لا شكّ أن المعوّقات والمشكلات التي تواجهها الدعوة تكفى أمة بأسرها لتتفرّغ لحلّها، إذ تغطى هذه المشكلات مساحة واسعة في كلّ مجالات الحياة، إقتصادية وسياسية وعلمية وتربوية ونفسية وقيادية، وما شئت أن تقسّم اليه مناحي الحياة كلها. ولكن الأخطر والأهم هو ما يتعلق بالدعاة إلى الله والمصلحين من الأمة، والأخص من ذلك ما يتعلق بدوافعهم وأهدافهم، وعلاقتهم بالدعوة ومن ثم علاقتهم بالله سبحانه.
>وأرى أن الدعوة على خطر شديد حين ننظر إلى ما يجرى على ساحتها فيما يتعلق بهذا الأمر. فإنه على الرغم من صحة وسلامة دوافع الكثير من الدعاة والمصلحين الذين يريدون إصلاحاً ولا يريدون إفساداً ولا علواً في الأرض، إلا أنّ ظاهرة "الشحاذة" الدعوية والإصلاحية أصبحت تلقي كثيراً من الشك على الجهد المبذول في هذا الأمر ولا شك.
فقد تحدثّ إلى صديق من قريب عن الذهاب إلى منطقة الخليج لجلب أموال للدعوة في أحد بلاد الغرب، وهو أمر لا بأس به إلى هذا القدر، ولكنه استطرد فذكر لي كيف أنّ أحد "الدعاة" استطاع أن يؤمن $3.7 مليون دولار في أقل من اسبوع، ولا بأس بهذا حتى هذا القدر، ولكن إذ هو يعلم أن الرجل يدير مؤسسة "عائلية" فيها مدرسة ومسجد يخضع لإشرافه وتوجيهه بشكل كامل، وتصبح فيه الزوجة ناظرة، والأخ سكرتيراً عاماً والإبن مدرساً وما شاء الله كان!
إن ظاهرة المؤسسات الدينية العائلية أصبحت من المشكلات الدعوية المزمنة في الغرب، سواء منها ما قصد به الربح الماديّ أو المركز الإجتماعيّ أو كلاهما، فهو أمر تزدريه نفس المؤمن المخلص لله تعالى في عمله الدعوىّ. وقد ذكر لي الأخ أن "شحاذي" الدعوة يعرفون الطرق الرسمية للتوسل إلى هذه الأموال، وأنهم يلتقون في بلاد "المال" ويتعرفون على الخطط اللازمة لإستدراجه، ويتحسّسون من يجب أن يترصدوه وبمن يتوسلون اليه، ويصنفون أنفسهم بأن منهم "الشحاذ المبتدئ" ومنهم "الشحاذ المتوسط الخبرة" ومنهم "الشحاذ الخبير" الذي يعلم من أين تؤكل الكتف!
ثم، هؤلاء الدعاة الذين لا يعرف لهم مصدر دخل حقيقيّ ولا عمل رسميّ، ولا يتحقق لهم ربح مما كتبوا من كتب – إن كانوا ممن يكتب ابتداءاً - لعدم شعبيتها، ومنهم من يشترى بيوتاً في الخليج تتجاوز المليون دولاراً! ومنهم من يفتح أربعة بيوت لزوجاته الأربع! ومنهم من يمتلك مساكناً فاخرة في أحياء راقية في بلادهم وهم لم يعملوا عملا قطّ في حياتهم! وهذه الظاهرة تتجاوز الدعوة الدينية إلى الدعوات الإصلاحية التي تتخذ الصحافة مجالاً لها، وما أكثر شحاذي هذه الفئة.
لقد درجت على أن أوجه طلبة العلم إلى أن يفصلوا بين الدعوة إلى الله وبين مستلزمات حياتهم الشخصية، وأن السبيل إلى النجاة من شرك الشيطان هو أن لا نسير في طريقه إبتداءاً، وعلى الداعية أن يكون له عمل يتكسب منه، إما عملٌ يرتبط بالدعوة كأن يكون مدرساً أو حافظاً للقرآن وإماماً للصلاة، فيأخذ من مال المسلمين على قدر ما يعطى في هذا المجال ولا زيادة، أو أن يتكسب من أي مهنة أخرى ويجعل جهده للدعوة خالصاً لوجه الله تعالى. أما أن يتكسب "الداعية" من مال الدعوة التي استؤمن عليها ممن أعطوه اياها ووكلوه فيها كيف يشاء وأن يسبغ من فضله على أهله وأقاربه، فوالله لا أدرى ما الفرق بين هؤلاء وبين آل مبارك أو آل الأسد، ولِمَ ننحى باللائمة على الحكام والدكتاتوريين ونحن نفعل ما يفعلون ونسرق أموال العامة كما يسرقون؟
أرى أن يكون هناك تقنيناً وتقييماً للأموال التي يتصدق بها أغنياء المسلمين وللأشخاص أو المؤسسات التي تذهب إليها هذه الأموال، تقييماً يأخذ في الإعتبار تاريخ الداعية أو المؤسسة، ووضعه المالي الشخصيّ وأن تكون هناك هيئة مراجعة للكيفية التي تم بها صرف هذ الأموال بشكل دورىّ.