الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
التساؤل الذي يطرح نفسه الآن على الواقع المصرى اليوم، هو كيف سيكون الحكم في مصر بعد أن أخذت الإخوان الأغلبية، ومن ورائها السلفيون؟ ما الذي يتوقعه المصريون، والمسلمون، من أبناء هذا البلد من هذه الإتجاهات، التي ظهرت على الساحة نتيجة انتفاضة 25 يناير؟ أهو فارق نوعي مؤثر أم فارق دعائي محدود؟
وبطبيعة الحال، فإن الكثير من الإجوبة تتوقف على عدة أمور، أولها وأهمها كيف سيحكم العسكر إنتاج الدستور الجديد، وماذا سيؤول اليهم من قوة وسيطرة على البرلمان، حرية التشريع، وماذا سيؤول إلى رئيس الجمهورية من سلطات، يلقيها له المجلس العسكريّ، بعد أن يفرغها من محتواها.
لكن السمة الرئيسية التي أرى إنها ستسود المجلس القادم، هي المعارضة القوية والعداء الظاهر بين كتلة الإخوان، وكتلة السلفيين. والمتوقع في هذا الواقع أن يتحالف الإخوان مع الليبراليين في غالب رؤاهم ضد السلفيين، بشكل عام.
وما يهم المجتمع المصريّ عامة في هذه الحكومة المرتقبة، بعد أن يجردها العسكر من السلطة الحقيقية، هو كيف سيتعامل الجهاز التنفيذي مع الواقع المتخلف إقتصادياً وإجتماعياً. وما يهم المُسلمون منه هو كيف سيتعامل هذا المجلس التشريعي، والحكومة التي ستنبثق عنه، آجلاً، مع تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية خاصة، سواءاً في الناحية الإجتماعية، أو الناحية الإقتصادية أو السياسية.
ففي الجانب الحياتيّ البحت، فإن التوقع أن يكون هناك بعض التحسن في الأداء الحكوميّ، من ناحية أن منتسبى الإخوان "يفترض" أنهم أكثر "أمانة" وأقل فَساداً من العلمانيين، مما يؤدى إلى تحسن الخدمات، وتقليل السّرقات والمَحسوبيات. إلا أنه يجب أن نكون على علم بأن الإخوان أو غير الإخوان، ليسوا ملائكة يمشون في الأرض مطمئنين، بل سيكون هناك المحسوبية والتحايل والسرقة والرشوة، والتدليس، إذ إن هذه الأمور قد صارت جزءاً من الثقافة المصرية نتيجة ستين عاماً من المُمارسة، والتي تربى فيها منتسبى الإخوان والسلفيين كغيرهم من الناس. والأمر ليس أمر نوابٍ في البرلمان لا غير، بل هو كذلك أمر الشعب العامل الذي لم يتغير، ولم يخرج عن عاداته التي شَبّت معه في العُقود الأخيرة. ومن ثم، فإن ذلك هو التحَدى الخَطير لدى الحكام الجدد لتغيير الثقافة الهَادمة التي تسود حالياً بين أبناء الشعب المصري، وتسرى في كافة طبقاته.
أما عن الحكم الإسلاميّ، فإن الحُكام الجُدد، ليسوا أقرب اليه، فيما أرى من العلمانيين الوطنيين، إلا قليلاً. ودعنا نلقى نظرة على معنى الحكم الإسلاميّ، وصفاته لنعرف صحة أو بطلان ما أدعيت.
الحكم الإسلاميّ كما نعرفه، له مرجعيته الخاصة، التي هي أعلى من مَرجِعية الدستور ابتداءاً، وهي كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وهذه الصفة هي التي تحكم هَويّة الحاكم، إن مسلم أو علمانيّ. ثم بعد المرجعية العليا، تأتي سمات الحكم الإسلاميّ، وهي التي تنقسم إلى قسمين، السمة العامة للمجتمع، والأحكام التي تطبق على مواطنيه.
والسمة العامة للمجتمع الإسلاميّ تظهر في منظومة من القيم الإجتماعية التي تتعاون على نشرها الدعوة والتقنين. فإنه من الغريب أن يكون هناك مجتمعاً مسلماً مثلاً، يرضى ببيع الخمور جهاراً نهاراً، أو أن يصدر تراخيص مثل هذه المحلات. وغريباً أن تحمى الشرطة "الإسلامية" ملاهي الدعارة وشواطئ العري. وغريبٌ أن يرخص بأفلامٍ تنشر الجنس المباح والشذوذ المتاح، وتمر على الرقابة "الإسلامية" دون اعتراض. هذه سماتٌ إجتماعية لا تجتمع وأي مجتمع مسلمٍ يقوده "إسلاميون"، يريدون الإسلام الصحيح.
