فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      هُموم الحَركة الإسلاميّة .. حاضراً ومستقبلاً

      الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      أصبحت سيطرة الإخوان والسلفيين على البرلمان المصري، أمراً لا مجال لتجاهله، إذ هو اليوم واقع قائمٌ، بخيره وشرّه، بميزاته وعيوبه ، بما له وما عليه.

      والسؤالٌ الذي بات يتردّد في عقل الكثير من المخلصين، في أيامنا هذه، بعد أن وَقَرَت هذه الحقيقة على الأرض، أن "ثم ماذا بعد"؟ ما هو مستقبل الحركة الإسلاميّة، في مصر؟ أتستمر هذه الحركة، كتيار ودعوة، ترشد وتبين، وتوضح وتسدد؟ أم إن هذه الحركة قد تضاءلت الحاجة اليها، بعد أن سيطرت "التيارات الإسلامية"، الوافدة من ماضى الدعوة، على حاضر العمل السياسيّ، مما يجعل الداعى إلى مثل هذه الحركة، يتضاءل حتى يتلاشى في غبار الحركة السياسية الملتحفة برداء الإسلام؟

      الجواب عن هذا التساؤل عسير، خاصّة إذا اعتبرنا ماضى هذه التيارات التي بيدها اليوم زمام "بعض الأمر" ، وتوجهاتها التي تظهر من خلال حركتها السالفة والحاضرة، الإسلامية والسياسية. فإنّ العوامل التي تواجه هذه الحركة، ليست بالضرورة في صالحها، ومن ثم فهي ليست أوفر حظاً وأشد يداً مما كانت عليه من قبل، كما قد يظهر لبادئ الرأي.

      ونحن إذ نرصد مستقبل "الحركة"، فإننا نود أن نشير إلى معنى محدّد، وهي أنها "حركة"، أي ضد "السكون". والحركة من طبيعتها التغيير، والسكون من طبيعته الإستمرار. من هذا المنطلق، فإنه يصعب تصور "حركة إسلامية" من أولئك الذين يقبعون تحت قبة برلمانٍ يمثل نظاماً مُخّلطاً، إذ من الطبيعيّ أنهم سَيجْنَحون إلى السكون، وإلى ضرب دعاة "الحركة"، فما لهم في الحركة مصلحة، من أي نوعٍ.

      الظنّ أن الحركة الإسلامية ستكون في وضع لا تُحسد عليه، بل قد تكون أقرب إلى الفترة الناصرية، أقرب منها إلى فترة السادات أو مبارك، من حيث وضع القيود على الدعاة، بالذات من ينتقد الوضع القائم، ولو باللسان.

      يجب أن نحلل أولا موقف جماعة "الإخوان" من منطلق حقيقيّ، لا خداع فيه ولا مواربة. فجماعة الإخوان جماعة سياسية ليبرالية، لها تاريخ إسلاميّ، انحرفت عنه منذ السبعينيات، وهي تسير على النهج الإسلاميّ الليبراليّ، الذي يوافق الإسلام الأمريكيّ ومن ثم يتوافق مع نظرة العسكر للبرلمان الجديد في مصر.

      من هنا، فإن الإخوان لا دخل لها بالحَركة الإسلامية التي نعنيها، ولا دور لها في توجيه الشباب للإسلام السنيّ، فالجماعة هي الحزب السياسيّ، والتفرقة بينهما وهمٌ باردٌ لا مجالَ لإعتباره. وقد كانت الحركة الإخوانية، منذ السبعينيات تسعى إلى الحصول على الحكم أولا وقبل كلّ شئ، وتجمع رصيدها من زَخَم حَركة البنّا القديمة، دون أن تُقدّم أجيالها الجَديدة أية إضافة عِلمية أو شَرعية يُعتدّ بها. وما كان تمسكهم بتقديس رسائل البنا وحِرصِهم على جعلها المصدر الأساس وشبه الأوحد لمُنتَظِميهم، حُباً فيها وتقديراً لها، بل نتيجة إخفاقهم في تقديم بدائل فكرية دعوية، تقوم مقامها، وتتوسّع فيها، ولم يظهر من نشأتهم عالماً واحداً مبرّزاً، يشار اليه بالبنان، بل اكتفوا بنسبة أي عالم أو داعية شهيرٍ بأنه من تربيتهم، ومن عمل حضائنهم، كما زعموا مع سيد قطب ومحمد الغزاليّ رحمهما الله، على بعد ما بين الرجلين!

