فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      حين يصبح شرُ البلية ..هو حُكم الأغلبية!

      الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      كيف يتحول حلم الناس، بأن تحوز الأغلبية المسلمة، صاحبة الحق الأصيل في حكم مصر بدور الريادة، وتسيطر على مجالسها التشريعية فيكون الحكم للإسلام لا لغيره، إلى كابوسٍ يخشاه من يعرف الإسلام، ويعرف حكم الأغلبية، الذي سيجرّ البلاد إلى شرّ البلية؟

      السبب في هذا، هو أن هذه الأغلبية التى فرحت بنفسها، قبل أن يفرح بها أحد، وهنأت نفسها قبل أن يهنئها أحد، قد فقدت بوصلة الإسلام، واتخذت توجها غير ما وجهتنا اليه سنة نبينا صلى الله عليه وسلم.

      قالوا، نحن من ينصر الإسلام، ويسير على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن نتفهم طبيعة مصر اليوم، ونوعية شعبها، واحتياجاته، ومن ثم، فإننا نتخذ القرارات المناسبة، ونصرّح بما هو في مصلحة هذا الشعب. ولننظر إلى دعاوى هؤلاء، فيما يرونه صحيحاً صالحاً. ولنفعل ذلك على شكل حوارٍ بين سُنيّ (دقة قديمة، لكن "لاسلفي" من طائفة حسان وعبد المقصود!)، وإخوانيّ. فبعد أن هنأه السنيّ بالأغلبية في البرلمان الجديد، قال:

      السنيّ: أجزم، يا صاحب الأغلبية، أن غالب هذا الشعب الذي انتخبك لتكون ممثلاً له، يريد أن يرى دولة "لا إله إلا الله" تقوم في مصر، وهي الدولة التي دستورها ينص في أول بنوده أن المرجعية الحاكمة في مصر هي لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، كمصدرٍ أوحد لا شريك له، فكيف تريد أن تكون الدولة المصرية القادمة، من حيث دستورها، وتطبيق الشريعة فيها، يا إخوانيّ؟

      الإخوانيّ: غريب، أليست الدولة بالفعل دولة إسلامية! وكذلك كانت طوال العهود السابقة، والمادة الثانية منصوص عليها بالدستور، وسنعمل على تركها كما هي بالدستور الجديد، وهذا يضمن إسلامية مصر، كما يعرف الجميع. ثم إن تطبيق الشريعة ليس ملزمٌ للحاكم، في دين الإسلام، بل هو إختياريّ، وإلزام أخلاقي، فلا شئ في الإسلام يطبق بالقوة، من هنا  فسنترك الخمور والحياة الفنية التي نراها لا بأس بها، وموسيقى الشريعي وهاني شنودة الجميلة، وغيرها من العوائد السائدة (السنيّ: يقصد الجاهليات)، لا لفترة معينة، بل مطلقاً، فالأمر ليس تدرّجاً في تطبيق الشريعة كما يعتقد البعض أننا نقول به، بل إن الشريعة ليست من عمل الحَاكم والمجتمع، بل من مسؤلية المحكوم الفرد. لكن أطمئنك، يا متشدد، إلى أننا سندعو الناس إلى عدم تناول الخمر والإقتصاد في مشاهدة الفن، وسنُعين السياح على ما يريدون على شواطئنا، لنسكب الدولارات التي يحتاجها أبناء مصر. ليس ذلك فحسب، بل إننا نقبل، بل نصِرّ، على أن يحكمنا علمانيّ، ونرشح البرادعي لذلك.

      السنيّ: آه، فهمتك، ما شاء الله عليك، لكن، دعنى اسألك بعض الأسئلة، أشبع بها جهلي العلمي. من المعلوم، في دين الله، أنّ الرأي الذي يتخذه إمرئ أو القرار التي تتخذه هيئة، في الشؤون العامة، هو نوع من الإفتاء. ومن المعلوم أنّ الفتوى = حكم شرعيّ + واقع قائم (مناط بالتعبير الأصوليّ). وأن تتخذ الإخوان قراراً بأنّ يحكم مصر علمانيّ، وأن تكون المادة الثانية، الذي تنص على أن هناك مصادر أخرى للتشريع بجانب دين الله، وأن هناك من ثم آلهة من دونه يتحكّمون في التحليل والتحريم، هي كلها فتاوى يجب أن تقوم على حكم شرعيّ أولاً، فما هو الحكم الشرعيّ  الذي اتخذت هذه القرارات على أساسه ؟

      الإخوانيّ: آه، أخي، إنك لا تعلم عن حال الشعب، فالشعب ..

      السنيّ: لا، لا، أنا اسألك عن الحكم الشرعيّ، فلا تعود بي إلى الواقع الذي يجرى فيه الحكم الشرعيّ، فهذا خلفٌ في تناول الشرع، يجب أولاً أن تحدد الحكم الشرعيّ، كما في الخمر حرام، أو أنّ ولي الأمر ليس من سلطته وقف تصاريح بيع الخمر. فإذا اتفقنا على الحكم الشرعيّ، تحولنا إلى الواقع، ودرَسنا حالته، وما هو ممكن فيه، أو مقدور عليه.

      الإخوانيّ: نعم، الوضع اليوم أننا نحتاج إلى رئيس توافقيّ ودستور توافقي، و..

