الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
أدين بالفضلِ قي هذا المقال إلى أحد القراء الألمعيين، الذي لفت انتباهي إلى أمر بشأن الأحداث الدائرة على الساحة المصرية، بعد قراءته لمقالنا الأخير. وقد سبق أن ألمحت إلى هذا الأمر منذ شهورٍ، لكن تتابع الأحداث يلهى المرء، ويشتت الفكر. هذا الأمر هو، ماذا الذي يجرى وراء الكواليس بين العسكر وبين قيادات الإخوان على وجه التحديد؟ (انظر مقالنا بتاريخ 4 أكتوبر، بعنوان زواج الإخوان بالعسكري باطلhttp://www.tariqabdelhaleem.com/new/Artical-25560 )
ليس من قبيل المُصادفة أن يَتخاذل الإخوان هذا التَخاذل الذي يصِل إلى دَرجة الخِيانة والعِمالة، والتي عَرفها عنهم الآن كلً مُنصفٍ، قارئ للأحداث بعقل متحرر، إلا من عميت بصيرته بالتقليد الأعمى. وقد استمر هذا التخاذل، من أول أيام الثورة المُبكرة، ايام عمر سليمان، بعد اجتمعوا به رسمياً، ثم جاءت تمثيلية انسحابهم الرسميّ، بعد أن عقدوا معه إتفاقية "كامب سليمان". وتتالت بعد ذلك مواقفهم التراجعية، ورفضهم المُشاركة في أية مليونياتٍ إلا إن تأكدوا أنها ستنتهى بنهاية يومها، ومن ثم، لن يكون لها تأثيرٌ على الأحداث، ورفضهم النصرة لكاميليا وأخواتها، أو أيّ من الشهداء أو المعتقلين حتى يوم الناس هذا. ثم يأتي موضوع مقابلاتهم مع السفيرة الأمريكية ثم جون كيرى، وهو ما ظَهر رسمياً على السّطح، لكن هذه النوعية من المُقابلات، سواءاً مع مجلس العسكر من المرتدين، أو الأمريكان من الكفار الأصليين، يحدث بطريقة غير رسمية في أوقاتٍ وأماكن لا يعلمها إلا الله.
هذه المَظاهر كلها تنبؤ عن خيانة حدثت. وهذا قدرٌ لا شك فيه. لكن أسبابها ونتائجها هي ما يجب الوقوف عليه وقراءته ما أمكن، إذ هو يتعلق بمصير أمة، خّدعت بالديكتاتورية العسكرية عقوداً، وها هي على وشك أن تُخدع بها مرة ثانية بواسطة نفس العسكرية الكافرة، لكن هذه المرة، بالتنسيق مع الإخوان الخائنين.
ما حدث في 1952 من أحداث، يتلخص، بكلماتٍ محدودة، في أنّ الإخوان عقدوا صفقة مع عبد الناصر، ثم بالطبع، خدعهم عبد الناصر، ولمّا أرادوا أن يقفوا في وجهه نتيجة هذه الخديعة، شَرَّدَ بهم من خلفهم، هو ومن جاء بعده إلى 25 يناير 2011. وكان من جراء هذا، كما ذكرنا، أن ارتأت القيادة الإخوانية، في مواجهة هذه الهَبّة الشعبية، أن تتلافي ما حدث قبلاً في 1952، حيث لم تضع ثِقتها في الشّعب وقدرته على الإنتصار ضد العسكر، فكان أن اتفقت مع كفار الجيش الذين يعرفون توجه الشعب المصري المتدين،. وما كان إلا أن عَقدت الصَفقة مبكراً معهم على أساس:
- أن تُلجّم الإخوان أبناءها، وتمنع من أي خروجٍ غير مدروس ومُحدّد العواقب، مهما كان الأمر.
- أن تضمن العَسكر إجراء إنتخابات صحيحة، يفوز فيها الإخوان، فيحسن هذا الأمر صورة العسكر، أنهم يريدون الديموقراطية، ويضمن غالبية المجلس لنواب الإخوان.
- الإتفاق على مَعالم الدّستور، بحيث ألا يجرى فيه تعديل عدا هذه المَادة الثانية التي لا معنى لها. وعلى أن يوافقوا على تشكيل مجلس أمن قوميّ يكون تحت سيطرة العسكر، فتظل قبضتهم على ميزانيتهم المنهوبة من قوت الشعب خارج أيّ تساؤل أو محاسبة.
- عدم المعارضة الحقيقية لأي تصرفاتٍ تقوم بها الشُرطة أو العَسْكر، إلا من قبيل حفظ ماء الوجه، إن كان لديهم بقية من حياة، فيشجبون، أو يكالبون بالتحقيق، أو ما شابه، إلى أن تمر الأزمة، عير عابئين بدماء تُهدر أو أعراض تُسفك.
