رغم القبول الواسع الذي تلقى به الشباب المسلم ما علقنا به على فتنة "عمرو خالد" إلا إنني تلقيت رسالة من أخ يمثل الشريحة التي اخترقها هذا الرجل والتي هيئ له أنّ ما يقدمه عمرو القصّاص هو الإسلام الذي نزل على محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وأنه الإسلام الذى يحتويه كتاب الله وسنة رسوله وأنه الإسلام الذي سنقف به بين يديّ الله سبحانه يوم القيامة. اللهم لا.
والأمر أن مثل هذا الشباب قد شاء قدره أن يأخذ جرعته الروحية من مثل عمرو القصّاص، والولاء دائما هو للمعلم الأول، فإن كان صوفياً فصوفيّ، أو رافضياً فرافضيّ. وهذا النوع من الشباب لم يعرف شيئاً عن الإسلام وعن التوحيد وعن الشريعة وعن الفقه والحديث وعن السنة والبدعة وعن الفِرَق والنِحَل أو غير ذلك مما يجعله يملك القدرة على التمييز بين الغثّ والسمين أو الصالح والطالح، مما كان دوماً المنزلق الى البدعة سواء بحسن نية أو غير ذلك. ولكن حقّ علينا أن نعيد المحاولة مع هذه الفئة من الشباب لعل ذلك أن يحدث لهم ذكرى.
الأمر أن الإسلام الذي يقدمه عمرو خالد هو نسخة منتقصة ومحرّفة من الإسلام الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم. فالرجل لم يقدم لنفسه باي درجة من درجات العلم بل تحدّث قبل أن يتعلم، وهو يعلم أن ممن يتحدث اليهم – أو جلّهم – لا يعرفون عن الإسلام شيئاً، فلا عليه أن يتحدث وأن يبتكر ما رآه البعض أنه تجديد وتحديث وما هو إلا تحريف وتصحيف
من ذلك أن أحد هؤلاء الشباب ذكر أن القصص يمثل جزءاً كبيراً من القرأن وهو حقّ ولكن لا محلّ له من موضوعنا، فإن طلب العلم من القصّاصين لا علاقة له بقصص القرآن فإن الحديث عن قصص القرآن يحتاج إلى علم بالتفسير وعلم باللغة وعلم بأسباب النزول وعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي كلها علوم عريّ عنها صاحبنا عمرو! لهذا فقد أخطأ ملا يحصى من المرات في أحاديث قصصه، كأن ذكر أن مارية القبطية هي زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي ليست كذلك، بل سريته.
ثم إنّ علماء الأمة قد بينوا مكانة أمثال عمرو خالد والسويدان من القصاصين قبل أن يقول قائل كلمته فيهما بقرون، وعليك بابن الجوزى في كتابه "القصاصين والمذكرين"، والحافظ العراقي في " تحذير الخواص من أكاذيب القصّاص" على سبيل المثال لا الحصر، ثم إن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بيّن حكمهم فقد روى بن ماجة بسند حسن "لم يكن القصص في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا زمن أبي بكر ولا زمن عمر"، كما روى الطبراني عن خباب بن الأرت رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن بني إسرائيل لمّا هلكوا قصّوا."[1]. أما ما جاء عن السلف فهو أكثر وأشهر من أن نعدّده كقول إمام أهل السنة أحمد بن حنبل في الزهد عن أبي المليح قال ذكر ميمون القُصّاص فقال: لا يخطئ القاصّ ثلاثاً : إما أن يسمِّن قوله بما يهزل دينه ، وإما أن يُعجب بنفسه ، وإما أن يأمر بما لا يفعل. بل بلغ أن قال الحافظ العراقي " فيجب على ولاة أمور المسلمين منع هؤلاء من الكلام مع الناس". كما قال مالك بعد أن بيّن كراهيته لإجتماع الناس على القصّاص، قال" يجتمعون على الفقه".
ثم إن الرجل، لخلو عقله وقلبه من الإيمان الصحيح ومعرفة حدّ التوحيد، قد وقع في زلات قاتلة كقوله إن رسول الله "كان بيهزر" في حديث البخارى عن النساء! وعن موسى عليه السلام أن الله "عايز يمرمطه"! هذا ليس بعلم ولا فقه ولا أدب ولا قصص، هذه جراءة على أنبياء الله لا تخرج إلا من منافق عليم أو من جاهل سقيم، ولعل الآخرة أولى تحسينا للظن. ثم ناهيك عن مواقفه من اليهود والنصارى الذين يعتبرهم من الناجين! ويعتبر أن عداءنا لليهود هو بسبب اغتصاب الأرض لا لأن الله تعالى قال فيهم "لتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَوَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ " المائدة 8.
الأمر أن الدعوةً إلى الله علمٌ من علوم الشريعة، بل هي نتاج التحقق بعلوم الشريعة، وقد قسّم الشاطبيّ العلوم التي يطلبها طالب العلم ثلاثة، أصول العلم ومُلَح العلم ثم ما هو ليس من أصوله ولا من ملحه، فما هو من أصول العلم كالعلم بالقرآن (التفسير سواء بالمأثور أو تفسير القرآن كما في أضواء البيان للعلامة الشنقيطيّ، وأسباب النزول والناسخ والمنسوخ وغيرها)، أو علوم الحديث ومصطلحه وأصول الفقه والشريعة ثم اللغة، وهذه العلوم هي التي يجب أن يحصلها طالب العلم ومُلح العلم مثل تتبع عالى السند في الحديث أو الإغراب فيه، أما عما ليس من ملحه ولا صلبه فهو من مثل ما يتحدث به القصاصون من قرّاء "عيون الأخبار" أو "الأغاني" أو "عرائس المجالس للثعالبيّ". فأن يتهجم عليها متهجّم لم يأت من صلب العلوم ولا حتى من ملحها، فيظهر على الناس بوجه الداعية العليم ويتدثر بثوبيّ الزور كما وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يوجه الناس إلى الإسلام الأمريكيّ الصهيونيّ بخرافات التقارب بين الأديان وأن أصحاب "الأديان" كلهم ناجون! فهو ما لا يصح السكوت عنه بحال.
وعلى الشباب الذين انتبهوا للإسلام من خلال قصص عمرو خالد أن يعلوا عن هذه المرحلة وأن يحمدوا الله تعالى على نعمة الإسلام ويدعوا الله أن ينجيهم من البدعة، ثم أن يتجهوا إلى طلب العلم من مظانه وعلى أيدى المتحققين به، فالحق أحق أن يتبع.
[1] رواه الطبراني والضياء المقدسي في المختارة وحسنه (صحيح) انظر حديث رقم: 2045 في صحيح الجامع