فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      رجال إسلام .. أم رجال استسلام؟

      الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      ما ضَرَب الصَفّ الإسلاميّ في عَصرنا هذا، كان عَاراً على الإسلاميين ولاشك. وهذا العار يتفاوت بين خيانة بعضها و"خيابة" بعضها الآخر.

      أما عن الخيانة، فإن أبطالها هم حركة الإخوان التوافقيون، التي، والحق يقال، قد تَجَاوزت كل الحُدود في هذه المَرة، فإن هؤلاء قد عرف عنهم الثعلبانيات السياسية، التي لا يقف أمامها شَرع، ولا يحكُمها دين، بل كانت المصلحة تجمعهم، دائماً وأبداً، وهي الأصل والمبدأ والمرجعية في تحركاتهم. وقد كانت أحلامهم تدور في إمكانية التَحالف والتَعاون مع النّظم القائمة، التي كانت، وقتها، لا ترى داعياً لأي تقاربٍ أو تحالفٍ بينهما. وظلت هذه العلاقة غير الشرعية، بين الإخوان وبين النظام الحاكم، قائمة على أسس علاقة حب/كره، أو قبول/رفض، إن شئت أن تصَفها. ومن ثم، كان الضغط على الإخوان من قبل النظام، وسيلة لتهديد الإسلاميين بشكل عام، لا تجميداً لحركة الإخوان بشكلٍ خاص، إذ كما ذكرنا، كان الإخوان على الدوام، بلا استثناء، هم الطرف المُحب القابل الراضى بالقليل من الحبيب العاصى الكاره. وقد أحسن الثعبان الإخواني استغلال هذه المُصادمات، من جانبٍ واحد، في تصوير الإخوان وكأنهم جهاديّوا السلم وأبطال التَضحية.

      وقد تغيرت هذه العِلاقة، بعد إنتفاضة 25 يناير 2011، فأصبح العسكر في حاجة لأن يُبدّلوا شَكل العلاقة مع الإخوان، لتصبح علاقة عرفية من حب/حب، أو قبول/قبول، ولو إلى حين، ليجتازوا الفترة الحرجة الحاضرة. وكانت مُعاهدة "كامب سليمان"، وجاءت كل قَرارات الإخوان وتَصريحات مسؤوليها، تؤكد هذه العَلاقة العُرفية، بل وقد جاءت دلالات تُشير إلى بعضِ التجاوزات الإنتخابية التي مرّرها العسكر، إذ عَمِلت في صَالح الإخوان لضمانِ أن يكون لهم أكبر دورٍ في البرلمان.  

      هذا الذي فعلته الإخوان، يعتبر، بأي مقياس، خيانة عظمى لله وللوطن وللشعب المصري، بل وللأمة الإسلامية بكاملها، إذ إن مصر هي مفتاح الأمة العربية، بل ومدار الإسلام في العالم الإسلاميّ. هذه الخيانة قد سَرَت تحتَ مائدة التّفاوضات، لضمان تحقيق دورهم في العلاقة العرفية مع العسكر، الذي يمثل، بشكل غاية في الوضوح، مصلحة الحرص على رموز النظام السابق ومصالحه. ومن هنا كان، وما زال اعتراضنا على التوجه الذي يجعل من إختيار الإخوان ودعمهم للبرلمان، خطأ في قراءة الواقع، ومعرفة حقيقة ما وراءه.

