فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      تعليقٌ على حَاشية .. الشيخ الجليل عبد المجيد الشاذلي

      الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      في تعليق لشيخنا الفاضل العلامة عبد المجيد الشاذليّ، على موقعه، دوّنها حاشية على " مقدمة كتاب المقومات للأستاذ سيد قطب بقلم شقيقه الأستاذ محمد قطب"، http://alshazly.org، قال، أطال الله عمره

      "مناط التحاكم لا يتحقق فى حالة الاستضعاف أو عدم القدرة على إقامة شرع الله إلا بإرادة التحاكم والرضا والمتابعة, فمن كان كارها ومنكرا فلا يمكن أن يوصف بالتحاكم ولذلك كتبنا فى الرد على أهل الغلو عن لجوء الناس إلى التَحاكم لرد اعتداء أو لاستيفاء حق مع عدم الرضا والمتابعة وتحقق شرط الكره والإكراه أن هذا ليس تحاكما إلى شرع غير شرع الله .

      التكيف الشرعى لا يتكون إلا بفعل محسوس وقصد مقارن فالقصد له دور كبير فى تحقيق التكيف الشرعى والمناط الشرعى لأى وصف من الأوصاف. فالذى يشارك فى الحياة السياسية لإقامة شرع الله لا يعتبر كما يقولون منغمسا فى الكفر لتحقيق مصلحة بل هو أبعد الناس عن الكفر, وقد أخذ وضع المواجهة ولم ينسحب من الساحة ويولى أعداء الدين ظهره ويخلى لهم الساحة بانسحابه وانعزاله وتقوقعه لإبعاد الدين عن كل مجالات الحياة"

      وقد أرَدنا أن نعرض فهمنا لما أتي به الشيخ الجليل، إعانة منا على زيادة الإيضاح، في موضعٍ يتحتم فيه الإيضاح، لما نحن فيه اليوم من ضروب العَمى وغيابات التخبط، وتجرءاً منا على ما دوّن الشيخ، عشماً في سماحته، وعلماً بحبه لقولة الحق، كماعرفناه في الأربعين عاماً السالفة.

      وما أريد أن أسارع بإيضاحه هنا أن ما قرره الشيخ هنا صحيح، ولكنه ليس على إطلاقه، كما سنبين.

      المشاركة في الحياة العامة، ومن أشكالها الحياة السياسية، وإن كان لهذه الأخيرة وضعها الخاص كما سنبين، في ظل حكم كفريّ، تقع على مستويين، وتكون لغرضين مختلفين. أما المستويان، فهما الفرد والجماعة، وأما الغرضان، فهما جلب المصلحة أو درأ الفسدة، وليس حكمهما واحداً كما يُظن لأول وهلة، فيتكون لنا هنا أربعة أوجه محتملة للمسألة، سنعالجها على كلّ شق منها.

      أما عن الفرد، فإنه من الثابت أنه إذا تعرض لمفسدة في نفسه أو عياله أو ماله، فهو مأذون له، بل مأجور، على دفعها، ومحاولة التصدى لها، سواء وقعت في ظل حُكمٍ كافرٍ أو إسلامي، ومثاله ما في حق المقيمين في بلاد الغرب النصراني، من اللجوء لمحاكم المشركين إن اعتدى عليهم أحدٌ في مال أو نفس أو عرض، لدرء مفسدة العدوان.

      أما عن الجماعة، فالأمر كذلك، فإن وقع سوء على جماعة المسلمين، في دولة تَحكُم بغير ما أنزل الله، وجب أن تتقدم هذه الجماعة إلى محاكم النظام، ولو كانت قوانينها كافرة، عن طريق ممثل لها كمحامٍ عنها، في كلّ الدرجات القضائية إلى أن تأتي بحقها وتدرأ عنها مفسدة ضياعه.

      ثم، في الشق الآخر، وهو الفرد، إن أراد أن يجلب مصلحة لنفسه، أو عياله، فإنه هنا يجب التفرقة بين المَصلحة المشروعة والمصلحة الممنوعة، وإن أباحتها تلك القوانين الكفرية. فما أباحه الشرع، فلا جناح على من يطلبه ويسعى له، ولو في ظلّ نظام الكفر، إذ إن الإكراه هنا متحققٌ، ولابد للناس من أن يحصلوا على ما يقيم حياتهم، وإن كانت مما لا يرضاه الشرع، ولو أباحته الوضع، حرم أن يسعى له المسلم، إلا في حالات الضرورة، التي لها أحكامها.

      ومثل ذلك في الجماعة، إذ يمكن أن تسعى من خلال نفس النظام الكفري، إلى أن تأتي بما يصلحها عن طريق السعي بالقضاء والضغوط الشعبية.

