فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      بين فتنة الصمت، وفطنة الجهر

      الحمد لله والصّلاة والسّلام على رَسول الله صلى الله عليه وسلم

      في لقائه الأسبوعي على قناة الناس، يوم 27 نوفمبر، 3 من المحرم، مسّ الشيخ المجاهد حازم أبو اسماعيل مواقف بعض المتخاذلين، الذين اتهموه بإشعال الفتن، وبمسؤليته عن دماء من قتل في ذاك الأسبوع المنصرم. وهو، كعادته، لا يحب أن يتحدث عن أسماء بعينها، وإن كان الشَارع الإسلاميّ يعرف من يقصد، ولابد لأحدٍ أن يقوم بهذا الواجب نيابة عنه.

      لكن ما أردت أن أعلق عليه هنا أنه قد أوضح موقفه من تصريح شاهين الجيش، الأخير، والذي عزاه إلى أنه ورقة أخيرة في يد مجلس العسكر، بعد أن ضعف مركزه ولم يعد على سابق قوته. وقد أثلج الصدر حين قال أنه لا يرى لبقائهم في السلطة بعد إنتخاب النواب تبريراً ولو ليوم واحدٍ، إذ يصبح تسليم السلطة مُحتماً. وهو ما كنا نتوقعه منه ومن أمثاله.

      إلا إنه، كما نوّهنا من قبل، فإن شيوخ الصمت والتخاذل، ورموز التخلف والتقاعس، لم يصدر عن أيهم أي تصريحٍ أو تلميحٍ عمّا قاله هذا الشاهين، مَهيض الجناح، من حيث وضعهم في قفص واحدٍ، مُكبلة أيديهم وراء ظهورهم، وأعلنها صريحة أنّ عليهم أن يسحبوا ذيولهم بين أرجلهم، وأن يستديروا للخلف، ولا يجرؤا على المطالبة بحكومة أو صلاحية.

      يا شيخ محمد عبد المقصود، أيَصح في دين الله أن تتغمز وتتساءل عن موقف الشيخ حازم، ثم لا تذكُر ما قاله شاهين ولا تعلن موقفك منه البته؟ أهذا ما علمته لك سنوات درسك للحديث؟ أتكون كطالب العلم الذي ظل فقيهاً في العلم النظرىِّ ، ثم حين دخل المَعمل، رسب في العمليّ من أول مرة؟

      وإنى لأسال الشيخ، لماذا الصمت عن تصريح ممثل العسكر؟ أتظنه هزراً أو صرفاً للوقت، أو لعبة يلعبها؟ أم إنها تصريحاتٌ مقصودة للتهديد والوعيد، وتأكيد أن طريقهم لن يتغير ولن يتبدل، فإن دون إسلامية الدولة، إسلامية صحيحة لا إخوانية متلونة ولا سلفية مُلجّمة، هو أمر دونَه خرط القتاد

      ألا يَحسُن بهذا الشيخ وأمثاله، أن يَشْحذوا أتباعهم بما يجب أن يَحذروا منه، وهو واقعٌ لا محاله، أم إنهم يُعدون العُدة للصمت، الذي يحسنونه، إلا في الحديث عن طلب السكينة والإستقرار الزائف، تحت سيطرة العسكر؟

      لعل الشيخ حازم يدرك من الآن، أنه لا يجب أن يُعوّل على مشايخ الصمت والصَمَم، ورموز القهر والتقاعس، فإن هؤلاء لا يتحركوا إلا إن أمنوا العَواقب، وظَنوا أنها لهم ليست عليهم، بحسابات الدنيا، المُتلفّعة بالشَرع المزور على الله ورسوله. وما هو مُقدِمٌ عليه، له عواقبه، المَحمودة إن شاء الله، بثمنها.

      والله، يا شيخ حازم، إن طريقك، وهو طريقنا، ليختلفان ولا يجتمعان مع طريق هؤلاء في أية نقطة، إن كان الهدف هو إتمام الحرية والبلوغ بالبلاد إلى حكم الله حقاً.

      لن ينصرك هؤلاء يوم المُواجهة، بل سيقولون لك إن الإستقرار أهم للبلاد، وسيأتى دورنا في تشكيل الحكومة، ويمكن لنا ساعتها أن نبدل ونعدل، وعلينا أن نقبل الآن بالوثائق المعدة، ليمكن لنا استلام السلطة.

      إن "استلام السلطة" عند هؤلاء مقصد أساسٌ وأول ووحيد، مهما كانت هذه السّلطة، مقيدة، أو مُدجنة، أو مَسلوخة من موضوعها. إنما هم يريدون أن يقال في الصحف "الإخوان والسلفيون في السلطة"، ثم ليكن بعدها ما يكون.