      أما عن "الخيابة"، فإنى لم أجد كلمة أقرب منها لتوضيح التصَور السُّنيّ الخَالص من موقف السلفيين المتبدلين، وعلاقتهم بمشايخهم الأكاديميين، وقربهم أو بعدهم عن مرجعيتهم التي كانت طافية على السطح حتى ما بعد 11 فبراير 2011. وهذه الخيابة، تعنى ذلك التردد والتفاوت بين القول والعمل، بين النظرية والتطبيق. وقد ظهر هذا التَضارب في عديدٍ من التصريحات التي قررت استحالة التحالف مع العلمانيين تارة، ثم ضرورتها تارة أخرى، وبين طلب التحاكم إلى الشريعة من ناحية، ثم تأييد العسكر، الرافضين للشريعة، وإعلان الولاء لهم من ناحية أخرى! مما يبين أن هؤلاء لم يَحسموا أمرهم بالنسبة لشَرعية البرلمان الذي يشاركون فيه، ولا كيفية التعامل معه، خلافاً للإخوان، الذين بدلوا بدينهم ديناً شبيها بالإسلام، وما هو منه، ووفروا على أنفسهم ذلك التناقُض المُهين. وما أدى إلى هذا التضارب كذلك، هو التوجه البدعيّ الذي ساد الفكر السلفيّ التقليديّ من ضرورة المُصالحة مع الحكام، بل والتعاون مع أجهزتهم كما قال بذلك بعض منافقيهم صراحة دون مواربة. وقد كان هذا التوجّه أولاً، من تأثير المَدخلية على الفكر السلفيّ في مصر منذ أوائل التسعينيات، ثم استقلّ بحياة ذاتية بعد أن وجد فيه رموز هذا التيار وقتها حلاًّ لأزمته مع الحكم والحكام، ولم يشغلوا بالهم وقتها، كما لم يشغلوا بالهم حالياً، بالتضارب الفاضح بين النظرية والتطبيق، وقنَعوا ببعض التخريجات الباردة لجزئيات شرعية لا ترقى لأن تعارض الأصول الكلية في مفهوم التوحيد، واستراح بالهم اليها، وربوا تلاميذهم عليها، فكان ما نراه اليوم من أتباعٍ لا يكاد الكثير منهم أن يفقه حديثا.

      بين هذه الخِيانة، وتلك الخَيابة، يقف مصير مصرٍ، على كفِ حائرٍ. بين أن نغُضّ الطَرف عن الحقيقة الواقعة التي تسير بها البلاد نحو دولة مسلمة في الظَاهر، علمانية في الحقيقة، ديموقراطية الظاهر، عسكرية الحقيقة، برلمانية الظاهر، ديكتاتورية الحقيقة، وأن نعيش هذه الإزدواجية مرة أخرى، لا نقاء في العقيدة، ولا تحديد للمرجعية، ولا صفاء في التصور، بل خليط مُعَجّن من تصوراتٍ إسلامية، ومفاهيم وضعية علمانية، يصوغونها في دستورٍ، بعيداً عن مفهوم التوحيد، والأخذ بالقوة، وقريباً من مفهوم الهوان والخذلان، والرضا بالتوافقيات الشركية، ويسمونها سياسة، وما هي إلا خَساسة في خَساسة.

      من هنا، فإن الفرصة القادمة، ستكون اختباراً للقوة الحقيقية لشباب مصر، الذي لا يتّبع كل ناعقٍ من مشايخ السلفية أو قادة الإخوان. وستظهر هذه الفرصة في 25 يناير القادم، إن كانت خيانة هؤلاء، وخيابة أولئك، لها رصيدٌ حقيقيّ في الشارع.

      ومما لا شك فيه أن هؤلاء الخونة وأولئك الخيابى لن يدْعموا أي تحرّك ضد العَسكر الكافر الظالم الفاسق. بل سيعملون على تأمين الجيش ضد "الثوار"، وتأمين الكنائس ضد بغيان المسلمين، كما فعل بلهاء السلفيين في إحتفالات ميلاد إله القبط. كما سيُدين قادة الإخوان "العنف"، ومحاولات "إحراق الوطن"، وهذه القائمة المفبركة من المصطلحات الخَدّاعَات التي يستعملها نظام الحكم ضد الأوفياء الشجعان من أعدائه.

