فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      الممكن والمحتمل .. في 25 يناير القادم

      الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      من الأهم والأخطر، في هذه المرحلة، هو أن يولى المُهتمّون بالشأن المصريّ، المُخلصون منهم لدينهم ووطنهم، أشد الإهتمام بتحديد ما يمكن تحقيقه، وشروط هذه الإمكانية وموانعها، وما يحتمل وقوعه بالفعل. إذ من المعروف أنّه ليس كل ممكنِ الوقوع محتمل الوقوع. والسبب في هذا هو طبيعة القوى الفاعلة التي قد تقدرُ على الممكن، لكن لا تفعله لسبب أو لآخر.

      أما عن الممكن، فإننا نستطيع أن نقسم القوى المشاركة فيه إلى عامة الشعب العاديّ، القوى السياسية كالإخوان والسلفيين والعلمانيين، في مواجهة المَجلس العَسكري.

      أما عن الشعب، فلا شك أنّ من الممكن أنْ تحتشِد جموعه مرة أخرى كما حدث في يناير الماضى. لكن هل هذا محتمل الوقوع؟ العوامل التي تحدّد ذلك تنحصرُ في ذلك التدهور الإقتصادي الذي تُرك عمداً من قبل العسكر لإلهاء الشعب والضغط عليه، ثم إسناد هذا التدهور إلى قوى الثورة، ليبتعد عنها رجل الشارع العاديّ. لكن هذا التصرّف من قبل العسكر هو سلاحٌ ذو حدين، فقد أنزل الشعب لعناته على العسكر بصفتهم الحاكم الفعلي اليوم. كذلك فإن مشاهد القتل والسحل، وإن كان العسكر يتخذها رادعاً مرعباً لإبعاد الناس عن الخروج، إلا إنها مرة أخرى، سلاح لم يرى العسكر حدّه القاطع، وهو إثارة النخوة واسترجاع بشاعة عهد المخلوع، والربط المباشر بين مجلس الخيانة العسكريّ وبين النظام الفاسد. وهذا ما قد يجعل المسافة بين الممكن والمحتمل أقرب مما يريدها العسكر.

      أما عن القوى السياسية، فهي تختلف في رؤياها وأولوياتها. فالإخوان، وَهُمُ الجماعة الأكبر اليوم على الساحة، لاشك أنه من الممكن أن يحشدوا عدة ملايين من أبناء الشعب، سواءً من أتباعهم أو ممن انتخبوهم دون انتماء جماعي، وهذا الحشد يكون بطبيعة الحال موجه إلى تنحية العسكر عن الحكم بالكامل دون تنازلاتٍ أو شوائب تظل في حلق الشعب إلى الأبد. لكن، هل هذا من المحتمل حدوثه؟ الجواب، لا. ذلك أن الإخوان قد حققوا في مجال البرلمان ما لم يحلموا به عقوداً متطاولة. فأن أي أمرٍ يعرضُ مثل هذا النجاح لأي نسبة من الخطر، لن يكون له محلٌ في سياساتهم، مهما عظمَ المكسب وقلّ الخطر. والإخوان يلعبون دائما اللعبة الآمن لهم كجماعة، لا الأكرم، ولا الأنبل ولا الأكثر مُطابقة للشّرع، ولا الأفضل للشعب. ومن ثمّ، فهم سيلتزمون بالتَحسيسِ على العَسكر، ولعبة القطّ والفأر (هم الفأر في حقيقة الأمر)! إلى أن يُفاجؤا بأمرٍ دبّره العَسكر بليلٍ، يطيح بهم كرة أخرى وراء الشمس. فليس إذن من المُحتمل أن يحشدَ الإخوان أي حشدٍ في مواجهة العسكر، ولكن سيكونوا من المتكلمين والداعين للمُحاورة والهدوء، إلا إن رأوا إنتصاراً جديداً، ساعتها فسيحشدون الحشود، ويقترب وقتها الممكن من المحتمل بحدود.

      أما عن السلفيين، فهؤلاء أكثر غموضاُ من غيرهم، خاصة في محتملهم. فإنهم لا شك قادرون على حشد ملايين، أكثر عدداً وأشدّ حماساً من الإخوان. لكن هؤلاء قد فقدوا بوصلة التوجه الصحيح بالكامل في الشهور الأخيرة، واتبعوا خطى الإخوان حذو القذة بالقذة، لكنهم أضافوا لها نكهة سلفية لا يمكن أن تتوافق مع هذا التوجّه، فكأنما جاءوا على "أكلة فسيخٍ بالبصل" ثم زيّنوها "بطبقة كريمة"! كما أنهم قد سقطوا، أو بالأحرى سقطت مشايخهم، في هاوية عبادة وليّ الأمر الحاكم، مهما كانت ملّته، وتخالفت أقوالهم النظرية مع أفعالهم العملية، فوقفوا مع العسكر لتثبيت حكمهم وتقوية قبضتهم، وإن تظاهروا بأجسادهم لنصرة أمر فرعيّ هنا أو هناك. ومن ثم، فإن المسافة بين الممكن والمحتمل في حالة هؤلاء، كالمسافة بين السماء والأرض. ولا إحتمال لأي مشاركة لهم تهدف لتقويض حكم العسكر.

