الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
حاولتُ أن أتجاوز موضوع تَخلّف المشايخ و"الرموز" عن أحداث التحرير، وأن تمضى بي الأحداث إلى ما يجرى على أرض الواقع من إنتخابات، وما يصاحبها وما تعنيه، لكن كلما ذهب الفكر إلى هذه الأحداث، تذكّرت القتلى الذين سقطوا، والثكلى الذين نَدبوا، والآلام التي خلفتها الأحداث، التي نشأت نتيجة خيانة العسكر، كالعادة، ونتيجة إجتهادات شابها الهوى من ناحية، وتقديم المهم على الأهم من ناحية أخرى، ورضا بالتخلف إدعاءاً للحكمة، من حيث هو في حقيقة الأمر تَخلفٌ للحكمة.
لا أدرى كيف ينسى أو يتناسى هؤلاء المَشايخ و"الرموز" دم القتلى"؟ تحت أيّ مبدأ شرعيّ، وهم الأغلبية، من أصحاب الكلمة، لو توافرت الشجاعة وتراجعت الإستكانة، يقبلون أن تمر هذه الجرائم، كما مرت ما قبلها، دون حِساب أو مُساءلة؟ كيف يتوقع هؤلاء أن يثق بهم الواعون، بعد أن نَكَصوا عن نَصرَة المَظلوم؟ يقولون لم ننسها، بل سَنطالب بها، فماذا فعلوا في عشرة أشهر فيما قبلها من دماء؟ وماذا فعلتم بشجبكم للعدوان، كما تشجب الجامعة العربية عدوان الصايهنة؟
قالوا هو فخّ للمسلمين، تجاوزناه بالحكمة، كما ادعى محمد عبد المقصود، ونقول هو فخّ للمسلمين وقعتم به لتَخَلف الحِكمة في معالجته. زعمتم أنّ هذه مؤامرة أريد بها ضَرب التيار الإسلاميّ، وأنكم قد أحبطتم هذه المؤامرة بذكائكم وفطنتكم وحكمتكم، فاستطعتم أن تدرؤا القتل عن الكثير من أبناء جماعاتكم. فهل يا ترى تعتبرون أن الآخرين، من المسلمين، ليس لهم حق في درء القتل والسَحل عنهم؟ هل دمكم أغلى من دمِ بقية خلق الله من مسلمي مصر؟ وحتى لو اعتبرنا خطأ من قال بالخروج لمساندة القتلى والجرحى يوم 19 نوفمبر، فهل يبرر هذا عدم نصرة المسلم المخطئ في إجتهاده؟ قال تعالى "وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَلَمْ يُهَاجِرُوا۟ مَا لَكُم مِّن وَلَـٰيَتِهِم مِّن شَىْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُوا۟ ۚ وَإِنِ ٱسْتَنصَرُوكُمْ فِى ٱلدِّينِ فَعَلَيْكُمُ ٱلنَّصْرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوْمٍۭ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَـٰقٌۭ ۗ" الأنفال 72. فهل يا ترى بينكم وبين العسكر ميثاقٌ، منعكم من نَصرة من أخطأ في الإجتهاد، كهؤلاء الذين تَحدّثت عنهم الآية ممن أخطأ في عدم الهجرة؟
أينما نظَرتُم، وأينما وجّهتُم، فأنتم على خطإ فيما فعلتم. وهو سبب ذلك الهجوم الشرس غير المُبرر منكم على الشيخ المجاهد حازم ابو اسماعيل. إذ كشف موقفه موقف مخالفيه، وهو سبب هذا الهجوم الشرس المضاد عليكم من كثير ممن تعود اتباعكم، ممن أسماهم محمد عبد المقصود بالغوغاء وهم الذين قال إنهم من كان يريد حازم أبو اسماعيل أن نخرج لنصرتهم، ، في حلقته مع الموتور خالد عبد الله.
الأمر ليس أمر حِكمة بقدر ما هو أمر منهجٍ يرجئّ التحرك، ويَصبِر على الظالم حتى يَستشرى ظُلمه، ويحكم قبضته، ثم يُقال ماذا نفعل في وجه هؤلاء وهم أصحاب القوة الآن؟ أنتم من تركهم يستقوون، ويستفحل أمرهم. حسبتم أن هؤلاء من جِنس بنى آدم، أو ممن لهم عقول يفكرون بها، أو آذان يسمعون بها. المشكلة أنكم حين تجتمعون مع هذه المخلوقات العسكرية، تعتبرون أن ما يقولون يحمل، من الصدق أو النية الحسنة ولو واحد بالمائة. هذه هي مشكلتكم.
والله لن تكون لكم أغلبية في البرلمان، تسمح لكم بإملاء دين الله وتحكيم شرعه، بل سيكون لكم مُنافسون من أتباع ساويرس، ومن الفلول. ثم ستقعون في خَيّة الهيئة التأسيسية، والوثيقة، وستساقون قطيعاً إلى الموافقة على دستور "توافقيّ" الذي يعنى "شركيّ أبستاقيّ". وعنده سنرى انشقاق السلفيين عن الإخوان، فما أظن السلفيين قد تحدّروا إلى مستوى الإخوان في االقبول بالدَنيّة في دينهم مثل الإخوان، وما يحدث في تونس والمغرب خير شاهدٍ على إسلام الإخوان. وستندمون على عدم اتبّاعكم نصح من نصحكم بالخروج من الآن، في حمية الأحداث، قبل أن يحتج عليكم الكفرة برضائكم بالبرلمان، وبالخضوع لحكم العسكر حتى حين "تهدأ الأمور". حينها ستهدأ الأمور، لكن على شركٍ وخسارة في الدنيا والآخرة.
ويزعم بعضكم إننا نعطى مجلس العسكر أكثر مما يستحق، فإن تصريحات شواهينه لا تعنى أنها ستتحقق. نقول لهؤلاء، كلامُ حقٍ وقع في قَالب باطلٍ. فإن الله دائما من وراء القصد، وهؤلاء قصدهم مكر السوء بالإسلام وأهله، فلن يتحقق قصدهم إن شاء الله. لكن، هذا لا يكون إلا بعملنا وبوقوفنا في وجهه. فإننا نرى أن العسكر قد أفلح حتى اليوم في كلّ ما سعى اليه، من تأجيل العملية الإنتقالية من ستة أشهرٍ إلى أكثر من عامين، على حساب أن انتخاب رئيس الجمهورية سيكون في عام 2013، كما صَرّحوا قبل الأحداث، بلا موعد محدد. أي ضَاعفوا المدة أربعة أضعاف كاملة، ومن إخراج وثيقة الدستور إلى النور، والتمسك بها، وفي تعيين ثلاثة حكوماتٍ لا يد للشعب في اختيارها. فما الذي يجعلكم اليوم تظنون أن ما يقول العسكر لن يكون؟ خاصة في مواجهة قوة سلمية تتمثل في جسدٍ كبيرٍ، طيب القلب، منزوع المخالب، رقيق الحاشية، يدعى السلفيين البرلمانيين، ولا أقول الإخوان، فهؤلاء أخبث مما يظن السلفيون.
لا أرى أنّ ما فعل هؤلاء في 19 نوفمبر، من تَخَلفٍ، هو من قبيل الحكمة، بل على العكس، هو لا يدل إلا على غَيابِ الحِكمة وتخلفها.