      قريباً، سيكون الإخوان هم من يأمر الداخلية بالتصدّى للثوار، ولو كانوا بالملايين، بل لقد ظهرت بوادر ذلك، فما أحسب مشاركة الإخوان والسلفيين إلا من قبيل إجهاض أي نتيجة حقيقية ليوم 25 يناير، وإحباط الثورة إلى الأبد، ليَخلوا لهم وجه البرلمان، بأن يسيطر أتباع هؤلاء وأولئك على الميادين، ثم يصرفون الناس آخر اليوم، ويتركون البقية لعدوان الأمن، وتوَحّش الداخلية ومساحل الجيش.

      هؤلاء الخونة وأولئك الخيابى، قد وجدوا بغيتهم في الإنتخابات، التي قرر مجلس العسكر عقد أول إجتماعاتها في 23 يناير! حتى يكتمل إنبهار الخيابى، وتتم صفقة الخونة، ويكون، بالنسبة لهم، لا داعى أصلاً لأى خروج على أي أحد. ولتذهب الثورة إلى الجحيم، وليذهب دم الشهداء إلى الجحيم، ولتذهب دولة لا إله إلا الله إلى الجحيم، ولتذهب حرية الشعب وكرامته ونقلته الحضارية الحقيقية إلى الجحيم. أليست هذه مقاعد البرلمان نُحسّها تحت مقاعدنا، وثيرة دافئة؟ ألم يتحقق الحلم القديم؟ مهما كانت تكاليفه.

      لا والله، ما هؤلاء برجال إسلام، ولكنهم رجال استسلام. رجال يتنازلون عن الثوابت، في سبيل أوهام يوهمون بها أتباعهم، أنها مصالح ومفاسد، وأنها إعتبارات الزمان، والأحوال، وأنهم هم فقهاء الكوارث والنكبات والنوازل. لا والله ما هي مصالح إلا مصالحهم، ولا مفاسد إلا مفاسدهم، وما هم إلا الداء في هذه الكوارث والنكبات والنوازل، لا الدواء.

      أيجلس رجل من رجال الإسلام، كحُذيفة بن اليمان أو أسامة بن زيد أو سعد بن أبي وقاص، أو العز بن عبد السلام، أو بن تيمية الحرّاني شيخ الإسلام، أو من شئت منهم، أمام مذيعة علمانية يُنكر أمامها أنّ قطعَ يدِ السَارق من الشّريعة، وإنما هو حُكمٌ فِقهيّ، كما فعل المدعو محمد مرسى؟ ينكرُ هذا الرجل آية قرآنية قطعية ليسْتدِر بها رِضا الكفار عنه وعن حزبه، أخزاه الله من رجل، وكأن الأغلبية التي رفعته لكرسيه لم تستطع أن تحرّر عبُودية قلبه، أو أن تجرّد ولاءه. ووالله، لو عُرضت هذه المسألة على مَحكمة شرعية، لإستتابته بلا تردّد، فإن تابَ وإلا أقاموا عليه حدّ الله.

      نعم، إن للإسلام رجالٌ، وللإستسلام رجال، إنما ليس هؤلاء برجال إسلام، بل رجال تراجع وتخنّث واستضعاف. والأنكد والأبكى، أنهم زَرَعوا هذه الروح المَريضة في نفوس أتباعهم، حسبنا الله ونعم الوكيل، فصار دينهم إعتذاراً، وصُمودهم انهياراً، وجَهادهم فراراً. هذا ما حوّلوا اليه أفضل نخبة من شباب الأمة، التي لو صاغتها قلوبٌ مخلصة لدين الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وشَكلتها أيدى رجال الإسلام لا الإستسلام، لكانت هذه النخبة من شباب الإخوان والسلفيين هم جُند الله في الأرض، ولكانت دولة "لا إله إلا الله" قائمة اليوم، ولدخل العسكر جحورهم، طالبين الرأفة والرحمة مما اقترفوا. لكن، شاء الله إلا "لِيَحْمِلُوٓا۟ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةًۭ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ ۙ وَمِنْ أَوْزَارِ ٱلَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ أَلَا سَآءَ مَا يَزِرُونَ" النحل 25.