فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      ما الفارقُ .. بين العِلمانيين والإسلاميين؟

      الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      تعلّمنا، في علمِ الهَندسة قديماً، أن طَرفيّ الخَط المُستقيم لا يلتقيان، إذ بَينهما مائة وثمانون دَرجة، فكلٌ يتجه إلى وجهةٍ خلاف الآخر. وتَعَلّمنا في الدّين، أن العِلمانية، التي هي إنكار دور الدين في حياة الناس، والتي هي كُفرٌ مَحض، تتعارض مع الإسلام على مائة وثمانين درجة، لا يلتقيان.

      لكن حين نتأمّل الصورة التي عليها الطَرفان المَتناحران في السّاحة السياسية المِصرية، وهم "الإسلاميون" (مع التجاوز في هذا المصطلح)، والعلمانيون (مع التجاوز في المصطلح كذلك)، نرى عجباً من العجب. نرى أن الإسلاميين يقتربون من العلمانية، بل ويتجاوزونها في مخالفة الإسلام في بعض ما يفرِضْه الإسلام على الناس، كالسعي إلى الحرية والحس والكرامة.

      وإذا سَلّمنا أن إنتخابَ مُرشحٍ لا يقوم على تقواه الشّخصيّة، بل على مدى ما يحمل من إخلاصٍ لطلباتِ الناخبين، بل وأكثر منها وأقرب إلى الأيديولوجية الإسلامية، فإنّ الأمر يصبح قريباً جداً بين العِلمانيين والإسلاميين، بما لا يَدع الأغلبية "الإسلامية"، مُبرّرة في الفوزِ، إلا بالجهلِ العَاميّ بحقيقة الإسلام.

      ففي القضية الرئيسية التي تفصِل الطَرفين، والتي هي المِحك الذي على أساسه ينتخب النَاس الإسلاميين، وهي قضية تطبيق الشَريعة، نجد أن الطَرف "الإسلاميّ" قد بات أقرب ما يكون من الطرف العلمانيّ، الذي، والحق يقال، لم يبذل أي جهدٍ في التنازل والتقارب من الخصم. فقد صرح "الإسلاميون"، إخوانٌ وسلفيون، أن تطبيق الشرع لا يجب فرضه، لا اليوم ولا غداً، بل هو إلزام أخلاقي بين المرء وربه. ففي المجال الإجتماعيّ فإن بيع الخمور، والعهر السياحيّ والإعلامي سيستمر كما هو، إذ هو إلزامٌ أخلاقي. وعلى الجانب السياسيّ صَرّحوا بأنّهم يتعهدوا بإحترام كافة "المعاهدات الدولية"، أي بكلماتٍ أخر، يرضون بمعاهدة الخزي الصهيونية، وما هو تابع لها من التزاماتٍ في الحد من التسليح ومصادره ونوعيته، والتدريب وخلاف ذلك، بل وبعضهم بدأ بالفعل الترتيبات اللازمة للتعاون مع الأمريكان. وفي المجال الإقتصاديّ، فقد صرحوا بأن النظام البنكي سيظل يرعى الفوائد الربوية، جنباً إلى جنبٍ مع البنوك الإسلامية. بل إن منهم من ذهب أبعد من ذلك بأن صَرّح بموافَقتِه على رئيس جُمهورية قبطيّ! بل إنّ منهم من صرح بأنه لن ينتخب رئيس جمهورية إسلاميّ!

      ثم إن السلفيين، على وجه الخُصوص، يَعملون بتناغمٍ كامل مع المجلس الكُفري العسكريّ، يقدرونه ويحترمونه ويقدسونه، كوليّ أمرٍ مُطاع!، وبالتالي فهم، كفلول دينية، أسوأ حالاً من الفلول العلمانية. ولعلكم شَاهدتم ذلك المُدّعى خالد عبد الله، على قناة الناس، وهو يهزأ بمن يهاجم المجلس العسكريّ الكفريّ، ويفخر بمحبته للعسكر وولائه لهم "وأكد أن الإعلام الليبرالى يَختزِل أحداث القَصر العَينى فى مَشهد الفتاة المسحولة وفتاة النقاب متجاهلا الفيديوهات التى تُوضّح وجود البَلطجية والحَشيش." ، "ووصف عبدالله شباب الفيس بوك قائلا "هل دولة الفيس بوك التى يتصرف فيها بعض الشباب منهم مغفل ومش فاهم وقفاز عنده اجندات وشواذ، هى التى ستتحكم فى مصير مصر؟". ثم انظر قول ذلك النكرة المبتدع الآخر يسرى حماد، بحزب النور العَسكريّ، رَداً على مبادرة من عِصام سلطان لضمان تسليم السلطة مقابل الخروج الآمن لكلاب العسكر "وأوضح أن أسلوب عرض المبادرة مرفوض لكون مَن طرحها يتصور أنه يمتلك محاسبة قيادات المجلس العسكري، وهذا أمر مرفوض بحسب قوله، مطالبا باحترام الجيش المصري الذي حمى ثورة 25 يناير" بوابة الوفد الاليكترونية ، عاكساً بذلك وجهة نظر هؤلاء المتسَلّفين، حَشرهم الله جميعا مع من يوالون من العسكر، آمين.