      وهو ما يعضده توجه الشيخ الجليل الشاذليّ حين تحدث في الفقرة الأولى عن الإكراه وحكم المكره.

      فإذا ذهبنا لننظر في الحياة السياسية والمشاركة فيها، وجدنا أن بينها وبين الحياة العامة، خصوصٌ وعموم. فمن ناحية، تشترك مع الحياة العامة، وإحتياجاتها، في أنها تجلب مصالحاً، وتدرأُ مفاسداً على العموم، لكن لها خصوصية أنها تضع أفراداً بعينهم، داخل التركيبة السياسية الكفرية، لجلب هذه المصالح، أو درأ تلك المفاسد. وهو ما يجعل الأمر شائكاً، وما يجعل النظر فيه يتناول الواجب والمحرم، لا من قِبَلِ المصلحة والمفسدة لا غير، بل من باب العقيدة وإيمان الفرد المشارك.

      فمن ناحيةٍ، يمكن أن يقال أن النائب البرلمانيّ، إنما هو فردٌّ معنويٌ يمثل عددا من المسلمين، يدخل في البرلمان بقصد درء المفسدة، وجلب المصلحة، فهو في ذلك كالفرد العادي في تعامله مع النظام الكفريّ.

      لكن هذا معارضٌ بعدة أمور، منها أن:

      • الفرد المشارك، لا يزال يخضع لحكم الواجب والحرام، ويجب عليه مراعاته، عقدياً، ولا يغنى عنه أنه ممثلاً لجماعة "وَكُلُّهُمْ ءَاتِيهِ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ فَرْدًا"مريم 95، ولهذا يجب الإحتراز من المُشاركة في تقنين الكُفريات، وإباحة المُحرّمات، بالتواطئ عليها، في مجلسٍ مغلوبٍ على أمره.
      • أنّ فعل الكفر، لا يَحلّ بالقصد والنية، إلا في حالة التقيّة (غير الرافضية)، والتي يُشترطُ لها الضرر الحال الغالب، وهو مدار كتاب بن تيمية "اقتضاء الصراط المستقيم"، وكتاب "الإيمان" حيث يقول رحمه الله "من قال أو فعل ما هو كفرٌ، كفر بذلك، وإن لم يقصد أن يكون كافراً، فإنه لا يقصد أحدٌ الكفر إلا ما شاء الله". إقتضاء الصراط المستقيم، فإنه رغم صَحة ما قرر الشيخ الشاذليّ من أنّ "التكيّف الشرعى لا يتكون إلا بفعل محسوس وقصد مقارن" إلا أنّ ذلك مقيدٌ، فالفعل المحسوس متوفّر الشروط في الدخول في تحليل الحرام وتحريم الحلال تشريعاً، في هذه المجالس، أما القصد، فهو مُضطربٌ بين جلب المصالح ودرأ المفاسد، أو بين الهوى الشخصيّ، أو بين الرضا والمتابعة، ولا يعلمه إلا الله، كما أنه يكون أكثر ظهوراً إن كان لدرء مفسدة واضحة، ولا يكون مرعياً بالتساوى لجلب المصالح، إذ درأ المفاسد مقدم على جلب المصالح كما هو معلوم. ومن هنا فإن القصد في هذه الأمور لا يجب أن يكون "له دور كبير فى تحقيق التكيّف الشرعى" كما ذكر الشيخ، في هذا المقام بالذات، لكنه صحيحٌ على إطلاقه فيما يتعلق بالأعمال غير الكفرية، كما في الأحوال الأربعة لصحة أو بطلان العمل مع القصد، التي أوضحها الشاطبيّ في الموافقات. وإنما يكون هذا التداخل في النِيّة والتشويش في القصد هو الذي يدرأ التكفير العَينيّ، لا أن يُحلّ الفعل إبتداءاً. وهو ما كان عليه قولنا، وقول الشيخ حفظه الله من قبل، من تحريم المشاركة السياسية في مجالس الكفر، وهو محصلة ما بينه سيد قطب رحمه الله، لكن مع درأ الحدّ بالشبهة، التي هي تَميّع القصد، وعدم تحرير مناط الكفر. وهذا الذي قلنا هو مقتضى منهج السَلف في عدم الدخول في الأعمال التشريعية التكفيرية، مع الحِفاظ على مَظاهرِ الحياة العامة مَكفولة قدر الطاقة. وقد أوضح الشيخ الشاذلي هذا المعنى من قبل في الفرق بين التشريع والتطبيق، وبنى عليه فتوى التحريم السابقة، كما فعلنا نحن في نفس الأمر، وهو ما لم نتراجع عنه، لإيماننا بصحته مطلقاً. وهذا الذي استشهدنا به أصولٌ ثابتات لا يصح العدول عنها بحالٍ.
      • وإن كانت النقطة السابقة قد حَسمت الأمر في هذا القول، إلا إنه كذلك يمكن أن يقال أن المصلحة العامة، يجب أن تكون متحققة الوقوع، أو غالبة على الظن، وكذلك درأ المفسدة، في حالة الإشتراك، وهو ليس الحال كما رأينا في العقود السابقة. بل هؤلاء المشاركون يكوراً ديموقراطياً، وأداة طيّعة ولعبة في يد السُلطة الكافرة، وهو ما يُؤجل تحقيق الخُروج على الكفر حقيقة، إذ يميت الحاجة اليه ظاهراً، ويجعل الركون إلى الظلم مبرراً، ومن هنا لا يمكن أن نصف الحَذِرُ في هذا الإشتراك بأنه " ينسحب من الساحة ويولى أعداء الدين ظهره ويخلى لهم الساحة بانسحابه وانعزاله وتقوقعه لإبعاد الدين عن كل مجالات الحياة"، بل إنه يتعامل مع الواقع من منظورٍ عقديّ خَالصٍ، ويترك الأتون مُؤجّجاً تحت كَراسي الطُغاة.

