فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      عُرس الديموقراطية .. ومَأتم الحريــة!

      الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      تردد في أجهزة الإعلام والفضائيات، تعبير أشاع في نفسي اليأس من الإصلاح، والقنوط من التغيير، إلا أن يدركنا الله برحمته، وهو "أنّ مصر تعيش عُرس الديموقراطية"!

      سبحان الله العظيم، أهؤلاء بلهاءٌ معتوهون؟ أم عملاءٌ مأجورون؟ أيّ ديموقراطية يَعنون، ونحن خاضعون لحكم العسكر؟ ألا يعرفون أن وضْعنا الذي نحن فيه يسميه العقلاء من الناس، شرقاً وغرباً، "الحكم العسكريّ"؟ هل يتوازى حكمٌ عسكريّ مع الديموقراطية، حتى بمعناها الغربيّ الخليط؟ الديموقراطية، حتى بمفهومها الغربيّ، هي حكم الشعب، سِيادة الشَعب على مقدراته بنفسه، فأين هذا مما يحدث اليوم؟ العسكر متحكمون أشد ما يكون التحكم. يتلاعبون بأبناء هذا البلد، خاصتهم وعامتهم. يعلن مُلاّهم أن البرلمان لن يكون أكثر من طراطير لا سيادة له على شئ، ثم يخرج شاهينهم ليقول العكس، تلاعباً واستهزاءاً. ووالله إنهم ليضحكون سِرّاً من هؤلاء المَهابيل الذين يعتقدون أن مصر تتحرك في طريق الديموقراطية.

      رَكّبوا هذه التركيبة الشّاذة من مُتسَولي الشُهرة ومُتصيدى الفرص، وبَصمجية القرارات، وأسموهم المجلس الإستشارى، (أو على الأصح المجلس العستشاري!) وجعلوا فيهم أخابث القوم، محمد سليم العوا، الثعبان الأرقط، العلماني، شبه الإسلاميّ، الذي يتلوّن بلونِ من يَجلس على مائدته، ويتحدّث باسم من يدعوه إلى حِواره، نصير العلمانية التي يسميها مدنية، والبدعية التي يسميها وسطية، والتفلت الديني الذي يسميه التجديد، وإهدار الدين الذي يسميه المواطنة، حبيب الروافض ووليّ مكفرى الصحابة. ونجيب ساويرس نبيّ القبط الحديث، وداعية التدخل الأجنبيّ في مصر. ولا أدرى والله كيف يكون ساويرس في مجلس إستشاري لهذا المجلس العسكري اللعين، الذي يحكم مصر اليوم، وهو يستعدى الغرب علنا على غزو مصر!؟ اللهم إلا إن كان خونة المجلس العسكري على وفاق معه في هذا الأمر، لغرض في أنفسهم الخبيثة. جعلوا هذين العَقربين في ذاك المجلس العستشاريّ، ليكون الأول بديلاً عن الإتجاه الإسلاميّ السَّادر في غيـّه، الذي جعل هَمه البرلمان الطراطيريّ، والثاني ممثلاً للقبط المدعومين بالغرب، وصوتاً للصهيونية التي ليس لها ممثلاً أصيلاً.

      في هذا المَجلس العستشاريّ، تطبخ سلطات الرئيس الجديد، ليَخرُج العسكر من تحت يديه، بما في ذلك وزارة الدفاع، التي سيجعلونها خاضعة لمجلس "الأمن القومي" الكاريكاتورى القادم، حيث أن ممثلي الشعب غير مؤتمنين على قرار السلم والحرب، ويكون تعيين وزير الدفاع من اختصاص هذا المجلس الجديد، الذي يَخضعُ للمجلس العسكريّ، لا للرئيس، ومن ثم مخصصات الجيش التي تصل إلى 60% من ثروة مصر كلها. ويظل طنطاوى على رأسه، كما صَرّح منذ أسبوعين أنه لن يتقاعد (وهو في الثامنة والسبعين من عمره المشؤوم)، ثم يورثها بعد ذلك لعنان، ثم لشاهين، ولمن يأتي مَن بعدهم تباعاً. فنكون قد تحولنا من توريث مدنيّ إلى توريث عسكريّ! ونِعْم الثورة ثورتنا!!!

      أية ديموقراطية يعنيها هؤلاء السّكارى المخدوعون؟ الحرية تُقتل في مصر اليوم، قانون الطوارئ مفروضٌ بلا حدود، العسكر والشرطة يقتلون الناس في الميادين، ويعتقلون النشطاء من بيوتهم، ويدسون السم للمتظاهرين، وأمن الدولة عَاد كأشد وأشرس ما يكون، الإعلام يطبّل ويزَمِّر للعسكر، كما كان يطبل ويزَمِّر لمبارك. فأين الديموقراطية، وأين الحرية؟

      إن كنتم، يا من تروجون هذه الخزعبلات، تعنون بالديموقراطية أنّ نواباً ممن اختارهم الشعب، يجلسون على عدة مقاعدٍ في مبنى عتيق، تعوّد الناس أن يسمونه البرلمان، يعلقون بطاقات العضوية في رقابهم كتراخيص ال...، ويلعقون عرق خجلهم، ويمصّون سَبّابتهم وإبهامهم، بلا سلطة ولا اختصاص، فأنتم أولى بهذا الحكم الديكتاتوري العسكريّ الجديد.

      الحرية تغتال في وضح النهار، حرية الشعب، حرية المصريين، حرية أجيالٍ قادمة من الأبناء والأحفاد. ونحن نرقص فرحاً بتسويد ورقات الإنتخاب! مات من أبناء مصر أكثر من ألف شهيد، وجرح أكثر من عشرة آلاف، ليجلس محمد مرسي وعماد عبد الغفور وعمرو حمزاوى في مقاعد زائفة لا قيمة لها، ويعلنون أنهم لا يريدون صداماً مع الجيش طالما هم على مقاعد البرلمان. لأي غرضٍ هم جلوسٌ على تلك المقاعد؟ ألا يرون أن الحرية تغتال أمام أعينهم، بفعل هذا المجلس العسكريّ اللعين، وتآمر هؤلاء الخائنين في مجلسهم الإستشاري؟ ألا يعرف هؤلاء أن مصر على وشك أن تُجدد عهدها بالديكتاتورية العسكرية من جديد، وتدشن عصراً آخر من العبودية، تحت شكلٍ برلمانيّ ناقص التكوين، مشوه الصلاحية، ورئيس مسلوب الإرادة، لا يتحكم إلا في شؤون الزراعة وأمور التموين؟

      اليوم صورة عرسٍ وحقيقة مأتم. صورة عرسٍ يُخدّع به العوام من الناس، سواء منهم الجاهل أو المتعلم، فإن العاميّ ليس من تخرج في جامعة أو معهد، بل العاميّ من جهل ما يدور حوله، وإن تعالم. وحقيقة مأتم للحرية والكرامة والإستقلال، لا يحضره إلا الخَواص ممن أدرك حجم المأساة التي تجرى على أرض مصر.