      لاشك أن استلام السلطة أمر تتفق عليه العقلاء، لكن مقصودنا بالسلطة غير مقصود هؤلاء المشايخ الصامتة والرموز المُدجنة. السلطة عندنا هي السلطة الكاملة الطليقة غير المقيدة، والسلطة عندهم هي أن يقال أن فلاناً من الإخوان هو رئيس الوزراء، وأن علاناً من السلفيين هو نائب رئيس الوزراء. وشتان ما بين المفهومين. الأول حقيقة وواقع وممارسة ونصح للأمة وإقامة لدين الله. والثاني شَكل وفراغٌ ووهم ٌوملاينَة للباطل، وشِرك في الحُكم، وإضاعة للدين.

      العجيب أن السلفيين قد غيروا طريقهم 180 درجة، بعد أن فتحت لهم الثورة، التي رفضوها وبدّعوها ابتداءاً، منفذا للتنفس، دون إستئذان أمن الدولة كما تعودوا من قبل. فقد كان موقفهم من الإخوان معروفاً، موقف تبديع وتفسيق وتخوين. ثم إذا هم ينقلبوا على أعقابهم ويصبحون من السائرين على درب اللإخوان حَذو القذة بالقذة، ويشهد الله ما غير الإخوان طريق ولا استبدلوا وسيلة، إنما هي المصلحية البراجماتية، والتلون والملاينة في دين الله كما عهدناها منذ ستين عاما، وإنما تغير السلفيون، فدخلوا معترك السياسة وهم لا ناقة لهم فيه ولا بعير.

      ومن المعروف أن حزب النور هذا، هو لعبة في يد رموز السلفية الصامتة المُدجنة المُسيّسة، وسيكون، من ثم، لعبة في يد الداخلية الجديدة كما كانوا من قبل، ولعبة في يد من يتولى السلطة أيّا كان. وما أشبه اليوم بغدٍ.

      يجب على علماء السنّة الصحيحة مثل الشيخ رفاعي سرور وأبو الأشبال وغيرهم ممن في طبقتهم أو أصغر منهم سناً، أن يقوموا بحملة توعية، تظهر الحق وتشيد بأهله، وتفند الباطل وتُعرّف بأهله، فإن هذا هو منهج الله ومنهج رسوله صلى الله عليه وسلم ، حين يكون هؤلاء مستعلنين بالمعصية داعين اليها، ومروجين لها بين صفوف الشباب، وإن تصور البعض إنها إجتهادٌ، رددنا عليه قوله، فالمادة الإفتائية بَينة بين أيديهم، إنما هو الهوى والضعف، اللذان إن اجتمعا، ذَهِلت العقول، وطُمست القلوب، وزَلّت الأقدام.

      ويا شيخ عبد المجيد الشاذلي، علامة أهل السنة، نوصيكم، وأنتم أهل الخير والعلم، أن توَجّهوا أبناء دعوتكم، بألا يستكينوا لباطل البرلمان، إلا إن أعلن أهله أنهم بُرأآءٌ مما قال شاهين العسكر، جهارا وعلناً. فإنه بدون ذلك، نكن قد عدنا لما كانت عليه برلمانات الباطل التي وقفنا في وجهها عقوداً عديدة من قبل، ونكون ممن خان الأمانة ونكص عن الدرب، وحاشا أمثالك عن ذلك.  

      لا يصح أن يستمع مسلم لهؤلاء المشايخ، وإن أحسنوا الحديث في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتشدق بالرْقائق، إلا إن أعلنوا البَراء مما قال شَاهين، الذي هو مَهين ولا يكاد يُبين، براءة تامة، فالأمر أمر مفاصلة على العقيدة، ليس فيه محل لهُراء وتلاعبٌ وتلون وسياسة، تخرج المسلم من دين الله إلى شرك العبادة.

      الأمر قد بات واضحاً جلياً، بين نورٍ ونهار، وظلمة وليل، وبين حق وصدق، وباطل وزيف، بين قوة وتمكين، وبين ضعف تسكين. بين عمل وجهر، وبين صمت وجهل. وما أحسب أن هؤلاء الذين عاشوا عمرهم في صمت وطأطأة رأس، برافعيها اليوم، مهما كان الثواب، ولا حول ولا قوة إلا بالله، إنما هؤلاء قد وقعوا فيما وقع فيه أهل الأهواء، من شدة في موضع لين، ولينٍ في محل شدة. اختلط عليهم الأمر، وتزاحمت عليهم الأحداث، فباتوا بالجهل موصوفون، وبآثاره متحلون، وصدق القائل

      والجهلُ موتٌ فإن أوتيت معجزةً         فابعث من الجَهلِ أو فابعث من الرجمِ