      لكن، لا ريب أن المناط الحاليّ، الذي لم يتشكل فيه الواقع التشريعيّ من قبل هو مناطٌ صالح لأقوال الشيخ عبد المجيد، إذ إلى يومنا هذا، لم يتحقق تكوين برلمانٍ إبتداءاً، بله أن يكون كُفرياً عِلمانياً. ومن هنا فقد رأينا المشاركة الحالية في الإنتخاب، من باب المُعاونة على منع أن يكون البرلمان علمانياً، وردّ الصائل العلمانيّ، وإن شَكَكنا في هذا الأمر على أرض الواقع، لما نرى من عزم مَجلس العسكر من ناحية، ومن تَخاذل من إئتمنهم الشعب على دينه من نوابٍ، من ناحية أخرىن ولم نتخذ مذهب من حسم الأمر سلفاً كالشنقيطيّ وغيره، وأفتى فيما لا يزال في علم الغيب مطوياً.

      وقد انتهجت فيما أبديت فيه الرأي سابقاً منهج إنتظار ما يقع من حوادث، قبل أن أعمم قولاً أو أنتصر لرأئ قد تثبت الأيام خطأه، كما ذكرت في تكوين الأحزاب.

      أما الإنسحاب من الساحة، وإخلاؤها للعدو، والتقوقع، فهو أمر مربوط بالمناط، فإن كانت الساحةٌ كفرية كفر تشريع، فإن إخلائها واجبٌ على المسلم، وهناك ساحة الدعوة مفتوحة، وساحة الجمعيات الأهلية مفتوحة، وغيرها مما يقوم مقامها، أما عن التقوقع، فكذلك، وإن كان التقوقع شراً على كل حال، إذ لا يثمر إلا غلواً أو انهزاماً. لكن ساحة الخروج والمقاومة الشعبية الجماهيرية لا تزال مفتوحة للمخلصين من أهل هذا الدين. فإن سأل سائلٌ: فما العمل إن انتهت لعبة الإنتخابات، وحاز "إسلاميون" على الأغلبية، هل يجعل ذلك المجالس التشريعية والمشاركة السياسية حلالا؟ قلنا، يتوقف الأمر على الشكل التشريعيّ الذي سيخرج به الدستور، ويرسم الدور التشريعيّ للبرلمان،فإن استطاعت هذه الأغلبية "المستأنسة" أن تفرض دستوراً يُرجع الحاكمية إلى الله، ويُعطى الهَيئة التشريعية حقها في الحكم، فبها ونعمت، وإن خَرج الدستور على هوى العسكر، علمانيّ كفريّ، وجبت استقالة هذا البرلمان، والنزول إلى الشوارع مرة أخرى. وهو ما لا نراه واقعاً بناءاً على تصريحات الإستضعاف، ومظاهر الخُنوع والتسليم، بل والإصرار على أن تكون الحكومة "توافقية" (شركية)، وأن يكون الرئيس علمانياً، كما صرحت بذلك مراراً مصادر الإخوان، أغلبية البرلمان.

      ولا أحسب أن الشيخ الجليل الشاذليّ قد تَراجع عما قال مُسبقاً، كما يحسب كثير ٌممن سألوا، رغم أن التراجع إن ظهر الحق في خلاف ما ذهبنا اليه ليس بعيبٍ على الإطلاق، بل هو فضلٌ وعَدل، لكنّى أحسب كذلك أن نَصْرَ ما كانت عليه الإخوان من قبل، ليس فَضلاً ولا عَدلاً، بل هو خلافُ القواعد الشرعية الراسية، والمناهج السُنّية المُتبعة.

      والله وليّ التوفيق.