والأمانة والنزاهة، لا يتحدثون عن صفقات قياداتهم أو خيانة مرشدهم. هذا الحديث، هو ما صوّت الشعب عليه، لكن تلك السياسات رفضها الشعب وبصق على من يتبناها، وهو ما يظهر واضحاً في الشارع المصريّ اليوم.
البرلمان قد سقط فعلياً، إذ إن نا يدور اليوم في الشارع المصري هو تصويتٌ حقيقيّ على سياسات الإخوان، لا مرشحيهم، والفارق جدّ كبير.
لكن هؤلاء، مثلهم مثل من قبلهم ممن تُصمّ أدنيه، وتُعمى عينيه ويُغشى قلبه، بمجرد أن يمسّ كرسى الحكم، لا يشعرون أنهم بالفعل قد بدؤوا رحلة النهاية، كما بدأها يحي سرور وصفوت الشريف من قبل.
ولله عاقبة الأمور.