فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      الضبابية المفتعلة

      إختلفت طوائف وفئات الشعب المصري منذ قيام ثورة 25 يناير في كثير من الأراء والمفاهيم، ولكن هذا الخلاف تفاقم وبشدة منذ تظاهرة 18 نوفمبر - التي لم تنتهي للآن -  والتي تلت وثيقة السلمي، حتى أن كل فئات مصر وطوائفها ماعادوا يتفقوا على أي أمر ، فإنعدمت الثقة تماماً وأصبح الكل يخون غيره وأضحى شعب مصر يعيش في ضبابية تحول بينه وبين سبل البحث والتدقيق. وما زاد الطين بلة هو تزامن هذا التخبط الشعبي مع مواعيد إنتخابات المجلس الشعبي.

      ولأنني حضرت هذه المرحلة وقرأت وسمعت للكثير من أراء المعتصمين والصحفيين وغيرهم من أفراد الشعب بمختلف طوائفهم الدينية والحزبية توصلت لنتيجة هامة وهي أن الكل يجتمع على أمر واحد هام وهو أن المجلس العسكري هو سبب هذا التناحر وأن هذا يرجع للضبابية المعتمة المقصودة والمفروضة على الشعب من خلال تصريحات المجلس المتضاربة والأكاذيب والتشويه والتعتيم الإعلامي بغرض إختلاق حالة كثيفة من الفوضى وتشوه الرؤيا.

      فعلى سبيل المثال: منذ فترة قررت المحكمة الإدارية العليا - التي قضت بحل الحزب الوطني بسبب إفساده للحياة - بإلغاء حكم المحكمة الإدارية بالمنصورة الذي قضى بمنع أعضاء الوطني السابق من الترشح للمجالس الشعبية أو المحليات إستناداً لأمر المحكمة الإدارية العليا، وهو مناقض تماماً للحكم الأول!

      مثال آخر: بينما أصدر المجلس العسكري بعد تظاهرة 18 نوفمبر قانون العزل الذي بمقتضاه يجوز عزل أي مرشح يثبت أنه كان عضواً سابقاً في الوطني المنحل، ثم قام المجلس بتعيين كمال الجنزوري رئيس الوزراء السابق في عهد مبارك لفترة طويلة وأحد الأعضاء البارزين في الوطني المنحل خلافاً لإرادة الشعب!

      مثال آخر: بعد سماع أقوال شهداء عين من المتظاهرين عن وقائع قتل ضباط الشرطة للمتظاهرين عمداً بالرصاص والخرطوش والغازات الكيماوية بالإشتراك مع الشرطة العسكرية وسحلهم وإلقاء جثث بعضهم في القمامة وإثبات هذه الوقائع من خلال تصويرها على الهواء مباشرة على معظم القنوات التلفازية، صرح المجلس العسكري ومنصور العيسوي بأن قوات الشرطة والشرطة العسكرية لم تستخدم الذخيرة الحية لقتل المتظاهرين وأن كل هذه الإشاعات هي فقط مؤامرة مفتعلة لإختلاق صدام بين الشعب والجيش والشرطة! ولكن حين أصدرت النيابة أمراً بالقبض على أحد الضباط الذين تم تصويرهم متلبسين بإطلاق الخرطوش على المتظاهرين إمتنعت الداخلية عن تسليم المتهم للعدالة.

      مثال أخير: كشفت وسائل الإعلام أن العسكري مازال يدفع لحسني مبارك" الكنز الصهيوني" و السجين رهن التحقيقات - لفساده السياسي ونهب مقدرات المصريين - مبلغ 93 ألف جنيه شهرياً إضافة لمصاريف إقامته في مستشفى سبع نجوم، بينما يحاكم المصريين الشرفاء عسكرياً لأنهم إنتقدوا سياسة حكم المجلس!!

      وما لفت إنتباهي بشدة أيضاً هو تصريح للإعلامية بثينة كامل – والتي وقعت ضحية لقمع الشرطة وتعرضت للتحرش والإهانة بدون أي سبب – ولما تساءَلت عن سبب هذا القمع الغير مبرر قال لها أحد الضباط الكبار أنهم ينفذون خطة مرسومة بين المجلس والشرطة وأجهزة المخابرات والمباحث بمعرفة العادلي!

      إلا أن تظاهرة 18 نوفمبر كانت بمثابة تغير جلي في رسائل الشعب للحاكم العسكري، حيث أن الشعب المتظاهر -  والذي يمثل أراء الغالبية - قد طالب الحاكم العسكري بترك حكم مصر  لمجلس رئاسي مدني مؤقت ومنتخب حتى يتفادى الشعب الوقوع في ملحمة مع الجيش المصري وهو ما لايريده الجميع -  في رأيي إلا المجلس العسكري الذي يراهن على هذه السياسة التهديدية!

      وللرد على هذه التظاهرة قام العسكري بتنظيم تظاهرة معاكسة تضم جماعة "آسفين يا ريس" وآخرين مؤجورين باليومية يهللون بحمد المجلس، ومنهم من إعترف أنه تظاهر خوفاً من تفاقم الأزمة بين الشعب والمجلس أي لتفويت فرصة الإحتكاك مع الجيش. غير أن هذه التظاهرة الكرتونية بميدان العباسية تذكرنا بتظاهرة " ... ... لا تتنحى" المدبرة في عهد جمال عبد الناصر بعد هزيمة 67 الشنيعة وثبات فشل وخيبة أمل هذا النظام تماماً!