- أن يستغل الإخوان البعد الدينيّ للوقوف في وجه العلمانية، التي عرف العَسكر أن لا شعبية لها على الأرض، فألقاها كالعظمة النجسة، لصالح من بيدهم الأغلبية، طالما عندهم الإستعداد للتواطئ والخيانة.
- أن يضمن خونة الإخوان مصالح إسرائيل والغرب، وأن لا يكون لهم أيّ بصمة في السياسة الخارجية إلا بعد موافقة العسكر.
- أن يقاوم الإخوان أي تغيير في مَعالم الصَفقة التي تمت مع العسكر. ولهذا رفضوا المقترح المنطقي الأخير بنقل السلطة في 25 يناير، وانتخاب رئيس في فبراير، وأصرّوا على تَرك السلطة بيد العسكر أطول مدة ممكنة. ولهذا لم يكن هؤلاء الخونة من السُّعداء بما فعل حازم أبو اسماعيل من إجبارالعسكر على تقديم موعد تسليم السلطة عاماً كاملاً، ولو على الورق.
- أن يضمن الإخوان سلامة رموز النظام السابق، وعدم المساس برؤوس العسكر، وحمايتهم من أية مساءلة، تحت أي ظرفٍ من الظروف.
هذا هو السيناريو الذي نرى تفصيلاته تتوالى على الأرض، من واقع تصرّفات خونة الإخوان. وهو ما دعانا إلى التشكيك في صحة التصويت لنوابهم، إذ هم أكبر عملاء النظام السابق في الوقت الحاليّ، أو كما أسميناهم "الفلول الدينية".
هذه القيادات الإخوانية هم الخونة الأصلاء على مسرح الحياة السياسية المصرية اليوم.
ثم، أتى السلفيون، بما يحملوا من سذاجة سياسية وبلاهة فكريةٍ من ناحية، وتصّورٍ إرجائيّ بِدعيّ في حق وليّ الأمر من ناحية أخرى، فرأوا ما يحدث، ولم يَجدوا مِثالاً يَحتذوه إلا الإخوان، فراحوا يتسابقون في تقديم التنازلات واحدة بعد الأخرى، يتسابقون في تقديم ولائهم للجيش، ولو تركوا دينهم بالكلية. وأكاد أجزم أنهم لا يعرفون حقيقة الصفقة العسكرية-الإخوانية، إنما هم يقلدون الإخوان خطوة خطوة، ويحاولون أن يسبقوهم في سباق التنازلات، عَلّهم يكون لهم حظوة أكبر عند أسيادهم العسكر. لكن الأمر أنّ الإخوان سبقوهم بهذه الصفقة، التي ستدمغ تاريخهم بوصمة الخيانة العظمى لله وللدين وللوطن، ما كانت هناك جماعة تسمى الإخوان.
مشايخ السلفيات إذن، وأذنابهم ممن على رأس حزبهم، هم الخونة بالتبعية على مسرح الحياة السياسية المصرية اليوم.
خان الإخوان خيانة أصيلة وأصلية، ثم تبعهم السّلفيون، بخيانتهم الفَرعية التَابعة. فحطم الفريقان كلّ سببٍ لإحترامهم، وآذوا دين الله بما ألحقوا به من العار، ولمّا تحدثوا باسمه، وما هم إلا مجموعة من الخَونة الأشقياء.
أبرَم الإخوان إتفاقية أقرب ما تكون من إتفاقية "كامب داود" المُخزية، وباعوا مستقبل مصر في إتفاقهم مع النظام في "كامب عمر سليمان".
على شعب مصر أن ينهَضَ لنفسه، وأن يعرف مدى خيانة هذه التجمّعات التي اكتسبت شرعية في وقت أسهل ما يكون أن تُكتَسب فيه الشرعية، وأنت مُبعدٌ عن التعامل الحقيقيّ مع الواقع، لا ينتظر منك أحدٌ إلا الشعارات، أو ترديد الأحاديث والآيات، يجذب بها العوام، ويغيّب بها عقول الأتباع من الشباب المسكين المُقلد، فيقوا في مصيدة الخيانة من حيث لا يشعرون. فلما جاء وقت التمحيص سقطوا وانزلقوا، وطهر معدنهم الحقيقيّ، صاج لا حديد.
أَسقطهم يا شعب مصر في المرحلة القادمة، فهم ليسوا لكم بممثلين، بل هم لشياطين مبارك مُعينين وموالين.
اللهم عليك بالخائنين أيا كانوا، خَرّب عليهم مُخططهم وصفقاتهم، واكشف أمرهم، واهتك سرّهم، وولّى أمرنا خيارنا لا خائنينا، إنك نعم المولى ونعم النصير.