      السنيّ: عدت بي مرة أخرى إلى الواقع، وما يجب فيه، وتجاوَزتَ، كعادتك، إيراد أي حكم شرعيّ، كدليل على ما تقول وتفعل. هذه واحدة، ثم أليست الأغلبية تعنى التوافقية، أم التوافقية تعنى تنازل الأغلبية ببعض حقوقها للأقلية؟ ثم كيف تنشأ دولة "لا إله إلا الله"، بقيادة رئيس عِلمانيّ ماسونيّ مُحارب لله ورسوله صلى الله عليه وسلم؟ كيف تتصور أن يتحكم العسكر، الذين يصرحون كل يوم، أنهم لن يسمحوا بدولة تطيع الله ورسوله وحدهما، في كلّ مفاصل الدولة الأساسية، الداخلية والخارجية والإعلام والدفاع، ثم يتركوا هذه الدولة تقوم على الأرض؟

      الإخوانيّ: آه، لكننا لا نريد مثل هذه الدولة بهذه الصورة التي تراها، وتتشدد فيها. نحن نقنع بدولة نصف علمانية ونصف مسلمة، ونحن مرتاحون لهذه الدولة بشكل عام، إذ نعتبرها إسلامية لا تزال، من واقع إعتقادنا بأن العلمانيون مسلمين، والمجلس العسكريّ مسلم، بل والقبط هم من أهل الجنة، كما صرح بعضنا، فليست لدينا مشكلة في هذا، بل أنتم الذين تتصورون أموراً ثم تواجهون مشكلة، فلم لا تسيرون سيرنا، فتعيشون في تلاؤم وتواءم وتوافق مع الجميع، مع القبط ومع العلمانيين، ومع الفنانين، ومع المجلس العسكريّ؟ بل إننا لو سلمنا بما تقول، فإنه ليست لدينا القدرة على التغيير، في وجه الجيش. كذلك فإن أمريكا هي التي تحمل "أوراق اللعبة كلها" كما قال المخلوع من قبل، فما لنا لا نتودد اليها، ونظهر لها أننا الذراع التي تقدر على تطويع العامة وتجنب عدائهم.

      السنيّ: أتعرف أنك، بعد خَرْطك هذا كلّه، لم تأت بدليل شرعيّ واحد، على صحة ما تقول، من أن المسلمين لهم أن يرضوا بمن يحارب الله ورسوله حاكما صلى الله عليه وسلم، بل يسعون لتعيينه، ويسلمونه قيادهم، رغم أن هناك داعية شجاع مسلم، كالشيخ حازم، يمكن أن يكون رئيساً لدولة "لا إله إلا الله"، وإذا بكم تحاربونه من أجل العلمانيّ البرادعيّ!! هذا وأنتم أغلبية ساحقة، في برلمانك المشؤوم. ثم ألا تعلم، يا مسلم، أنه من ناحية الشرع الذي لا تأبه به، فإن أوراق اللعبة كلها في يد الله سبحانه، وأن أمريكا لا قدرة لها على أي عملٍ إذا عزم القادة في شعبٍ أن يواجهونها؟ أنتم أقل من كوريا الشمالية، عباد الأصنام؟ أم من فنزويلا عباد التماثيل؟

      أنبئك إن كنت لا تعلم، يا إخوانيّ، أنّ إعلان دولة "لا إله إلا الله" أمر لا خيار لنا ولا لكم فيه، هو ما صدع به رسول الله صلى الله عليه وسلم من اللحظة الأولى قبل القوة وقبل التمكن، أي صَدع بوجوب إعلان الطاعة التامة لله سبحانه، وأنْ "وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ وَٱحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَنۢ بَعْضِ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ"المائدة 49 ..

      الإخوانيّ: أه لحظة يا سنيّ، لكن هذه آية مدنية، ونحن لسنا في الفترة المدنية، بل في فترة الإستضعاف المكية؟

      السنيّ: سبحان الله، أتريد الآن، يا إخوانيّ، أن تقول لي أن المصريين اليوم في العصر المكيّ، أترميهم بالكفر إذن، وأنهم يرفضون طاعة الله سبحانه العامة، لو قامت دولة " لا إله إلا الله"؟ حَسِبتُ أننا نحن هم التكفيريون لا أنتم؟ لا والله، بل إنّ تَصوّرنا يقوم على أن الناسَ مُسلمون، وإن غبّشت سنين القهرِ والتحريفِ على عقائدهم، لكنهم موّحدون بالفطرة، مطيعون لله بالطبع، وإن اقترفوا كل آثام الأرض، دون الشرك الذي تريدون لهم أن يظلوا تحت حكمه. وإنما الأمر في ضبط إعلان دولة " لا إله إلا الله"، وتحديد مفهوم تطبيق الشريعة، متى وكيف، وهو أمر آخر أبينه لم بعد. لكن هذا القدر من إقامة دولة " لا إله إلا الله"، لا فصال فيه ولا تراجع عنه، ولا دين بغيره.

      ماذا فعلتم بأغلبيتكم؟ ماذا استفاد الشعب من إعطائكم أصواته؟ أتحسبون أن فراركم من الزحف الحقيقيّ، وصمودكم في الزحف الورقيّ، سيكون لكم شفيعاً عند الله؟ أتحسبون أن ترككم للمجلس العسكريّ يتحكم في كلّ مفاصل الدولة، مع رئيس علمانيّ ماسونيّ، مع دستور "توافقيّ (شركيّ)، سيأتي بأي خيرٍ لهذا الشعب؟ أتستغلون ما عليه العوام من ضعف في التصوّر وقلة في العلم، لتنصحونهم بما فيه خراب دينهم، ومن ثم خراب دنياهم؟ يشهد الله أنكم تاركين لحكم الله عمداً مع القدرة على تغيير الواقع، الذي غيره أمامكم حفنة من الشباب بدأت بمائة وخمسين فرداً، لكنكم لستم على دينٍ يقيم دولة " لا إله إلا الله"، بل على دين التخليط والتوافق والشركة.

      هذا هو ما سنجنيه من حكم الأغلبية، التي ستجر على شعبنا المسلم شرّ البلية.