انتهت الإنتخابات الأمريكية وما صاحبها من صخب وضجيج وفرح وترقب وأمل، ساد أوساط العامة في أمريكا وفي أنحاء العالم كله، وما ذاك إلا نتيجة سياسة بوش الذي ضحى فيها بمصالح قومه والعالم أجمع لتحقيق مكاسب مادية شخصية، والتمكين في ذات الوقت لما أملته عليه طغمة المسيحيين المتطرفين "الأفنجليكال" والتي تؤمن بأن المسلمين هم أعداء المسيح "Anti Christ" وأنه يجب الخلاص منهم والتمكين لليهود في فلسطين إستعداداً لنزول المسيح!
وكان أن تشكلت ظاهرة أوباما، وهي ظاهرة تستحق أن يقف عندها الباحثون لدراسة أبعادها، ولا أقصد "بظاهرة أوباما" الرجل نفسه، ولكن أقصد ظاهرة صعوده البرقيّ واستخدامه لوسائل إعلامية في الإنتخابات أجمع المتخصصون الأمريكيون أنها جديدة وفعّالة. أما عن الرجل نفسه فلعلنا نتحدث عنه في وقت لاحق إن شاء الله.
وما أذهلني وأثار مخاوفي هو تلك اللهجة الآملة التي تحدث بها بعض مفكرينا ومثقفينا عن سياسة الرجل المرتقبة، خاصة تجاه العالم الإسلاميّ. بل تعدى ذلك إلى الجماعات الإسلامية التي رحبت ترحيبا شديداً بإنتخاب الرجل على رأس الإمبراطورية الإمريكية بصفته أسود وله "جذور إسلامية"!
أن نفرح بنهاية مجرم الحرب بوش وانتهاء حقبته السوداء الني كانت كابوساً على العالم كله فهو أمر، وأن يكون أملنا في حدوث أي تبدّل في السياسة الأمريكية تجاه الإسلام والمسلمين لهو أمر آخر يعكس سذاجة مضاعفة في التصور السياسيّ.
الرجل تبرأ من أصوله الإسلامية بشكل تام ونهائي، وحرص على أن يظهر كنصرانيّ متديّن ينتمي لكنيسة يعتادها وأهله على الدوام، ثم كانت آخر خطبة ألقاها ليلة إنتخابه هي كلمته أمام اللوبي الصهيونيّ، وهي لفتة لها معناها لتهدئة روع اليهود، ثم كان أول رجل تم تعيينه في إدارته هو رام إيمانويل يهوديّ من أصل إسرائيلي خدم في إسرائيل إبان حرب الخليج الأولى لتأدية خدمته العسكرية الإسرائيلية المفروضة على اليهود مهما كانت جنسياتهم. والبقية تأتي.
أمر السياسة الأمريكية ليس أمر أن أوباما أسود أو أحمر، أمر السياسة الأمريكية أعمق من ذلك بكثير، ولو ربطنا هذه السياسة بلون الرئيس الأمريكيّ لكنا نضيف خطأ على أخطاء.
هناك خطوط حمراء لا يستطيع أي رئيس أمريكي أن يتجاوزها مهما كانت اتجاهاته الشخصية، ذلك إن افترضنا أن اتجاهات الرجل "عربية إسلامية"!!! فالسياسة الأمريكية سياسة مؤسساتية تقوم على قرارات جماعية تحكمها مصالح عليا تتمثل أول ما تتمثل في الحرص الأبدي على مصلحة إسرائيل وأمنها مهما كان الثمن، هذا البعد لم ولن يتغير مهما تغير لون جلدة الرئيس الأمريكيّ.
أعتقد أننا كأمة نكرر نفس الخطأ الذي نقع فيه كلّ مرة يتبدل فيها زعيم في دولة كبري، طبعا لا في مصر إذ إن مصر لا يتبدل فيها الزعماء!، وهو في نظرى هروب من مواجهة المشكلة الداخلية التي تستدعي حلاً داخلياً باللجوء إلى الخارج للبحث عن المخلّص، ولو كان على رأس المنظومة الأمريكية الصهيونية!
دعونا لا نقع في ذات الخطأ الذي جعل بعضنا يرى في "الخميني" الرافضي قائد الفتح الإسلاميّ المرتقب، ثم افاق ليجد الرافضة ينهشون في لحوم أهل السنة على إتساع الخريطة الإسلامية!