      كل هذه الدلائل تأتي ضمن سياق تطبيق المجلس العسكري لأساليب التشويه الإعلامي وإرسال رسائل متضاربة في كثير من الأحيان لإختلاق بلبلة سياسية وتزوير المشهد الحقيقي وتعتيم ما لا يريدون لأحد معرفته وهو ما أوصل الواقع في مصر حالياً أشبه بالمشهد الضبابي المُعتم الذي لا يمكن التعرف فيه على الحقيقة وهو ما يزيد من حدة التناحر بين فئات الشعب وطوائفه. والظاهر أن نظرية "فرق تسد" ليست نظرية بريطانية بحتة!

      وبينما يُفترض الآن أن يكون الأمر الشاغل لعقل كل مصري حر شريف هو كيف يمكن لهذا البلد المنتكس أن يخرج من هذه النكسات ويخطو أول خطوة في الإتجاه الصحيح للأمام يضيع معظم أفراد الشعب وقتهم في ضرب "الأخماس في الأسداس" خشية الوقوع في فتنة أعظم.

      كما أن هناك العديد من قرارات وتصرفات العسكري التي تدين أعضائه بوضوح ودون أي لبس في تورطهم في أفعال غير قانونية ولا دستورية ومخالفة لإرادة الشعب والثورة، وتنبع من خوفهم من نظام ديموقراطي جديد شريف يحكمهم ويحاسبهم ويدين كل من تورط منهم في جرائم سياسية أو مادية. وهنا يأتي الوجه المظلم للإعلام المصري المرتزق والمخادع الذي مازال يتبع سياسة مبارك الفاشلة والذي يحاول إظهار المجلس العسكري  بالطرف البريء الطاهر  المعصوم والمظلوم.

      ولو تيقن الشعب لهذا المخطط وإتضحت رؤياهم للحقائق يمكنهم بسهولة الإتفاق على تحرير الإيجابيات في مصر والإطاحة بالعوائق التي تعوق التخطي للأمام بدلاً من بذل الجهد في الترجل إما في دائرة مفرغة أو للخلف.

      أرى أن إيجابيات مصر بدون شك في وجهة نظري تكمن في العديد من الموارد ولكن أهمها هو الشعب. فشعب مصر المؤمن هو القوة العددية الصابرة التي يمكن أن تنهي حالة الإنفلات الأمني المدبر، وهو العزيمة على الوصول للحرية والخروج بأهله من الفقر، وهو إرادة التخلص من المعاناة والطواغيت والخونة والوصول للعزة والكرامة ، وهو الذي يريد إرضاء الله وإستخلاص الوطن من بؤر الظلم الذل والظلم والقمع والإستعباد وإخراجه لنور الحرية والعدالة، وهو الضامن لتطهير مصر من الخونة والعملاء واللصوص والفسدة، وهو المنتفع الطبيعي من إخراج مصر من عهود الذل والإستبداد إلى إشراق الحرية والكرامة والعزة.

      الشعب المصري هو الآن الضحية الوحيدة للضبابية العسكرية المفتعلة والشعب هو الوحيد القادر على الخروج منها لرؤيا واضحة جلية، فهل إلى الخروج من سبيل؟

      ومع أن رأيي السياسي والعقائدي يختلف مع الكثير من الأحزاب العلمانية والليبرارية المسيحية والشيوعية و العديد من الجماعات الإسلامية الحركية، إلا إني لا أخونهم بسبب خلافي معهم وإنني مقتنع تماماً بوطنية أكثرهم وولائهم لمصر، ولكنني أطالب الجميع بالتوقف للتفكير ولو لدقيقة فيما نريد تحقيقه لمصر الحبيبة من خلاص، وخطورةالفُرقة أو السلبية في حياة مصر السياسية وحياة مواطنيها لمئات السنين. فتصحيح المسار الثوري والتطهير قد يأخذ منا بعض الوقت ولكننا بمشيئة الله سوف نتعدى بمصر إلى بر الأمان، أما الفُرقة والتخبط والسلبية والخوف سوف يُرجع مصر لعهد هزائم ونكسات عبد الناصر وفي مواجهة زحف الدولة الصهيونية المتقدمة والقوية جداً والزحف الشيعي المستمر من الشرق وتهديدات الجنوب لقطع مياه النيل، إضافة إلى الخراب الإقتصادي.

      كما وأنادي في هذا المقال كل عقلاء الجيش المصري بإظهار ولاءَهم لمصر وشعبها وأذكرهم بيمينهم وقسمهم القومي بأن مهمتهم هي لحماية شعب مصر وحدودها وليس لحماية مجلس التسعة عشر، وأنادي الشرفاء من شرطة مصر المدنية بمساعدة الشعب المصري لتطهير مصر وتأمين شوارعها وطمأنة مواطنيها وحماية دستورها.

      أنصح أن نتفق على تولية الدكتور حازم صلاح أبو إسماعيل المنسق لتظاهرة 18 نوفمبر  على رأس لجنة شعبية من الشرفاء ليتفاوضوا مع المجلس العسكري لإنهاء المهمة السياسية التي أوكلها مبارك للمجلس من الحياة السياسية في مصر، حتى يتمكن الشعب من تحقيق مطالب الثورة وتنظيم الإنتخابات الشعبية ثم الدخول في مرحلة إنتخاب رئيساً لمصر ثم القيام بإستفتاء على بنود دستور جديد.

      وبعد إجتياز هذه المرحلة الحرجة يمكننا أن نستند إلى صناديق الإقتراع كي يطالب كل منا بما يريد، كي نحقق توازن بين طوائف المجتمع وفئاته، كي نضرب مثلاً  للعرب والعجم أننا شعب مصر قادرون على مواجهة مصاعب الدنيا فنقوم بواجبنا الوطني لنترك لإبنائنا إرث كريم ونحظى برضاء الله وهو سبحانه وتعالى نعم المولى ونعم النصير.

      رءوف غزي