      فالجماعة، أو الحَركة، من هذا الباب قد فشلت فشلاً ذريعاً، وسيطرة توجهاتها السياسية على عملها بالكامل. فيصح إذن أن نتساءل اليوم، ما هو الهدف من الجماعة، بعد أن وصل محترفوها إلى الحكم؟ أيكون دروها الجديد هو استمرار تغذية الحزب بالقواعد الشعبية لضمان استمرارهم في الحكم، دون إعتبارٍ لنوعية هذه الفئات، كما كانت عليه الحركة من قبل؟ فإن صحّ أن هذا هو الدافع اليوم، فأي مستقبلٍ لمثل هذه الدعوة في التوجيه لدين الله، ورصد الإنحراف والخلل في تطبيق منهجه وتصوراته ووسائله؟ إن كان بيدهم "بعض الأمر"، فكيف سيرضون بمن يقوّمهم ديناً وشرعاً؟ وهم اليوم يتخذون خط الديموقراطية الغربية اللاإسلامية، ويسترضون العسكر، والغرب، والصهاينة وكافة من عادى الله ورسوله.

      المتوقع أنّ تقف قوى الإخوان الرسمية يداً بيدٍ مع العسكر، وأن يتمَ استبدال "الضحية" الإسلامية، من الإخوان إلى أهل السنة الداعين للإسلام السنيّ الصحيح. فإنه لا بد لكلِ نظامٍ أن يجدَ عدواً يحاربُه، حتى يبقى الناس على خوفٍ وترقب، وحتى يظهر للعَامة أن النظامَ القائمَ يحرصُ على سلامتهم ويقف لأعدائِهم بالمرصاد. هذا العدو الجديد، سيكون أبناء الإتجاه الإسلام السنيّ الذي لا يوالى الإسلام الليبراليّ الإخوانيّ الأمريكي العسكريّ.

      أما الدعوة السلفية، فلا شك أن قبضتها على الحزب المنتمى اليها "النور"، أشد وأقوى من سيطرة مجلس الإرشاد على حزبهم. لذلك فإنها ستظل على حيرة من أمرها، بين السياسة والدعوة. والمنتظر أن يستمر كهنتها الرسميون، مثل حسان وبرهاميّ وعبد المقصود، في الترويج لدعاوى طاعة ولي الأمر، واتباع الحاكم، ظالماً أو كافراً، وستظل تلك الهوة بين النظري والعملي، أو العقدي والحركيّ قائمة في استراتيجيات الدعوة والحزب. وإنه إن كنا نتوقع عداءاً أقل من السلفيين في البرلمان لدعاة أهل السنة الصحيحة، إلا أن كنهة السلفية سوف يكونون أشد على مسلمي السنة من الإخوان.

      الحركة الإسلامية إذن، سوف تنحصر في دعاة الإسلام السنيّ الصحيح، الذي لا يَعرف توسطاً مع الباطل، ولا إنحرافاً عن الحق، ولا مداهنة لنظامٍ، ولا تحريفا لمُؤَوِّل. هذه الدعوة ستكون هي الرائدة، وهي المستهدفة، على أرض الواقع، في المرحلة القادمة. وهو قدرٌ هذه الدعوة، إذ من حيث إنها لا تقصد إلى منصب، فإنها لا تنتهى بالوصول اليه، بل هي عاملةٌ بين الناس، تنشر الحق بلا تحريف أو تمييع، إن وصل بها ذلك إلى الحكم، فهو إذن حكم الله، لا حكم الشعب ولا الديموقراطية، وإلا فهي سائرة في طريقها إلى أن يفتح الله بينها وبين قومها بالحق.

      لا شك أن الدعوة إلى الله ستظلُ سائرة في طريقها، فاز من فاز، وانتُخب من انتُخب، فإن هذه الدعوة قدرٌ من الله، وابتلاءٌ للمؤمنين. وهي الدعوة التي ننادى شبابنا اليوم أن يركز عليها، وأن يساندها، وأن يمشى في طريقها غير هيابٍ ولا وجلٍ. فهي الحركة التي ستأتي بالتغيير إن شاء الله تعالى، وأن لا ينحرف بهم المسار في طريق من اتخذ امركة الإسلام ديناً يصل به إلى البرلمان، فإن هذا ليس طريق الله ورسوله، ولا هو طريق الحركة المبنية على منهاج السنة.

      وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.