فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      عداء الإسلام وعبرة التاريخ

      لا بد للباحث في أمر البشر والحضارات أن ينظر إلى التاريخ، قديمه وحديثه، ليربط بين الظواهر المتشابهة وينظمها في منظومة واحدة ثم يستبط منها قانونا إجتماعياً عاماً، وينظر إلى الظواهر المتباينة ليعرف سبب تباينها في الأسباب والنتائج، ويؤكد من خلال التباين قانون التوافق ومن ملامح الإختلاف معالم الإتفاق، ثم ليأخذ العبرة من هذه الظواهر وتلك لتعينه وقومه على فهم ماضيهم وإنارة حاضرهم وبناء مستقبلهم.

      وقد أمضّتني تلك الأحداث المتتالية المتسارعة منذ أحداث سبتمبر 2001 إلى غزو العراق وأفغانستان، ثم ما جاء إثرها من سيطرة أمريكية شبه تامة على مصائر العالم الإسلامي خاصة، ومحاولة السيطرة على بقية العالم عامة.

      وكان أن عدت إلى التاريخ الحديث منذ بدايات القرن العشرين، وسرت مع أحداثه سيراً بطيئاً أستلهمها معنى يهدي في هذا الواقع المتسارع بالشرّ. ثم كان أن تفطنت لأمر أحسبه يلقي ضوءاً على بعض الأحداث الحاضرة، وإن إحتاج إلى نظر المؤرخين والباحثين لتقويته بالدليل وترسيخه بالبرهان، إذ إن الظواهر الإجتماعية كما ذكرنا تحتاج إلى مبررات الربط بينها، ودور المفكر أن يستنبط الظاهرة ثم يتركها للباحث المتخصص يصوغ منها القانون الإجتماعيّ ويدعمه بالبرهان والدليل.

      وتلك الظاهرة تتعلق بالهجوم على الإسلام في العصر الحديث، فإن الباحث يعلم أن السبب الرئيس وراء الحرب العالمية الأولى كان هو القضاء على الخلافة الإسلامية عام 1922 وتقسيم تركتها ومن ثم القضاء على الإسلام كقوة مؤثرة في العالم تمهيداً لإنهاء وجوده على الأرض – أو هكذا مكروا. وبعد إنتهاء الحرب بثمانية أعوام، في عام 1930 تحديداً، وقع الغرب فريسة االركود الإقتصادي الهائل "The great depression" الذي أكل الأخضر واليابس، ثم في عام 2001، وهو العام الذي دبّرت فيه القوى الصليبيّة بقيادة بوش ذلك الهجوم العام على الإسلام فاحتلت العراق وأفغانستان، وأقامت القواعد في بلاد العرب شرقاً وغرباً وهددت مصر واستذلت السودان. ثم، إذا بالإقتصاد الأمريكيّ، بعد سبعة اعوام وبقدرة قادر، يجد نفسه على شفا جرف هار، كأقرب ما يكون من ذلك الركود الجارف الذي وقع في الثلاثينيات من القرن الماضي! إنهارت سوق الأموال وكاد أن يتوقف التعامل في البورصة، وفقد المستهلك الثقة في الوضع الإقتصاديّ مما جعلها دائرة مفرغة تنذر بالثبور.

      كذلك فإن الحرب العالمية الأولي قد خلّفت من ورائها أشلاء قوة عظمي هي بريطانيا "العظمى"، وبشّرت ببزوغ قوى جديدة في الشرق وهي روسيا وفي الغرب وهي الولايات المتحدة. وفي الحرب العالمية الجديدة على الإسلام، فإن أشلاء الإمبراطورية الأمريكية قد بدأت تتناثر وإن لم يظهر بعد من سيخلفها على عرش القوى العظمى.

      ولوقال قائل إن الإنهيار الإقتصادي سببه الحروب وكلفتها، قلنا، ولِمَ لَمْ يحدث هذا في أعقاب الحرب العالمية الثانية، بل حدث العكس إذ إزدهر الإقتصاد العالميّ نتيجة الحاجة إلى بناء ما دمرته الحرب، ومرّ نصف قرن من الإزدهار والتقدم التكنولوجي حتى تولي بوش وقاد المعركة ضد الإسلام. ولو قال آخر أن العدوان الثلاثي على مصر لم يعقبه مثل تلك النتائج التي ذكرتها، قلنا لإنما ذلك يؤكد ما لاحظنا من أنّ الهجمة العامة على الإسلام رغبة في استئصاله هي التي يتعلق بها مثل هذه النتيجة التي تكررت تكرراً متطابقاً في قرن واحد، والعدوان الثلاثي لم يكن يستهدف استئصال الإسلام، ولكن كان يهدف إلى اضعاف أهله واستمرار السيطرة الغربية على مقدرات الشعب المصري المتمثلة في القناة، وتعزيز التواجد الصهيوني في المنطقة.

      ولا أريد أن أبرر تلك الظاهرة بالبعد الغيبيّ وحده وإن كانت يد الله تعمل من وراء الحجب لنصرة دينه، ولكن لا شكّ أن الحرب العالمية الأولى نشبت لغرض عدائي وضيع مضادٍ لسنن الله في الكون، ومعاداة لمناهجه، كذلك كان الهجوم الظالم على العالم الإسلاميّ إلى درجة أن تطاول الغرب على مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم جهرة ودون مواربة، هجوماً طالماً سفاحاً لا تسانده سنة من سنن الله في الأرض. والظلم والعدوان يعملان ضدّ الظالم والمعتدى دون أن يدرى، كما قال تعالى "وأملى لهم إن كيدى متين".

      على كلّ حال، هي ظاهرة لا شك فيها، تحتاج إلى النظر والتدقيق والتحقيق، أدعها بين أيدى مؤرخينا وباحثينا علهم يهدونا بها سبيلاً.