أولئك الذين يصفهم الله كممثلين لدينه، قائمين بحقه، إن أخذوا المسؤولية وتربعوا على سدة الحكم، هم "ٱلَّذِينَ إِن مَّكَّنَّـٰهُمْ فِى ٱلْأَرْضِ أَقَامُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُا۟ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَمَرُوا۟ بِٱلْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا۟ عَنِ ٱلْمُنكَرِ" الحج 41 ، ليس هم "فَتَرَى ٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌۭ يُسَـٰرِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰٓ أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌۭ" المائدة 52، فيسارع في الإتصال بأمريكا وحلفائها، ويدخل في التحالفات العلمانية، ويرضح لحكم العسكر، خشية من الدائرة.
فإذا نظرنا إلى الإخوان، وجدناهم قد بينوا أنه لا يجب على المسلمين أن يعتمدوا عليهم في بناء حكم إسلاميّ، ولو أخذنا بالتدرج المشروع في تطبيق الأحكام الشرعية. فهم لا يؤمنون بتطبيق الأحكام الشرعية، بل بمبادئ الشريعة التي تشترك فيها مع كافة قوانين الأرض. كما أنهم يرون أن تطبيق الشريعة لا يكون إلزاما قانونياً بل أخلاقياً. يقوم به الأفراد، وليس للحاكم تقنينه، أو التدخل فيه. وأعلنوا أن العري والخمور ستظل على إباحتها تبعا لمبدأ الوسطية، كما رأينا من إسلاميو تونس والمغرب! وهم في هذا كله يرون أنها سياسة شرعية وحنكة سياسية، ولا يرون ما فيها من إثمٍ وخروج عن الشرع، ومجافاة لحكم الله ورسوله، وقرب للعلمانية وبعد عن الإسلام.
الإخوان يرون الدولة شراكة بين الإسلام والكفر، وأنهم يجب أن يفسحوا المجال للكفر، بصفته موجودٌ قائمٌ على أرض الوطن، أن يتمتع بفرض بعض أفكاره، وأن يصبغ المجتمع ببعض صبغته. وقد ذكرت من قبل أنه من اشد الخطأ أن يحسب جماعة الإخوان على أنها جماعة إسلامية، ففي هذا غبن لها وللإتجاه افسلاميّ جميعا، بل هي "جماعة وطنية" ذات مرجعية توافقية عامة، يجتمع تحت لوائها كلّ الأديان والمذاهب، فهي من هذا المنظور، ماسونية التوجه لا إسلامية المرجع. ويخطأ من ظنّ أن ليس في الماسون مسلمين مصلين، بل إن منهم جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، رائدا الإتجاه الإصلاحيّ في العصر الحديث، وهو الإتجاه الذي تنتمى اليه هذه الجماعة الوطنية شبه الماسونية الحديثة
وإذا نظرنا إلى السلفيين، وجدنا أنهم على سذاجتهم وقلة خبرتهم، فإنهم أقرب إلى تطبيق الشرع، إن ابتعدوا عن وسائل الإخوان، وكفوا عن اتخاذهم المثل الأعلى في السياسة. لكن يعيبهم ضعف رموزهم، وتخاذل مشايخهم، واستسلامهم لمن بيده السلطة، تديناً. وهي حالقة في مجال السياسة عامة، والسياسة الثورية خاصة.
الحكم الإسلامي هو تطبيق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، هو الحكم بما في كتاب الله وسنة رسوله نصاً وإجتهاداً، مع الأخذ في الإعتبار بطبيعة الواقع، وما يمكن تطبيقه مما يجب التمهيد له. وإذا قلنا بالتمهيد ، فلا ندرى كيف يمهد الإخوان للسمة الإسلامية الإجتماعية دون سنّ القوانين التى تنظم بعض المظاهر الإجتماعية، فمثلاً ترك النساء المتكشفات العاريات يدفع إلى الخنا والزنا، فكيف يتهيؤ الجو الملائم لحدّ الزنا إذا؟ لا يتهيأ، وبالنسبة للإخوان لا يهم أن يتهيأ، لنه ليس في منهاجهم تطبيق حدّ الزنا، فإن دينهم لا يدعو إلى ذلك، بل يدعو إلى أن يمتنع الناس عن الزنا إختياراً، مع انتشار العري والمثيرات الجنسية والأفلام والأغاني الخليعة!!
إذن، فإن من واجب المسلمين أن يتهيؤوا لحكم يشبه حكم الإسلام، وما هو بحكم الإسلام، بل هو حكمٌ مختلطٌ بين الإسلام والعلمانية والماسونية والقبطية، وما شئت من أديان الأرض. وليتهيأ المسلمون للصراع من أجل دينهم، مع العسكر المسيطر من وراء الكواليس، ومع الإخوان المسيطرون من أمامها.
هنا يأتي دور الشيخ حازم أبو اسماعيل وإخوانه من المجاهدين، أن لا تسقط منهم الراية، وأن لا يركنوا إلى حكم هؤلاء وكأنهم نالوا ما أرادوا، فالمعركة لم يحمى وطيسها بعد.