      والسؤال الذي نطرحه الآن هو ما الفارق بين الإسلاميين والعِلمانيين، في إدارة البلاد؟ لماذا نوجب على الناخب أن ينتخب "إسلاميّا" ولا ينتخب علمانياً؟ علماً بأن العلمانيين أكثر ذكاءاً، وأبعد خبرة وأوضح سبيلاً من هؤلاء بما لا يخالف فيه أحد. ولعلنا نرى تلك التحالفات بين الأحزاب "الإسلامية"، بعضها ضد بعضٍ، مع العلمانيين، خاصة على قوائم الأفراد. فما الذي يمكن أن يكون ميزة لإسلامي على علمانيّ؟

      إن الموقف الذي اتخذته الإخوان في معالجة الوضع القائم، لم يبرره أحدٌ منهم، لا شرعياً ولا سياسياً. وأسأل من يدافع عن هؤلاء: هل صَرّح أحدٌ من قادةِ هذه الجَماعة بأيّ دليلٍ شرعيّ على ما يفعلون؟ وعلى أيّة أصولٍ قراراتِهم يبنون؟ هل يكفى، أيها المؤيدون حُسن الظن، وتاريخ الإعتقال ليكون الفعل شَرعِياً مَرعياً؟ لم نسمع والله بهذا في السلف الأول! وبما أنه لا تبرير لما يفعلون مما هو بيّن خطؤه، فإننا نعرض ما نراه سبباً، بما لنا عليه قرائن ترقى بإجتماعها إلى مستوى الدليل، ألا وهو الإتفاق الجارى مع الأمريكان والعسكر، بتمرير مدة الحماية العسكرية بسلامٍ، ثم بتفعيل دستور به المادة الثانية التي لا معنى لها إبتداءاً. وهل يُعقل أن يرفض أحدٌ يدعى الإسلام، أن يتنازل العسكر عن الحكم لرئيس مجلس الشعب، الذي هو من الإخوان أو من غيرهم كالخضيرى، لمدة شهرين، ثم تجرى انتخابات الرئاسة لإزاحة العسكر عن السلطة بأسرع وقت؟ لا، الإخوان والسلفيون يريدون أن تستمر هذه اللعبة شهوراً وربما سنيناً، وإلا فما تبريركم، إن أردتم أن تُظهروا فضلكم؟

      إن قواعد الولاء والبراء هنا، وهى المركب التوحيدي الفَاصل في إختيارات النَاخبين، قد انقلبت رأساً على عَقب. فأنت ترى أنّ العلمانيين قد والوا وعادوا على كَراهة النِظام السَابق وعلى الدعوة إلى الحُرّية، بل وقبِلوا أن يكون رئيس الجمهورية المُؤقت، تبعاً لمُبادَرتهم، هو رئيس مجلس الشَعب ولو كان "إسلامياً". في حين نرى أنّ الإسلاميين قد وقفوا بقوةٍ ووضوح إلى جانب النظام السابق، ونصروا جنوده المُعتدين، على خُطتهم المعروفة في نَصرِ الحاكم مهما كان، ومهما فعل، إلى حَدٍ يُلقى بهم في أحضان مبارك ونِظامه وكِلابه، ويجعلهم جُزءاً لا يتجزأ منه. هذا التَوجّه لا يجعل هؤلاء "الإسلاميون" مؤتَمَنين على تغيير النظام، إذ هم مجرد مَجموعة من البَبّغاوات القِردية التي تُردّد ما يقول لها أسيادها من تعليمات.

      هؤلاء الإسلاميون" ليسوا بمؤتمنين على الحُكم. هؤلاء "الإسلاميون"، والسّلفيون منهم بصفة خاصة، هم فلولٌ مُباركية، تحمى مَصالح العسكر. هؤلاء لا يؤتمنوا على كتابة الدستور، ولا تمثيل المسلمين، لا شَرْعاً ولا عقلاً وسياسة.