      أما عن الجماعة الإسلامية، فلا محل لذكرها هنا لإنحطاط دورها وخسة أفرادها وإنهيارهم الخلقيّ والديني، وعدم تواجدهم الشعبيّ.

      أما عن العلمانيين، فإنّ ممكنهم أقرب ما يكون من مُحتملهم. والمُعتبر منهم هم طبقة الشباب مثل 6 ابريل والتيارات الثورية المستقلة، أو الوطنية للتغيير وكفاية وأمثالها. وهؤلاء منهم من فتنته العلمانية بصخبها وعجيجها الفارغ، فضاع بها، ومنهم من أعرف، شخصياً، أنه مدفوعٌ بقبول العلمانية "التطبيقية"، كما ذكروا، لفقدهم الثقة في حاملى شعار الإسلام، من سلفيين وإخوان. وهو توجه وإن كان يفسد أكثر مما يصلح، إلا إنه يجعل في تلك الفئة من هم على خير ممكن، بل محتمل. أما غيرهم، فما هم إلا ابواقٌ تتشادق، وأفواه تتراشق، في أجهزة الإعلام، دون سندٍ لها في الشارع. وهؤلاء، شبابهم وشيوخهم، قد شعروا بأنهم قد خدعوا في ثورتهم، إذ يرون أنهم مَنْ بذر بذرتها وروى شَتلتها، ثم إذا بالإخوان والسلفيين يقطفون ثمارها. وهُمْ، من ثم، ينقمون على المجلس العسكريّ "صفقة كامب سليمان" التي تمت من تحت الطاولة، ويعتبرون أنّهم الضحية التي خسرت في هذه العملية كلها. ومن ثم فإنهم سيحشدون كلّ ما يمكنهم من قوى لقلب نظام العسكر، ومن ثم محاولة أن يعيدوا رسم الخريطة السياسية البرلمانية في الجولة القادمة، وليس لديهم على أي حالٍ ما يخسرونه في هذه الجولة.

      تبقى الفئة المخلصة الوحيدة، التي تنظر إلى وطنها بمنظار دين الله، وتعتبر مصلحته متطابقة مع شرع الله، دون تمحكٍ أو مصلحية أو تأويلاتٍ باطلة، أو صفقاتٍ مريبة. ومن يمثلهم اليوم حازم أبو اسماعيل، وبعض أفاضل المَشايخ كرفاعي سرور، ومن يقفون وراءهم فكراً وعملاً، أفراداً وجماعات، وهيئات وتيارات. وهؤلاء ممكنهم مطابق لمحتملهم. إذ سيحشدون، كما أتوقع، ما، ومن يمكنهم من الناس في ميادين مصر، لإزاحة العسكر عن حكم مصر، وإعادة الأمور إلى نصابها.

      إذن المشهد الممكن في 25 يناير المقبل، هو حشدٌ جبارٌ مليونيّ أقوى مما كان، إذ الشعب الآن قد عرف خادعيه، وكشف عمالة العسكر وشراكتهم وعبادتهم للمخلوع وزوجته الحيزبون، وشلته من القتلة. كما ان دم الشهداء وعرض البنات وحبس الأبرياء، هو حافز أكبرٌ على دعم هذا الحشد وتوسيع نطاقه. لكن المحتمل، كما رأينا، أنّ القوى المساندة لحازم أبو اسماعيل، مع بعض المنشقين عن السلفية الغافلة والأخوان الخونة، سيقفون مع العلمانيين في خندقٍ واحدٍ ضد القتلة، مع أصحاب الهمم من أبناء مصر وشعبها، الذي اتضحت له الصورة كأوضح ما تكون.

      إلا أن ذلك الحشد سيقابلُ بقوة عاتية شريرة خسيسة، لا ترعى في الناس إلاّ ولا ذمة، إذ تدافع قياداتها عن حياتها ورغدها، وتدافع أفرادها عن إبعاد شبح الحرب مع إسرائيل الذي يخوفونهم به، ليقف هؤلاء الأغبياء من أهليهم وإخوانهم موقف "حياتي أو حياتك"!

      والله غالبٌ على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.