فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      الإقتصاد الربوي في الميزان: من الخاسر الحقيقي؟

      أجمع خبراء الإقتصاد العالميّ أنّ الأزمة المالية العالمية الحالية تعتبر من أشد الأزمات عنفاً في العقود الأخيرة، ولا يكاد يجاوزها إلا الإنهيار الأقتصادي في الثلاثينيات من القرن المنصرم.

      ولا شك أن العالم بأسره سيتأثر بهذه الأزمة وسيكون لها ما يتبعها من آثار على الوضع السياسيّ والإجتماعيّ في العالم الغربيّ والشرقيّ على السواء.

      أمران تجدر الإشارة اليهما في هذا الصدد، أولهما دور الولايات المتحدة في هذا الوضع المالي المنهار. وتتلخص هذه المسؤلية في نقطتين، تلك السياسة المالية المتسيبة التي تبنتها إدارة بوش في سنواته الثمانية العجاف، والتي تركت الحبل على غاربه للمؤسسات المالية العملاقة والبنوك وشركات التأمين بلا ضوابط مالية تحدد مسؤلياتها تجاه المستهلك وتقيّد حريتها المطلقة في تحديد الفائدة رفعاً وخفضاً وفي حجم وضوابط الإقراض للمستهلك الأمر الذي مما جعله يرزح تحت ديون ساحقة عجز أخيراً عن تأديتها، وساعد على ذلك النمط المعيشيّ الأمريكيّ الذي يعتمد على الإستهلاك والإقراض دون حدود، والذي جعل الإدارة الأمريكية مؤخراّ تطبع الدولارات لمواجهة التضخم دون أن يكون لها رصيد حقيقيّ يغطيها من الذهب. والنقطة الأخرى هي تلك الحروب التي شنتها الولايات المتحدة على العالم الإسلاميّ تحت ذريعة الإرهاب تارة وتحت ذريعة نشر الديموقراطية تارة أخرى! والجانب الأخلاقي المعيب الذي تنضح به مبررات هذه الحروب ليس هو الأمر الذي يهمنا في هذا السياق، وإن كان سبباً لكل تداعياتها الأخرى، ولكن حقيقة أنّ الإدارة الأمريكية قد حمّلت الإقتصاد الأمريكيّ التهاوى ما يزيد على 559 بليوناً من الدولارات حتى لحظة كتابة هذه السطور. وهو ما يخفض من السيولة المتاحة في المؤسسات المالية ويقلل من قدرة الحكومة على مدّ يد العون لدافع الضرائب الذي وقع بين مطرقة الديون الإقتراضية التي زينتها له شياطين الإعلانات ليلا ونهاراً وبين سندان الضرائب الني تصرفها الحكومة على الجيوش المتناثرة في أنحاء العالم الإسلاميّ، والتي لم يكن لها أثر إلا في إرتفاع سعر البترول في الغرب لمستوي لم يصل اليه من قبل حتى يوم أن وقف الملك فيصل رحمه الله تعالى وقفته الشهيرة ضد الغرب وقطع عنه إمدادات البترول!

      والأمر الآخر الذي نعزو اليه هذا الإنهيار هو الشكل الربوى الذي أنشأته القوى اليهودية للنظام المالي العالميّ والذي تبناه الغرب دون قيد أو شرط. فإن هذا النظام الربوي يقوم على إقراض المستهلك المال بفائدة محددة ليشترى به المستهلك السلع التي يريدها أو يقيم بها مشروعا، ويكون مديوناً للبنوك بالمال إضافة إلى فائدته بغض النظر عن قيمة السلع التي إشتراها أو نجاح المشروع الذي أنشأه. فالعقد الربوي يقوم على مبدأ الدين لا مبدأ المشاركة. وحين إنهار الإئتمان السكنيّ في الولايات المتحدة منذ عام أو أكثر نتيجة عجز المقترض عن سداد أصل القرض فضلاّ عن فوائده، فماذا كان موقف الإقتصاد الربوي من هذا العجز؟ لم يكن إلا أن البنوك والمؤسسات المالية حجزت على المساكن والمشروعات والسلع، وباعتها بأبخس الأسعار. وكان أن خسر الطرفان المعنيان في ظلّ هذا النظام الربويّ، خسرت المؤسسات المالية إنْ لم تعوَض المبيعات قيمة القروض الأصلية، ولكنّ الخاسر الأكبر هو المقترض الذي خسر دفعاته من الفائدة وما دفعة مقدماّ من قيمة القرض، فكانت خسارته مضاعفة. ولو كان النظام الإقتصادي العالميّ يقوم على مبدأ الشراكة الذي يعتمده الإقتصاد الإسلاميّ لكانت خسارة المستهلك أقلّ إذ يكون له حقّ بنسبة شراكته في قيمة الأصول المباعة.

      وكعادة إدارة بوش التي تعمل لصالح اليهود الذين يمتلكون معظم هذه المؤسسات المالية المنهارة، فإن "خطة الإنقاذ" التي قدمتها كانت لصالح تلك المؤسسات دون أي إعتبار للمواطن الأمريكيّ المتضرر، لذلك رفضها مجلس النواب الأمريكيّ الذي فاض الكيل بأقليته التي لا تدين بولاء كامل لليهود فرفضوا تمويل المؤسسات اليهودية بما لا يفيد المستهلك الأمريكيّ بشروى نقير. وهو ما حدا بالإدارة أن تقدم عدداً من المقترحات لمساعدة المستهلك بدرجة محدودة لضمان تمرير الصفقة التي يذهب بموجبها ثلاثة أرباع ترليون دولار إلى جيوب المساهمين الأكبار في تلك المؤسسات الخاسرة.

      إقتصاد ربوى ظالم، وصهيونية عاتية مسيطرة، وسلاح رهيب مدمر، وإدارة عميلة لا ذمة لها ولا ضمير، والنتيجة هي ما نراه من الإنهيار الماليّ والخلقيّ العالميّ، وارتفاع أسعار الغذاء والوقود، وإنتشار الحروب والقتل، وعودة الحرب الباردة بين الشرق والغرب التي لا يستفيد منها إلا أباطرة سوق السلاح، فهل من مدّكر؟

      د.طارق عبد الحليم

      عن جريدة المصريون عدد الجمعة 3 أكتوبر 2009

      http://www.almesryoon.com/ShowDetailsC.asp?NewID=54595&Page=1&Part=11