فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      خطابٌ مفتوحٌ.. إلى الشيخ الحبيب عبد المجيد الشاذليّ!

      الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      المَحبة في الله أمر قد جعله الله من دلائل طاعته، ومن علامات محبته، فقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة رضى الله عنه عَمّن يُظلّهم الله في ظِله، يوم لا ظِلّ إلا ظِله ".. ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه"متفق عليه. وقد نعمتُ بدفئ هذه العلاقة، عقوداً عدة، جمعتنى بالأخ الحبيب والشيخ العلامة عبد المجيد الشاذليّ. وهو، يشهد الله، أحب الناس إلى قلبى وأقربهم إلى عقلى وفكرى ومنهجى، وقد عَببت من علمه وتردّدت على أبواب معرفته منذ أربعين سنة، تَعاشرنا فيها عدة سنين، أقرب ما يكون الأخ لأخيه، حين تدارسنا معا مسائل العقيدة والأصول، بين ضواحي مدينة نصر والإسكندرية، ويا لها من أيام لا أحسب أن مثلها يجودُ به الزمن مرة أخرى.

      لكنى تَكَدّرْتُ  في الآونة الأخيرة، من جرّاء موقف أخذه علامتنا المُبجّل، جعلنى أشعر بمرارة لا يعرفها إلا من عاناها. مرارة من شعر بطعنة من أقرب الناس اليه، وأحبهم إلى نفسه. ذلك حين قرر شيخنا الحبيب أن يناصر الإخوان في معركة الإنتخابات، ويقف، ومن ورائه، محبيه، وليسوا بقليل، في صفّ هذه الجماعة يدعمونها ويدعون لها.

      لا أدرى والله ماذا أقول.. أو من أين أبدء...! أمن حقيقة أن الشيخ الفاضل هو أعرف الناس بطبائع الإخوان، وغدرهم ومنفعيتهم؟ أم من حقيقة أن الشيخ المبجل أعرف الناس بحقيقة دين هؤلاء، الإرجائي الموغل في البِدعة؟ ثم ألا تعنى هاتان الحقيقتان، الشرعية والواقعية، أن لا أمان لهؤلاء، وأنهم عون على دين الله، ليس لدين الله؟

      والأدهى من ذلك أن موقع الشيخ لا يزال إلى اليوم ينشر تأييده لحزب الخسة والندالة، المسمى بالحرية والعدالة، رغم تأكيد الشيخ لي شخصياً بأنه سوف يرفع كلّ تأييد لهم من الموقع عشية إنتهاء الإنتخابات مباشرة، وأنهم سوف يردون على حديث عريان الإخوان، الذي أعلن فيه تأييده للبرادعيّ، نكاية في الشيخ حازم، قبل أن ينسحب البرادعى.

      أتوجه بسؤالي إلى الشيخ المُبجّل، وإني والله أحبه في الله مهما كان خلافنا، أن كيف يتأتي يا شيخ عبد المجيد أن يظهر على موقعكم تأييدكم لحازم أبو اسماعيل، جنباً إلى جنب مع تأييدكم لحزب الحرية والعدالة؟ كيف إجتمع الضِدان؟ أنتم تعلنون دعمكم لحازم، والإخوان يعلنون وقوفهم ضد حازم، وأنتم تعلنون دعمكم للإخوان؟ أليس في هذا خلط للأوراق، أحسبه ليس من قرارات الشيخ، حفظه الله، وإنما من عمل بعض ممن هم حوله، من القائمين على الموقع، يجتهدون بأنفسهم، فيُخطئون فيما اجتهدوا (رجاء فتح الملف المرفق).

      ثم، يا شيخنا المبجل، هل استغرق الإخوان الجهد في الإطاحة بالعسكر؟ هل أدّوا حكم "ما استطعتم"؟ هل أعلنوا مرة واحدة أن الشريعة هي مرجعهم، أقصد أحكامها لا مبادئها، التي يوهمون به غِرار الناس، ولا يَغتر بها أمثالُكم؟ هل أعلنوا مرة واحدة أنهم يريدون تطبيق الشريعة ولو مآلا، أم أعلنوا أنهم لن يغيروا أمراً مستقراً؟

