فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      مراجعة كتاب - مقالات في الفكر والدعوة

      مراجعة كتاب - مقالات في الفكر والدعوة

      د. محمد العبدة

      نشر مكتبة الكوثر للنشر والتوزيع – الرياض.

       ظهر حديثا كتاب "مقالات في الفكر والدعوة" للأخ الشيخ الدكتور محمد العبدة. والشيخ العبدة – كما أعرفه – ممن تمرس بالدعوة ووسائلها ومناهجها، واكتوى بنارها، لعقود خلت، وهو ممن ارتوى بمناهج السلف وكتبهم واختص التاريخ بالدراسة والتعمق لما وجد فيه ما يناسب شخصيته المؤثرة للماضى بجلاله وأصوليته من ناحية، وما وجد فيه من منبع للنظر في المستقبل والإعداد له والتوغل فيه بقدم ثابتة راسخة. فإن كتب الشيخ عن الدعوة والفكر والتاريخ فحرى أن يلتفت القارئ حول ما يكتب، فهو إنما يتحدث عن مكونات نفسه ومعالم شخصيته، ومن أدرى من المرء بنفسه وشخصيته.

      والكتاب مقسّم إلى ثلاثة أقسام، يقع تحت كلّ قسم منها عدد من المقالات التي تتناول الخطوط العامة العريضة التي لا تغفل عنها العين المدربة التي تتجاوز السطح إلى الأعماق.

      ففي القسم الأول يتحدث الشيخ عن الفكر وقضاياه، فيتطرق إلى بعض المعاني التي أصابها التحوير على مرّ الزمن، فتحدّث عن التجدد ومعناه في حياة المسلم، وعن العقل والعاطفة والرابط بينهما في تكوين الشخصية المسلمة السويّة، وبيّن أن الإنحراف تجاه أحدهما دون الآخر إنما يؤدى إلى إما الخبل الصوفيّ أو الصلادة الإعتزالية الكلامية.  ثم تحدث عن مصطلح الواقعية وكيف ينحرف به البعض ليكون ستاراً لقبول الخطأ والإنحراف، وإن كانت الواقعية في تعريفها الحقيقيّ بمعنى التعامل مع الواقع بما تمليه القواعد الشرعية ومراعاة المصالح واعتبار المآلات هو عين التشريع الإسلامي. كذلك تحدث الشيخ عن أسس التفكير السليم وفتح باب الحديث عن قضية الهوية، وهو موضوع يحتاج وحده إلى مجلد كامل لتفحص جوانبه، ثم موضوع القيادة ودورها في هداية الأمة ورفعتها أو غوايتها وتدميرها، فكان في كلّ ذلك موفقاً بتوفيق الله له.

      وفي القسم الثاني تحدث الشيخ عن أمور الدعوة، فخاض في المهم الأخطر منها فتناول بالحديث الإئتلاف والإختلاف، والفرقة والجماعة وعن ظاهرة التجمع على الباطل والتفرق عن الحقّ، وهو في تحليله محقّ. ولعل أفضل ما شدّ انتباهي هو ما كتبه تحت عنوان "ماذا نريد" ص 154، والذي يعرض فيه تصوراً وإن كان أكبر من أن يتناوله فرد بحديث في مقال إلا إنه يطرح تصوراً للعمل يستحق المظر بتمعن، يقول "لماذا لا يتحول العمل الإسلامي إلى تيار شعبي الكلّ يحمل همّ الإسلام، حتى لا تبقى الدولة جسما منفصلا عن الأمة"، وهو أمر يتجاوز مفهوم الجماعات والتيارات، ويجعل الفرد المسلم في صميم المعركة مع الفساد والشرك. وبالطبع فإن الأسئلة التي يطرحها هذا التصور أكثر وأكبر بكثير من الإجابات أو الحلول التي يبشر بها، ولكمه تصور – فيما أرى – لا بديل له في واقعنا المعاصر.

      ثم يتناول الدكتور العبدة في القسم الثالث بعض القراءات في التاريخ والسياسة ويعرج على موضوع القراءة الجديدة للتاريخ فيؤكد إننا وإن كنا نردّ محاولات تخديم التاريخ للحزبية والشعوبية، إلا أن قراءة جديدة للتاريخ قد تعنى – فيما أفهم – قراءة التاريخ من جديد، في ظلّ المتغيرات الحالية لفهم الواقع في ضوء الماضى واشعاعاته.

      الكتاب جدير بالقراءة، والكاتب جدير بأن يُستمع له، وهو من فضل الله عليه وتوفيقه.