الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
لا يزال "مسلم" من قارئي الموقع، يرسل إلى بتعليقات تدور كلها حول محورٍ واحد، وهو أن مصرَ تواجه أزمات فعلية كبيرة على الأرض، من نقصِ دواءٍ وبَطالة وفاقةٍ وانحطاطٍ في التعليم وتراجعٍ في الإنتاج، وكافة ما يمكن من كوارث يمكن أن تحيق بشعبٍ من الشعوب، وأنّ الإخوان الدهاة الأذكياء، يهتمون بإيجاد معالجات لهذه الأزمات، بدلاّ من ذلك الحديث النظريّ الذي يتناوله أمثالي من المشايخ، الذين لا يَعلمون حقيقة ما يَحدُث على الأرض، ولا يعرِفون الدّواء الشّافي للمُشكلة المصرية!
وفي هذا التوَجّه في الفهم، تكمُن المُشكِلة الإخوانية، التي تضعُ الشّرع وراء الواقع، وتترك منتسبيها تائهين في خِضمّ تكهناتٍ، مثلهم مثل من لا ينتمى لفكرٍ أو إتجاه إسلاميّ على الإطلاق.
من الذي قرر أنّ إعلان دولة "لا إله إلا الله" سيكون عائقا أمام التقدمِ العِملي والرّخاءِ الإقتصاديّ؟ وأنه يجب التضحية بأحدِهِما لإنقاذِ الآخَر (كما في أفلامنا العربية القديمة!)؟ ألا إن من إعتقد هذا، فقد وَجَبَ عليه الغسل والتشَهد، ودخول الإسلام من جديد!
إن رسول الله قد بدأ دعوته بلا إله إلا الله، وأقام دولة المدينة على "أساس لا إله إلا الله". لم يبدأها لتحسين حَال المُسلمين، بل بالعكس، لم تتنزل أيّ من الأحكام التي تُعالج الواقع وتنظم أمر الناس، حتى استقرّت لا إله إلا الله في النفوس، وكانت شعار دولة المدينة. لم تكن دعوته أبداً لتحسين إقتصادٍي أو تطويرٍ إجتماعيّ، أو رفع مستوى معيشة، وإن كان ذلك أمرٌ مَفروغ منه، وناتجٌ جانبيٌّ، لو أخلص الناس في الإيمان بربِّهم، وفي إعلاء كلمته "لا إله إلا الله"، قال تعالى "وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰٓ ءَامَنُوا۟ وَٱتَّقَوْا۟ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَـٰتٍۢ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلْأَرْضِ" آل عمران 96. الفارق هنا أننا نؤمن بهذا الحديث، حقيقية وصدقاً، لا ترديداً وذكراً.
إن الناتج الأساسيّ لدولة "لا إله إلا الله"، والعَائد الأول منها، هو النجاة في الآخرة، وهو ما يغفله هؤلاء الذين يُركّزون على نصيب الدنيا، أكثر من الدار الآخرة. وهذا ليس بعداً عن الصّفة العَملية، مُطلقاً، بل هو نابع من تصّورٍ أصيلٍ يؤمنُ أنّ خالقَ الناس أعرفهم بالناس "أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ" الملك 14. ثم يأتي الرقي الإقتصاديّ والتطوّر الإجتماعي والإصلاح في كافّة مناحى الحياة، بما سيكون من حسن إدارةٍ، ودقة أداءٍ، وبعدٍ عن الفساد والرشوة والمحسوبية وإضاعة المصادر، مَبنيّ على أسس علمية صحيحة، ومرتبطٍ بالشرعية الإسلامية التي توجّه على هذا السعيّ، في مبادئها وتفصيلاتها، من منطلق "لا إله إلا الله"، لا غَيره.
أقول لهؤلاء المَشغولين إبتداءً بالحالة الإقتصادية، والإجتماعية، والمعتقدين أنّ منهج الإخوان الذي يُدغدِغ مشاعر الناس بهذا الحديث: ألم تروا ما فعل البُعد عن هذه دولة "لا إله إلا الله" بنا وبكم؟ ألم نجرّب نكسات هذا التوجه ستين عاما بالفعل، نتخبّط في القوانين الوضعية، وتصاريف الرجال وتحكّمات العسكر، ونظريات الغَرب، وكلّ غُثاءٍ وَرَدَ لنا من داخلٍ مأفونٍ وخَارجٍ مَسمومٍ؟ "أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ" الحديد 16.
ثم من قال أنّ دولة "لا إله إلا الله"، لا تعتنى بالهموم اليومية للمسلم؟ من أين أتى هذا الزعم؟ أنَتّهِم الشريعة، والداعين لها بالتهاون في مراعاة شؤون المسلمين؟ ثم نعتقد أن من رَضِى بالتعاون مع العلمانية، وبرئاسة علمانيّ ماسونيّ، هم أحرصُ على شؤون المسلمين، وتحسين أحوالهم من دعاة "لا إله إلا الله". بل العكس، دعاة دولة "لا إله إلا الله" هم أحرصُ الناسِ على توفير الحياة الكريمة لكل مُسلم، وإعلاء حضارة الإسلام، ونشر دينه.
أيصِح في دين الله أن يعيش الشعب من مالٍ حرامٍ كسبه لهم النظام الإخوانيّ من تصاريح الخمر والسياحة العارية، التي أباحها الحُسينيّ الإخوانيّ، حين صرّح إنه يرجو أن يصل العرايا في مصر إلى 50 مليوناً من السياح! والله سبحانه يقول "وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةًۭ فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِۦٓ" التوبة 28؟ (والتي كان سبب نزولها تحريم الله سبحانه للمشركين الأنجاس وللعرايا، الطواف بالبيت في عام تسع هجرية، وطمأن الله المسلمين ألا يخافوا فقدان تجارتهم، أن سيبدلهم خيراً منها، وقد كان وأصبحوا ملوك الدنيا). أهذه قيادة إسلامي معنية بشوؤن الناس وهمومهم، أن تطعمهم السّحت، وتغنيهم من مال العُهرِ والدّعارة؟ هذه، يشهد الله، قِوادَةٌ لا قيادة! وهؤلاء قوّادون لا قِياديّون.
إن الحقَّ أحقُ أن يُتّبَع. وإن إتيان البيوت يكون من أبوابها. وإنّ الإصلاح الإجتماعيّ والتقدّم الإقتصادي والسّيادة السّياسية، لم ولن يكون إلا بالتمسّك بمنهجِ الله سبحانه، إعلاء كلمة "لا إله إلا الله"، ثم التَحوّل إلى الإصلاح والتَعمير، الذي تَعْنى به الشَريعة في تسعةٍ وتسعين بالمائة من أحْكامِها، والتي لا تُمثل الحدود فيها أكثر من واحدٍ بالمائة!
إن الإصلاحَ وتوفير الدواء والغذاء والتعليم، وإحتياجات المُسلم اليومية وتأمين الحَياة الكَريمة التي ضَمَنَها الله سُبحانه للعِباد في سورة آل عمران الآنفة، هدفٌ أصيلٌ وناتجٌ أكيدٌ من أهداف تطبيق الشريعة، لن يُفلح إصلاح دونها، أو بوسيلة غيرها، فإن في غيرها فسادٌ وفجرٌ وإعتداء، لا يصلح به عمل "إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ ٱلْمُفْسِدِينَ" يونس 81.
والله يهدى السبيل
يناير 03 2012