      ثم، يا شيخنا المبجل، هل يختلف هذا البرلمان، في شرعيته، عن البرلمانات السابقة، التي كنتم، معنا ومع غيرنا، ترون حرمة العمل من خلالها؟ ما الذي تغير فيه؟ المادة الثانية هي المادة الثانية. القائمون على البرلمان لا يتحدثون عن تطبيق أحكام الشريعة، بل يشرحون، على الهواء كما فعل محمد مرسى، كيف أنّ العلمانيين والإعلاميين قد فهموهم فهما مغلوطاً، وأنهم لم يقصدوا أبدا إلى تطبيق أحكام الشريعة، بل فقط مبادئها العليا التي لا تتجاوز أصابع اليد، كالحرية والعدالة (أخزاهم الله، وكأن هناك حرية وعدالة في غير ما أنزل الله من تفاصيل أحكامه). كيف يكون هذا البرلمان مغايرٌ لسابقه إذن؟ بل إننا نزعم أنه أكثر خطراً وتشبيهاً على العامة من الناس، إذ قد عرف الناس كفر السابقين، لكنهم اغتروا بما شَوّش عليهم به المُحدثون. فهلا كنا ممن يرَفَع هذا التشويش ويُجْلى ذاك الغَبش؟ أو على أقل تقدير، لا ننصر من يثير الغبش ويقصد التشويش؟

      لقد اشترى الإخوان في صفقة "كامب سليمان" البرلمان بالرئاسة. هذا أوضح من أن يُدلّل عليه يا شَيخنا الحبيب. الإخوان جماعة ليبرالية، إتحدت مشاربها مع الإمريكان، ومع العسكر، وآمنوا بأن "100% من أوراق اللعبة في يد الأمريكان" كما قال السادات، وأن إدارة دفة هذه الأوراق في يد العسكر، "فلا يجب أن نغضبهم" كما قال محمد مرسى، لكن لا نصيب لله في هذا ولا ذاك! أما خلافهم مع الليبراليين (ظاهراً)، فليس إلا من أجل كسب أصوات الناخبين، لكنهم هم ليبراليون قلباً وقالباً. ألا ترى كيف انتفض الكتاتني حين وصف أحد السلفيين أمريكا بأنها "دولة الكفر"، ومحا الوصف من سجل الجلسة! هؤلاء هم من ناصرتهم يا فضيلة الشيخ، أولياء أمريكا والعسكر، غفر الله لنا ولكم.

      هاتان النقطتان، هما ما أقضّا مِضجعى في موقفكم يا شيخنا المُبَجّل، وما هما بهيّنَتين، يمكن التغافل عنهما أو السكوت عليهما. بل هما ابتلاء كل مسلم داعية في أيام الناس هذه، كما تعلمون.

      ما نخشاه اليوم، يا فضيلة الشيخ، أن ينتفض الشعب على من خانوه وخدعوه، ثم ماذا يحدث وقتها؟ لقد خرّب هؤلاء الإخوان الليبراليين اسم الدين وأساؤا لسمعته، فكيف يأتي أمثالك من المخلصين بعدها ليتصدر الموقف؟ كيف يثق بنا الشعب، وقد رأي خيانتهم وغدرهم، بعد أن أصبحوا محسوبين علينا، او أصبحنا محسوبين عليهم؟

      لقد حفظ لكم الجيل السابق دوركم في تبيان التوحيد، وحماية جنابه، وبيان حقيقة الولاء والبراء وأسسهما، لا يشك في فضلكم هذا أحد يعرف الفضل لأهله، لكن، يا شيخنا قد اختلط الأمر على الكثير من محبيكم في هذا الشأن، بل لم يجدوا له تفسيراً، بل وجد فيه بعضهم حيدة عن الحق، وممارسة لما كنتم تعتبرونه عيباً في الإخوان من قبل، يوم أن كنتم لا ترضون عن ممارساتهم.

      ولا أظن أن قضية المصالح والمفاسد تصلح لتفسير هذا الموقف يا شيخنا الحبيب. فإن المصلحة في بيان الحق دوماً، ثم في الوقوف في صفه دوماً، ثم في كشف دور من يعاديه دوماً. إن المصلحة في وضعنا هذا، إن كانت في أن يظهر الإخوان على العلمانيين، فما كانوا في حاجة لنا ليظهروا عليهم، فالصمت كان أفضل لنا، إذ قد جعل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم مندوحة لمن وقع في الحرج، ولا أرى حرجاً في نقض مذهب هؤلاء. فما بالنا نقف في صَف هؤلاء بالكلمة الصريحة، ثم نداوم على نصرتهم، حتى يومنا هذا. أنتعلل بمصلحة الدعوة؟ أيمكن أن نكون قد سقطنا فيما حذرنا منه الناس عقوداً متطاولة؟ أكانت دعوتنا من قبل خَطَل من الخَطل، ثم عرفنا اليوم الحق، فإبنا اليه؟

      لا أحسبكم يا فضيلة الشيخ الحبيب إلا على كلّ خير، ولا أحسب هذه العثرة إلا سِحابة صيفٍ ستزول بإذن الله، ولا أحسبكم تتمسكون بالخطأ بعد أن ترون الصواب في خلافه واضحاً جلياً.

      بارك الله في جهدكم وعمركم.

      أخوكم طارق عبد الحليم